[align=center]
الاختبارات الدراسية تبدأ بالحفظ وتنتهي بتمزيق الكتب
الاختبارات الدراسية كأداة وحيدة لتقويم التحصيل العلمي لطلابنا يجعلها تعاني الضعف كوسيلة تحكم على إنسان بكامل قواه العقلية وطاقاته الكامنة بأنه إنسان ناجح أو أنه إنسان نجح في الفشل، عبر أوراق بيضاء مصفحة فقط تمثل هذا الطالب (الإنسان) درجات، وكأن خبرات الطالب وحضوره وتفاعله ونموه متمثلة في تلك الورقة المرعبة التي جعلت من نظام الاختبارات مارداً عتيداً يجلد، ويمارس سلطويته النافذة على طلابنا وأسرنا، ليكون المحك الوحيد لتصنيف الطلاب إلى ناجحين أو راسبين.
ولأن الهدف العام للتعليم هو النمو الشامل للطالب، فبالتالي الاختبارات تمثل انفصالاً تاماً للطالب عن المنهج الدراسي، وإبعاده عن التحصيل العلمي، وتجعله في دائرة التذكر والحفظ فقط.
وبذلك ستكون أداةً قاتلة لروح الإبداع الكامن لطلابنا وللتعلم التطبيقي المهاري والتفكير الإبداعي، مما جعلها سبباً لنفور طلابنا من المدرسة وحبها والانتماء لها، بدلاً من أن تكون مؤسسة جاذبة في حياة الإنسان المعاصر.
وما يؤيد ذلك مع الأسف مشهد يتكرر كل فصل دراسي يشوه العملية التعليمية، وهو رمي بعض الطلاب وتمزيقهم للكتب الدراسية بعد الخروج من قاعة الامتحانات، بالإضافة لانتشار محاولات الغش المستميتة بجميع الطرق وتفننها، أما الاستنفار الأسري ومشاكله فهي لازمة سعودية تتكرر سنوياً عدة مرات، مما جعل الاختبارات هاجسا كبيرا للمجتمع بأسره، وعاملا مهما في تهديد مستقبل الطلاب ليس العلمي فحسب، بل تعداه إلى العامل النفسي والمهني.
وبذلك تحول دون تدعيم قدراتهم الذاتية والمهارية بتقصي المعلومة وحفظها وتخزينها في الذاكرة، واسترجاعها فقط في ورقة أثناء الفصل الدراسي ونهايته من كل عام، حتى حصوله على شهادة تخرجه من الجامعة، لينتظرنا السؤال الأهم بطرحه علمياً ومنطقياً، هل النتائج التي يحصل عليها الطالب في مدارسنا، بل جامعاتنا تعكس وتمثل واقعه المعرفي والمهاري فعلاً؟
طرق القياس وأدوات تقويم مستوى الطلاب كثيرة وعديدة، ولكن تعليمنا العام والعالي يهملها عند وضع الاختبارات كركن شبه كامل أهمل بقية طرق القياس، فالدرجات التي توضع على الاختبارات تمثل نسبة كبيرة جداً من قياس ذلك، فأنا لست مع إلغائها، ولكن لست مع قياس مستوى أبنائنا الطلاب عبرها فقط.
الاختبارات بوضعها الحالي لا تتجاوز مستوى التذكر في معرفة الطالب، ولا يمكن أن تقيس مهارات الطالب المهارية والفعلية المكتسبة من خلال الدراسة لمدة عام كامل، ولكن تقليص هذه النسبة الكبيرة لتوزيع الدرجات، وإعطاء بقية أساليب القياس مساحة لتقيس جميع مستويات التعلم التي اكتسبها الطالب من خلال دراسته لعام كامل مطلب تعليمي حديث، حيث يمكن تطبيق القياس وأدوات التقويم كالملاحظة، وملف الطالب، والواجبات المدرسية، والتجارب المعملية، والأبحاث، و الكوزات Quiz، والمشاريع، بالإضافة إلى الأنشطة الصفية، والأنشطة اللاصفية.
ويمكن تطبيق جزءٍ من التقويم المستمر طوال العام الدراسي، لاسيما بعد نجاحه في المرحلة الابتدائية، ويكون عبر توزيع مناسب يلائم كل مادة دراسية، وبما يتناسب مع أهدافها، وبالتالي يمكن أن توزع المئة درجة عليها.
وسأذكر فقط مثالاً عملياً لكيفية قياس مستوى طلابنا في مادة القواعد أو النحو والصرف، ومن هذا السؤال سننطلق، لماذا يدرس طلابنا مادة دراسية من الصف الرابع حتى تخرجهم من الثانوية العامة، بل حتى الجامعة، وبعد ذلك لا يستطيع الطالب أن يتحدث بجملٍ سليمةٍ أو كتابة صفحة دون الوقوع بالأخطاء النحوية؟
سبب ذلك يعود إلى قلة الاهتمام بطرق التدريس والقياس والتقويم، بما يدعم مهارة المحادثة التي هي أهم مهارات تعلم جميع اللغات في العالم، ولو كان لها نصيب في أدوات التقويم وبتوزيع نسبي في الدرجات، لربما كانت سبباً في اعتدال ألسنة ولغة طلابنا وتعلمهم، ولكنها طرق قياس مستوى الطالب التي انحصرت في الاختبارات فقط، فبذلك لا يوجد قياس لمدى تطبيق الطالب ما تعلمه سوى ورقة بيضاء يكتب فيها ما حفظه، ليحدد بها أن إعراب الفاعل أو المبتدأ هو اسم مرفوع ... فقط، دون أن ينطق به أو حتى كتابته تطبيقياً، ودون قياس لمهارته الحقيقية لذلك.
هذا مثال على جزئية في مادة فقط، فماذا عن المواد العلمية والتطبيقية الأخرى التي يجب أن تختلف أدوات القياس فيها من مادة لأخرى حسب أهداف المادة ؟
نتمنى أن يطرح هذا الموضوع بجدية، ويطبق في مدارسنا وجامعاتنا، بحيث يؤهل المشرفون والمعلمون ويدربون على أدوات القياس والتقويم الحديثة، بدلاً من الاختبارات فقط التي مازلنا نتبعها منذ بدء التعليم في بلادنا.
من المهم أن تكون نظرتنا للعملية التعليمية تكاملية، وتتضمن التوازن بين عناصرها الثلاثة، وهي التعلم والتعليم والتقويم، واعتبار التقويم جزءا لا يتجزأ من العملية التعليمية، وليس بمعزل عنها، حتى نتعرف على إمكانات التعليم والتعلم ومخرجاته وتنميتها وتطويرها. [/align]