[frame="2 80"][align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بمعنى دوام ولو على القليل، قليل دائم خير من كثير منقطع، والديمومة والاستمرار في العطاء تجعل العمل وإن كان ضئيلا أصيلاً مستطاعا مذللاً يقام به في عير ما عناء، ليس المهم قدر العمل بل الاستمرار في أدائه، فالقطرة الدائمة تصبح سيلاً عظيماً.
أما ترى الحبل بطول المدى ........ على صليب الصخر قد أثر
والشيء بثمرته يقدر ثمنه، ويعرف ثمنه، ومن ثمرات المداومة ما يلي:
نيل محبة الله:
أولاً: نيل محبة الله التي هي غاية منى المؤمنين الذين هم أشد حبا لله، ومن أين أخذت هذا ؟ من الحديث القدسي الذي رواه البخاري:
((وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه))، يستمر ويداوم حتى يحبه الله فإذا حصلت محبة الله فالنتيجة: (( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولإن استعاذني لأعيذنه)).
وفوق هذا مارواه الشيخان: (( إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السما، ثم يوضع له القبول في الأرض)).
ترويض النفس:
ثانيا:ترويض النفس على مكابد الهوى حتى تعتاد الخير ، فالنفس من طبعها حب التفلت والانطلاق، ولكلنها إذا روضت ذلت، واستجابت إلى ما تكره، فتمزق حجب البطالة، وتقفز على أسوار المكاره، وتستمر على ما روضت عليه، وتداوم دون كلل ولا ملل حتى وإن استغرقت هذه المداومة العمر كله، يقول أحد السلف: عالجت لساني عشرين سنة قبل أن يستقيم لي، ويقول عالجت الصمت عما لا يعنيني عشرين سنة قبل أن أقدر منه على ما أريد. وجاء عن التابعي الجليل إبن المنكدر رحمه الله: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت لي.
وما يردع النفس اللجوج عن الهوى ......... من الناس إلا حازم الرأي كامله
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ............ فإن أطمعت تاقت وإلا تسلت
الأمن والحسرة عند المرض:
ثالثا: الأمن من الحسرة عند المرض أو العجز والفتنة، فالمداوم حين يحال بينه وبين العمل يجري له ما كان يعمله، يستشعر هذا مما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله صحيحا مقيما)) فلا حسرة ولا ندم.
تربية النفس على أخذ أعلى الأمور:
رابعا: تربية النفس على أخذ أعلى الأمور، وعدم الرضا بالدون، ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال : ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)).
إملال الشيطان وإضعافه:
خامسا: إملال الشيطان وإضعافه وقطع الطريق عليه. يقول الحسن رحمه الله -كما في الزهد لابن المبارك-: إذا نظر إليك الشيطان فرآك مداوما على طاعة الله فبغاك وبغاك فرآك مداوما ملك ورفضك، وإن كنت مرة هكذا ومرة هكذا – تتقدم خطوة وتتأخر خطوتين كما يفعل البعض- طمع فيك.
هذه بعض ثمرات المداومة على العمل، ومن عرف الثمرة قدرها، فبادر إلى الشجرة لقطفها.
يقال لابن المبارك: إلى متى تطلب العلم ؟ قال:
حتى الممات إن شاء الله، وقال له آخر: إلى متى تكتب العلم؟
قال: لعل الكلمة التي تنفعني لم تكتب بعد.
والأعمش يروى عنه وكيع أنه لم تفته تكبرة الإحرام مع الإمام سبعين سنة، ويقول: اختلفت إليه أكثر من ستين سنة فما رأيته يقضي ركعة.
من منا يلقي الله وقد أدرك التكبيرة الأولى مع الإمام أربعين يوماً، مع انه له براءتين: براءة من النفاق وبراءة من النار فإنا لله وإنا إليه راجعون .
وروى الجماعة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ما حق إمرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)) يقول ابن عمر : فوالله ما مرت علي ليلة مذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا ووصيتي عندي.
إذا فعلوا فخير الناس فعلاً .......... وإن قالوا فأكرمهم مقالا
ترى جدا ولست ترى عليهم.......... ولوعاً بالصغائر واشتغالا
ويروى أن حمدون بن حماد بن مجاهد الكلبي رحمه الله كان يقول: كتبت بيدي هذه ثلاثة آلاف وخمسمائة كتاب ولعل الكتاب الذي أدخل به الجنة لم يكتب بعد، لعل هذا مما يعين على المداومة، كلما عملت عملا قلت لعل هذا لا يبلغني الجنة، فإلى آخر وإلى آخر حتى تلقى الله على ذلك فربك أغفر وأرحم سبحانه. فجاهد نفسك وداوم على العمل (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99)[/align][/frame]