الـجــهـــــــاد
هو بذل الجهد لإعلاء كلمة الله ، أي لتكون السيادة لحكم الله و شريعته الغراء ، و هذا الجهد يكون بالنفس و بالمال ، وله صور متعددة من الصفح والصبر و بالحكمة و بالموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي أحسن وبالمرابطة في سبيل الله ، و بصد العدوان عن ديار المسلمين ، والذود عن الشريعة الإسلامية ، وكل ما من شأنه إعلاء كلمة الله ، وهكذا نجد أن للجهاد صور سلمية و صور حربية إذا اقتضى الآمر، و من هنا فالجهاد يتنوع بتعدد ميادينه :
فهناك جهاد النفس ، ويعني ترويضها وتعليمها وتأديبها لتلتزم باتباع أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه ابتغاء مرضاة الله جل وعلا ،وكذلك إلزامها بالأخلاق الفاضلة و الآداب الشرعية ، ومحاربة وساوس الشيطان و أهواء النفس الأمارة بالسوء ،وهذا من أهم أنواع الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا في نفسك أولا ، وهذا الضرب من الجهاد فرض عين وهو كالأساس لما بعده من صنوف الجهاد ،ولا ينتهي هذا الجهاد حتى ينتهي أجل المسلم ، وليس المطلوب أن يحرز المسلم الدرجة المثالية في هذا الجهاد كشرط لدخوله في أنواع أخرى من الجهاد ، و إلا لما جاهد أحد بعد الأنبياء وصفوة الصحابة ، ولكن المطلوب هو أن ينخرط كل مسلم و مسلمة في جهاد النفس ليعرف صلاحه من فساده ولا يترك العنان لها لتفعل ما يحلو لها ، فكم نحن متخاذلون عن هذا الجهاد ؟ .
وهناك جهاد داخل المجتمع المسلم لتكون كلمة الله هي العليا فيه ، وهذا يتطلب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بأسلوب الطبيب المشفق لا بالفظاظة والغلظة إلا في أضيق نطاق وبقدر محدود جدا ، كما يتطلب هذا النوع من الجهاد تحمل أذى المسلمين ، وإغاثة ملهوفهم ، ونصرة مظلومهم ، و احترام كبيرهم ، ورحمة صغيرهم ، و توفيتهم حقوقهم الشرعية ، خصوصا الوالدين و الأقربين و الجيران ، و من لك صفة الإشراف عليهم ، و كذلك بذل النصيحة لعامتهم و خاصتهم ، والدعاء لهم سرا و علانية بالهداية و المغفرة و الصلاح ، و أن يحب لهم ما يحبه لنفسه ، أوعلى الأقل أن يكف أذاه عنهم ويسلموا من لسانه و يده ، وأن يجعل من المجتمع المسلم ميدانا لفعل الخيرات و اجتناب المنكرات ، وأن يتخذ منهم أعوانا على طاعة الرحمن ومحاربة الشيطان ، بحيث يتعاون معهم على البر و التقوى وليس على الإثم و العدوان ، فكم نحن مقصرون في هذا الجهاد ؟ .
وهناك نوع ثالث من الجهاد وهو مع غير المسلمين ، وله شقان :
أ – الشق السلمي : وذلك بدعوتهم إلى الإسلام بأحسن ما يمكن من الأساليب ويندرج تحت هذا النوع حسن معاملتهم تحبيبا لهم في ديننا ، وإعطاء الصورة المشرقة عن الإسلام والمسلمين عن طريق القدوة الحسنة وحسن التصرف ، وعلى كل مسلم أن يعتبر نفسه نموذجا يرى الآخرون الإسلام من خلاله ( وليس كما هم واقع مع كل أسف من قبل الذين يشوهون الإسلام من بني جلدتنا هدانا الله وإياهم ) .
كما أن هذا الجهاد يستلزم إنشاء مراكز الدعوة وإعداد الدعاة من نفس جنسية البلد المراد الدعوة فيه ، لأن أهل مكة أدرى بشعابها ، كما يتطلب استعمال كل وسائل نقل المعلومة من كتب أو مجلات أو إذاعة أو شبكة المعلومات و كافة الوسائل المتاحة للدعوة ، فإنه والله جهاد عظيم ومن أجل الدعوة بذل سلفنا الصالح أموالهم و أنفسهم وحياتهم فربحت تجارتهم وكانوا من الفائزين .
ب _ الشق الحربي : وهو القتال في سبيل الله ، وهو متعلق بدحر العدوان عن الإسلام و المسلمين بكل ما أوتينا من قوة وهذا له شكلان : دفع العدوان إذا وقع علينا فعلا ( جهاد الدفع ) ، والشكل الآخر هو مهاجمتنا لعدونا قبل إن يهاجمنا ( الحرب الوقائية ) ، وهذه أمور لها تفصيل معروف في كتب السيرة وكتب الفقه والأكاديميات العسكرية ، فحروب هذه الأيام لم تعد مجرد تقابل جيشين في ساحة ، بل صارت حروبا نفسية وثقافية واستخباراتية و سياسية و دبلوماسية و اقتصادية ، تستخدم فيها أرقى ما عرفه العلم البشري من الأسلحة الفتاكة، ولسنا في حاجة الى الاستفاضة في هذا المجال نظرا لاشتهاره .
وهناك قتال في سبيل الله لا لدحر العدوان ولكن لتمهيد الطريق أمام الدعوة إذا استلزم الأمر إزاحة العراقيل باستعمال القوة العسكرية ، وهذا يكون بعد ثبوت فشل الدعوة السلمية بسبب تلك العراقيل مع توفر ثلاثة شروط أساسية ، و هي :
أولا – أن يكون المسلمين قد أقاموا الإسلام في بلادهم أولا ، حتى لا يكونوا كمن يطلب استقامة الظل والعود أعوج وحتى ينصرهم الله تعالى في جهادهم ، فالله تبارك وتعالى يقول " إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم " أي انصروني بطاعتي أنصركم بتأييدي .
ثانيا – ألا يكون مع البلاد المراد فتحه معاهدة أو صلح ساري المفعول ، وإلا صار المسلمون ممن ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وليسوا أهلا للفتح لأنهم في هذه الحالة معتدون ظالمون .
ثالثا – توفر الإمكانيات المادية والبشرية وكل ما يلزم لهذا الفتح من ترتيب قد يطول شرحها وليس هنا مجاله .
ومما ذكرناه يتبين بوضوح أن القتال هو بعض صور الجهاد في الإسلام و ليس الجهاد هو القتال فقط .
ومن الجهاد ما يكون فرض عين كجهاد النفس ودفع العدوان لمن استباح العدو أرضه و عرضه ، و منه ما يكون فرض كفاية في الحال كجهاد الدعوة والإصلاح ، و منه ما يكون فرض كفاية على التراخي كالفتوحات عندما تتوفر الظروف والإمكانات اللازمة .
كما أن من الجهاد ما يتطلب إذن ولي الأمر كالحرب الوقائية و الفتوحات و إصلاح الأمور العامة للدولة ، ومنه ما لا يحتاج إلى إذن من ولي الأمر كجهادك لنفسك وحسن معاملتك للمسلمين وبرك بوالديك وحسن الجوار و كفالة اليتيم و غيره .
وقد جاهد رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم و على آله وصحبه ) كفار قريش في مكة بالقرآن و بالدعوة و بالصفح الجميل و بالثبات على أمر الله و تحمل من جراء ذلك ما لا يطيقه غيره ، وكذلك أصحابه الكرام ، ثم بعد الهجرة شرع الرسول وصحبه في الجهاد لإقامة المجتمع الإسلامي تكون كلمة الله فيه هي العليا وكانت البداية بالمسجد والتآخي بين المسلمين مهاجرين و أنصارا، و في السنة الثانية للهجرة الميمونة أذن الله تعالى للمسلمين في الدفاع عن أنفسهم وحقوقهم بالقتال ضد من ظلمهم وأخرجهم من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ، ثم اتسعت الدائرة لتشمل كفار قريش ومن تحالف وتحزب معهم ضد المسلمين ، ثم ازداد اتساع الدائرة لتشمل الفرس والروم المتاخمين لجزيرة العرب باعتبارهما ممن صد عن سبيل الله ووضع العراقيل منعا لوصول دعوة الإسلام إلى الناس ، ولما كان رد المقوقس ردا حسنا ليس فيه صد بل فيه شيء من الود والهدايا ، أوصى النبي بهم خيرا فتأمل .
فليست الغاية من الجهاد إكراه الناس ليسلموا خائفين ، فلا إكراه في الدين ، و إنما الغاية من الجهاد ذي النوع الحربي هي إزاحة العراقيل طالما لا سبيل لذلك إلا القتال ، فالغاية إذن تأمين وصول الدعوة إلى الناس ليختاروا بقناعتهم اعتناق الإسلام من عدمه دون تأثير من سلطة كافرة تمنعهم من هذا الحق .
والغاية من الجهاد القتالي الآخر هو دفع العدوان عن الإسلام و المسلمين ، وكما هو معلوم فإن الدفاع عن النفس والحرمات عند تعرضها للعدوان حق مشروع لا يعترض عليه إلا مخبول أو خائن .
ولكل نوع من الجهاد شروط وآداب و جامعها :
إخلاص النية لله في جهادك لنفسك أو في مجتمعك أو في دعوتك أو في جهادك ضد أعداء الإسلام
اتخاذ التدابير اللازمة لكل جهاد وما يناسبه وما يصل به إلى غايته في أقل زمن وبأقل التكاليف وبأقل جهد ، فليس الغرض هو إتعاب النفس وإهلاكها ولكن الغرض هو نجاح المهمة وتوفير الإمكانات للأنواع الأخرى من الجهاد ، فإن الجهاد ماض إلى يوم القيامة ، وقد امتن الله على المؤمنين بأن رد الله عنهم الأحزاب وكفاهم القتال ، فاحتفظوا بقوتهم لغزو بني قريظة ، فإذا لم يكن هناك بد من بذل النفس والنفيس فعلى المسلم الصادق أن يستبشر بهذا البيع وليعلم أن هذه هي فرصة العمر للسعادة الأبدية عند رب البرية .
يا أخا الإسلام : يريد الله منا أن تكون كلمته هي العليا في نفوسنا أولا ففاقد الشيء لا يعطيه ، و يريد أن تكون كلمته هي العليا بعد ذلك في بيوتنا وأسواقنا وشوارعنا وصحفنا وإذاعاتنا و مدارسنا و جامعاتنا ووزاراتنا وكافة مرافق مجتمعنا ، فهل أدركت كم علينا من التزامات و واجبات و كم نحن متثاقلون ومتخاذلون ، كلنا يقول " الله أكبر" ولكن كم منا من لديه أشياء كثيرة يراها أكبر من الله ، فاللسان في واد و القلب في واد ، ثم نسأل لماذا لا ينصرنا الله ؟ والجواب لأننا لسنا في مستوى هذا النصر بعد ، فكلمة الله ليست هي العليا في نفوس كثير منا والدليل على ذلك هو ظاهر تعاملات المسلمين وبعدها الواضح عن شرع الله مع احترامنا الكامل وتقديرنا الصادق لكل عامل بشرع الله ولكل من يحترم دينه ويغار عليه .
فلا تحقرن من الجهاد شيئا ، من دعاء أو امتثال لأمر الله أو بر لوالدين قد يكونا مشاكسين أو صلة رحم أو حسن جوار أو كف أذى أو كظم غيظ أو حفظ لسان أو حسن ظن بمسلم وادع معي بأن ينصر الإسلام في نفوسنا أولا وأن ينصر المسلمين في إقامة الإسلام في مجتمعاتهم وأن ينصرهم على أعدائهم ، اللهم يا من صدق وعده ، ونصر عبده ، و أعز جنده ، و هزم الأحزاب وحده انصر المسلمين المجاهدين الذين يجاهدون لتكون كلمتك هي العليا ، فإنك خير الناصرين ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .