الصيام علاج ناجح للتخلص من البدانة ومساوئها وكوليسترول الدم يتأرجح ارتفاعا وانخفاضا أثناءه
جدة: «الشرق الأوسط»
إن مما يؤسف له أن يصبح الشهر الذي شرع للعبادة وراحة الجهاز الهضمي، مجالا للترف والإسراف عند الصائمين، فنجد أن وزن الصائم يكتسب عدة كيلوغرامات بعد نهاية الشهر الكريم، بدلاً من أن يفقد بضعة كيلوغرامات أو على الأقل يظل على ما كان عليه سابقاً. وزيادة الوزن شكوى عامة بعد انتهاء شهر رمضان، يعاني منها الجميع، ولو تساءلنا من أين جاءت هذه الزيادة، لعلمنا أن استهلاكنا من المواد السكرية والدهنية قد تضاعف، وتراكم في جسم الإنسان على هيئة دهون لا فائدة منها، بل قد تؤدي إلى الضرر الشديد.
إن الصوم يُبْقِي على الأنسجة والأعضاء الحيوية بجسم الانسان، لكنه يحطم ويتلف ما فاض عن حاجة الجسم من مخزون، وهذا ما يحدث بشكل واضح أثناء الصوم الطويل.
ومما يذكر عن أخبار المعمرين أن أكبر مسن في العالم هو رجل مسلم إيراني بلغ عمره 135 عاما، وله خمسة أبناء، وخمسة وستون حفيدا. وذُكر عنه أنه لم يتناول في حياته دواء قط، وأنه كان يصوم يومين من كل أسبوع، وأنه استمر في رعاية خرفانه حتى تلك السن.
ويؤكد على ذلك الدكتور حسان شمسي باشا، استشاري أمراض القلب بالمستشفى العسكري بجدة، بأنه رغم ذلك، فقد جاءت بعض الدراسات العلمية التي أجريت في رمضان بالعديد من المراكز الطبية المتقدمة، لتؤكد أنه على الرغم من عدم التزام الكثير من المسلمين بقواعد الإسلام الصحية في غذاء رمضان، وإسرافهم في تناول الأطباق الرمضانية الدسمة والحلويات، فإن الصيام قد استطاع إنقاص الوزن بمعدل 2 3 كيلوغرامات، وفي هذا دلالة واضحة على أنه إذا ما التزم الصائم نظاما صحيا سليما في غذائه في رمضان، فإن ذلك سيؤدي إلى خفضٍ أكبر للوزن، وإلى التخلص من البدانة وما فيها من مساوئ.
ويضيف بأن الصوم يعتبر في الدرجة الأولى راحة للجسم، وراحة لأعضائه التي أنهكها الإفراط في الطعام، فيمنحها الفرصة لإصلاح ما أصابها من عطب وأذى، ويعطيها مهلة كافية تطرح فيها السموم والفضلات، وتصبح جاهزة لمجهود عام جديد آخر.
ولا بد من الإشارة إلى أن الصوم لا يقوم بإزالة السموم مباشرة، لأن هذا من واجب أجهزة التفريغ في الجسم، لكن الصوم يمنح هذه الأجهزة الفرصة لإنجاز عملها ويعطيها الوقت اللازم لاستكمال هذا العمل حتى لا يتراكم عليها مع مرور الوقت.
يقول الدكتور حسان شمسي باشا، إن الدراسات العلمية الحديثة التي أجريت على الصائمين اختلفت في ذلك، فمنها ما أظهر ارتفاعا في كوليسترول الدم في نهاية شهر رمضان، ومنها ما أظهر أن الكوليسترول قد انخفض خلال نفس هذا الشهر.
أما الغليسريدات الثلاثية، وهي أحد أنواع الدهون في الدم، فإن الدراسات التي أجريت من أجل تقييمها، تشير إلى حدوث زيادة طفيفة في نهاية شهر رمضان. ولا غرابة إن سمعنا تلك النتائج، فللأسف الشديد يملأ العديد من الصائمين بطنه بما لذ وطاب من طعام، ثم يردف ذلك بكميات من الحلوى والكنائف والقطائف.
ويكفي أن نعلم أن قطعة صغيرة من الكنافة تزن مائة غرام تعطي من السعرات الحرارية، أكثر مما يعطيه رغيف من الخبز أي 400 500 سعر حراري. وتعطي كمية مماثلة من البقلاوة، حوالي 550 سعرا حراريا.
وإضافة إلى هذا، فإن هذه الأغذية وما شابهها من حلويات بطيئة الهضم، فيستحسن عدم الإفراط فيها، بل يجب تجنبها عند البدينين والمصابين بمرض السكر أو ارتفاع دهون الدم. كما أن الطعام المقلي يحول الدهون إلى دهون صعبة الهضم وهي أكثر إرهاقا للجهاز الهضمي، ولهذا يستحسن تجنب المقالي، أو الإقلال منها على الأقل.
وأما المسبكات التي يجري إعدادها باستعمال الصلصات والتوابل والدهون وأشياء أخرى كثيرة، فهي تركيبة معقدة ترهق المعدة، وتمكث فيها وقتاً طويلا. ولا غرابة أن يشعر البعض بعدها بتلبك الأمعاء وعسر الهضم. إن من الحقائق العلمية المعروفة أن الجلوكوز هو المصدر الأساسي للطاقة في المخ والأعصاب، وفي حالة الصيام، فإن الجسم يستهلك مخزون الجلوكوز الموجود في الأعضاء لكي يوفر الطاقة اللازمة للمخ والأعصاب وغيرها من الأعضاء. ويعتمد استهلاك الجسم للجلوكوز أيضا على الحركة والنشاط، لذا فعند زيادة حركة الجسم يزداد استهلاك الجلوكوز. وعندما ينتهي مخزون الجلوكوز من الجسم، فإن الأعضاء تستعين بالكبد لكي يوفر لها الجلوكوز الذي تحتاج إليه للقيام بوظائفها ونشاطاتها.
ومن الحقائق العلمية المعروفة أيضاً أن مصدر الجلوكوز الموجود في الكبد هو من مخزون الدهون أو من العضلات، فعند الحاجة إلى مزيد من الجلوكوز تقوم إنزيمات خاصة بتكسير الدهون والعضلات ومن ثم ترسلها إلى الكبد. أما بعد الإفطار، فسرعان ما يعتمد الجسم على تمويل نفسه بما يحتاج إليه من الجلوكوز وغيره من المواد الغذائية البناءة.
يقول الدكتور صداح أنور عشقي، استشاري التغذية العلاجية ورئيس قسم التغذية بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة: لو تصورنا أن لدينا غرفة خزين في البيت وأردنا أن نستخرج كل ما بداخل هذه الغرفة ونأخذ الذي نريده ونستبعد الذي لا نريده، وهذا ما يحدث بالفعل في أجسامنا من دون أن ندركه، فهذه العملية تساعد على تجديد المخزون في الجسم. ومما لا يدركه الصائم أيضا، أن الجسم يخزن كثيرا من المواد الغذائية النافع منها والضار، على أن يقوم الجسم لاحقاً بالتخلص من غير المفيد منها بعمليات الاستقلاب المختلفة.
وكثير من الصائمين يتناولون أنواعاً من الطعام لا يعتبرها الجسم من الأسس التي تُبنى عليها الصحة ومثال ذلك كثُرت الموائد بالمشروبات الغازية آو المشروبات السكرية الملونة والقهوة.
بينما هناك الكثير من الأطعمة المفيدة وذات القيمة الغذائية العالية التي تزود الجسم بالعناصر الغذائية الأساسية وما يحتاج إليه من معادن وفيتامينات، فمن طيبات الطعام نجد اللبن والتمر واللحوم المجردة من الدهون. وإذا قارنا بين القهوة واللبن، فنجد أن القهوة تعيق امتصاص الكالسيوم والحديد، وقد أثبت علميا أنها ترفع الضغط والكوليسترول، لكن اللبن يزود الجسم ويموله بكميات عالية من الكالسيوم والحديد وبعض المعادن الأخرى، واللبن الخالي من الدسم لا يرفع الكوليسترول. والعلماء حددوا نسبة المعادن وغيرها من المواد اللازمة لبناء الجسم وتسمى (RDA)، والسبب في تحديدهم ذلك لكي يتعرف الشخص على احتياجات جسمه لكل عنصر على حدة خلال 24 ساعة.
ولو سلطنا الضوء على بعض المعادن، مثل الكالسيوم، فنجد أننا نفقده عن طريق العرق والبول والبراز، فعند ذلك يبدأ الجسم بالبحث عن مصادر أخرى إذا لم يتوفر له عن طريق الغذاء، فيعتمد على مخزونه في الجسم لكي يمول عضلات القلب وغيرها من الأعضاء الحيوية، وتقوم الخلايا osteoclast cell بتكسير الكالسيوم من العظام، فإذا زاد تكسير الكالسيوم من العظام واستمر على مدى الاشهر والسنين، يكون الشخص معرضاً للإصابة بهشاشة العظام. ونجد أن أكثر ما يعاني منه الشعب السعودي هو هشاشة العظام، وذلك بسبب السلوك الغذائي الخاطئ الذي ينتهجه الكثيرون، فيفضلون عند تناول الطعام ما تميل إليه نفوسهم على ما تحتاج إليه أجسامهم.