§ مجالس الإمام :
وبعد رحلة طويلة في طلب العلم برز الإمام "الليث بن سعد" بين
أقرانه من العلماء فقيهًا نابغة، ومحدثًا ثقة، واتخذ لنفسه مجلسًا
في مسجده يعلم الناس فيه، وما هى إلا فترة وجيزة حتى بلغت
شهرته الآفاق، والتف حوله طلاب العلم من شتى البقاع، ثم
أصبح للإمام بعد ذلك كل يوم أربعة مجالس :-
§ مكانة الإمام وعلمه :
كان الإمام "الليث بن سعد" من الفقهاء البارزين في زمانه، وقد
ذاعت شهرته بين العباد، وطافت سيرته بين البلاد، وعرفه
الخلفاء والأمراء، وأثنى عليه العلماء، وشهدوا له جميعًا
بالإتقان والحفظ ،
وسعة العلم .
قال عنه "العلاء بن كثير" : "الليث بن سعد سيدنا وإمامنا
وعالمنا".
وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل : "ليث كثير العلم، صحيح
الحديث".
وقال عنه الإمام الشافعى : "الليث أفقه من مالك" يقصد الإمام
"مالك بن أنس" إمام أهل "المدينة" .
§ الليث واليًا :
تولى الإمام "الليث" عدة مناصب، منها:
رئاسة "ديوان العطاء" أثناء ولاية "صالح بن على بن عبد الله بن
عباس" على "مصر" من قبل الخلافة العباسية.
كما تولى "الليث ابن سعد" رئاسة "الديوان" أيام الخليفة العباسي
"المهدي"، وكان قد عرض عليه قبل ذلك الخليفة العباسي "أبو
جعفر المنصور" ولاية "مصر" لكن الإمام "الليث" اعتذر له.
§ شخصية الإمام :
كان الإمام "الليث بن سعد" محدثًا ثقة، وفقيهًا نابغة، عرف
بتقواه وورعه، وجوده وسخائه وكرمه؛ فقد كان الإمام من
أغنياء العلماء.
وكان دخله كما قال ولده "شعيب" : ما بين عشرين ألف دينار
إلى خمسة وعشرين ألف دينار فى العام، كان ينفقه جميعه في
سبيل الله، لذلك لم تجب عليه زكاة مال قط؛ لأنه كان ينفق ماله
كله قبل أن يمر عليه العام .
وكان الإمام "الليث" – رحمه الله – يتصدق كل يوم على ثلاثمائة
مسكينٍ، وكان لا يأكل أبدًا إلا مع الناس.
جاءته امرأة يومًا، وقالت له : يا أبا الحارث، إن ابنًا لي عليل،
واشتهى عسلاً، فقال : يا غلام، أعطها مرطًا من عسل،
(والمرط :مائة وعشرون رطلاً ).
وكان من جود الإمام وكرمه وحبه للعلم والعلماء أنه كان يرسل
كل عام إلى الإمام "مالك ابن أنس" مائة دينار، وعندما كتب إليه
الإمام "مالك" على دين كان عليه بعث إليه الإمام "الليث
" بخمسمائة دينار، وعندما خرج الإمام "الليث" مرة للحج قدم
"المدينة"، فبعث إليه الإمام "مالك" بطبق عليه رطب، فوضع
الإمام "الليث" على الطبق ألف دينار، ثم رده إليه .
وعندما احترقت كتب "ابن لهيعة"، وكان فقيهًا ومحدثًا كبيرًا،
بعث إليه "الليث" على الفور بألف دينار .
§ وفاته :
توفى الإمام "الليث بن سعد" يوم "الجمعة" فى النصف من شهر
"شعبان"سنة (175ﻫ)، الموافق (791م)، ودفن بالقاهرة، وشهد
جنازته جمع غفير وحزن لوفاته الكثير.