السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به صاحبه من فعل مالا يحسن ولا يجمل, وقد عرفه بعضهم بأنه: حبس النفس عن الجزع, واللسان عن التشكي, والجوارح عن لطم.
إن أعظم ما تحصل به التقوى وتجنى به ثمارها الصبر. الله سبحانه وتعالى جعل الصبر جواداً لا يكبو وحصناً لا يهدم وقد أجمع العلماء على وجوبه , فقد أمر الله تعالى به عباده فقال جل ذكره " يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون " ونهى عن ضده فقال سبحانه مخاطباً نبيه " فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل " وقد أثنى الله على أهله " والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأؤلئك هم المتقون " وأوجب سبحانه للصابرين محبته فقال تعالى " والله يحب الصابرين " وأخبر أنه خير لأهله فقال " وأن تصبروا خير لكم " ووعدهم سبحانه بأجر عظيم " إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب " وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير ما يعطاه العبد فقال " وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر " .
ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمور عظيمة تضمحل معها المكاره , وتحل محلها المسار والآمال الطيبة , والطمع في فضل الله وثوابه , كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحديث الصحيح أنه قال : " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير , إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له , وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له , وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " . فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المؤمن بتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره , لهذا نجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر , فيتفاوتان تفاوتاً عظيماً في تلقيها , وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح , هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما , فيحدث له السرور والابتهاج , وزوال الهم والغم والقلق وضيق الصدر و شقاء الحياة , وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار , والآخر يتلقى المجاب بأشر وبطر وطغيان فتنحرف أخلاقه , ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع , ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب , بل مشتتة من جهات عديدة , مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته و كثرة المعارضات الناشئة عنها غالباً, ومن جهة أن النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقة لأمور أخرى , قد تحصل وقد لا تحصل وإن حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضاً قلق من الجهات المذكورة. ويتلقى الماره بقلق وجزع وخوف وضجر , فلا تسأل ما يحدث له من شقاء الحياة , ومن الأمراض الفكرية والعصبية , ومن الخوف الذي قد يصل به إلى أسوأ الحالات , وأفظع المزعجات , لانه لا يرجو ثواباً ولا صبر عنده يسليه ويهون عليه.
المكروه والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد , وأدى فيها وظيفة الصبر و الرضى والتسليم , هانت وطأتها و خفت مؤذتها , وكان تأمل العبد لأجرها وثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر و الرضى , يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيه حلاوة أجرها مرارة صبرها .
فالصبر ضرورة حياتية قبل أن يكون فريضة دينية شرعية, فلا نجاح في الدنيا ولا فلاح في الآخرة إلا بالصبر ولا تحقق الآمال ولا تنجح المقاصد إلا بالصبر. المؤمنون يحتاجون إلى الصبر عند فعل ما أمرهم الله تعالى به وعند ترك مانهاهم الله عنه , فالصبر لازم للمؤمنين إلى الممات.
أول أنواع الصبر:
الصبر على طاعة الله تعالى ذلك لأن النفس جبلت على حب الراحة والكسل والعجز فحملها على فعل ما أمر الله به يحتاج إلى صبر ومجاهدة وتحمل ومعاناة فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة تحتاج إلى صبر , والصلاة فريضة متكررة تحتاج إلى صبر وجهد قال الله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " , وعشرة المؤمنين والإبقاء على مودتهم والإغضاء عن هفواتهم والرضا بهم وهجر غيرهم تحتاج إلى صبر . لهذا العبادة بشتى صورها تحتاج إلى صبر وقد جعل الله الصبر سبباً لدخول الجنة وقال سبحانه عن أهل الجنة " سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " .
ثاني أنواع الصبر:
الصبر عن الشهوات والملذات وذلك أن النفس ميالة إلى الآثام والشهوات فإن لم تلجمها بلجام التقوى وتحكمها بحكمة الصبر وقعت في الآثام وتلطخت بالأوزار.
ثالث أنواع الصبر:
الصبر على أقدار الله تعالى وإن من أعظم الصبر الصبر على قضاء الله, وهذا النوع لا غنى للإنسان عنه, فالدنيا مليئة بالغصص والمنغصات, قال الله تعالى: " لقد خلقنا الإنسان في كبد " أي عناء ومشقة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أحد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها, إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها “.
الأسباب التي تُعين على الصبر :
1- تدريب النفس على احتمال المكاره دون ضجر وانتظار الفرج دون ملل ومواجهة الأعباء والصعاب دون كلل , فإن هذه سنة الله تعالى في عباده ليميز الخبيث من الطيب قال الله تعالى : " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " .
2- النظر إلى حسن العاقبة وعظيم الأجر وما أعد الله تعالى للصابرين وأن الله سبحانه مع الصابرين ينصرهم ويؤيدهم قال الله تعالى : " إن الله مع الصابرين " .
3- انتظار الفرج من الله, فإن الفجر لا يطلع إلا بعد اشتداد ظلمة الليل والعاقبة للمتقين.
4- تذكر حال السابقين الصادقين من النبيين وغيرهم, وما جرى لهم وكيف كانت العاقبة لهم, فإن ذلك مما يثبتك ويصبرك.
5- قوة الإيمان, فصبر المؤمن يحتسب بقدر قوة إيمانه بالله سبحانه وبأوامره ونواهيه.
6- تدبر الآيات والأحاديث الواردة في فضيلة الصبر.
7- اليقين بأنه لا يقع شئ إلا بقدر الله تعالى. وتذكر كثرة نعم الله عليه.
8- العلم بأن الجزع وقلة الصبر لا ترد المصيبة.
9- استحضار أن أشد الناس بلاءً الأنبياء والصالحون.
10- أن يعلم المؤمن أن زمن البلاء ساعة وستنقضي.
أننا في هذه الأزمان المتأخرة من أشد الناس حاجة إلى الصبر , فإن الباطل انتعش وكثر أعوانه ودعاته فتكالبت علينا الأعداء من كل حدب وصوب , وقد أرشدنا إلى ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : " فإن من ورائكم أيام الصبر , الصبر فيها مثل القبض على الجمر , للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعلمون مثل عمله ". فالصبر والمجد لا يحصل إلا بالتعب والكد .
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
المراجع :
1- الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة (لمؤلفها/ عبدالرحمن السعدي)
2- بعض المواقع الإسلامية