خطبة الجمعة عن / الصبــــــر .
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
فإن الصبر مقام الأنبياء والمرسلين ومنازل المتقين وحلية أولياء الله المخلصين وكم نحن بحاجة إليه في هذا العصر حيث تنوعت المصائب وتعددت ألوانها مالية ونفسية وعضوية
إن الصبر من بمنزلة الرأس من الجسد فلا إيمان لمن لا صبر له وفي الحديث المتفق على صحته ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : " أنه في يوم من الأيام في المدينة جاء ناس من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه المال فأعطاهم عليه السلام ثم سألوا فأعطاهم ومازال يعطيهم حتى نفذ ما عنده فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده " ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر "
الصبر ضياء وبه يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف و الخور والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب قال تعالى : " {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (75) سورة الفرقان
وقال تعالى عن أهل الجنة : {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } (24) سورة الرعد
وما أجمل الصبر عند الصدمة الأولى وللصبر وسائل ومن الوسائل المعينة على الصبر :
1- التدبر للقرآن الكريم والسنة النبوية المتعلقة في الصبر وأجر الصابرين وثوابهم ومنها قوله تعالى : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (157) (156) (155) سورة البقرة ، إنه علاج ناجع و دواء ناجح وشفاء من الله جل وعلا لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة " إنا لله وإنا إليه راجعون " فإنه مصير كل عبد إلى ربه طال عمره أم قصر فلا بد أن يخلف في الدنيا يوما ما جمعه من ملايين أو بلايين {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} (94) سورة الأنعام ويا بشرى للمتصدقين وهنيئا للواقفين أموالهم في سبيل الله في المشروعات الخيرية فعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه أن انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} (1) سورة التكاثر قال " يقول ابن آدم مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت " قال الترمذي حديث حسن صحيح ، وقد ودعت بالأمس القريب الأمة الإسلامية وبلاد الحرمين الشيخ / صالح بن عبد العزيز الراجحي المنفق والباذل في المشروعات الخيرية ومنها الوقف الذي يقدر بالملايين متأسيا بسيرة السلف الصالح حيث كان كل منهم قد أَوقَفَ فرفع الله قدره في المهديين ودرجته في العليين ورحمه رحمة واسعة و إنا لله وإنا إليه راجعون .......
لعمرك ما الرزية فقد مال........... ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقدحُرٍّ ............. يموت بموته خلق كثير
2- إن المصائب وإن دقت تكفير للخطايا
قال صلى الله عليه وسلم أبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه "
رواه البخاري
تذكر المصيبة العظمى بموت سيد ولد آدم فكل مصيبة دون مصيبتنا بموته تهون فبموته انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة وبموته انقطعت النبوات وبموته ظهر الفساد في البر البحر والعذاب قال تعالى : {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (33) سورة الأنفال ، ذهب الأمان الأول وبقي الأمان الثاني وهو الاستغفار
أستغفر الله ذنبا لست أحصيه .. .. رب العباد إليه الوجه والعمل
فيا بشرى للمستغفرين
صح في سنن ابن ماجة قوله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس أيما أحد من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي
3- أن يعلم المصاب علم اليقين أن ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير .
فوطن نفسك أيها المصاب أن كل مصيبة تأتي إنما هي بإذن الله
4- العلم بأن الجزع من المصيبة لا يردها بل يضاعفها فهو إذا جزع فجزعه مصيبة وتغضب ربه ويحبط أجره عن أنس قال : أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم على امرأة تبكي على صبي لها فقال لها اتقي الله واصبري فقالت وما تبالي أنت بمصيبتي فقيل لها هذا النبي صلى الله عليه وسلم فأتته فلم تجد على بابه بوابين فقالت يا رسول الله لم أعرفك فقال إنما الصبر عند الصدمة الأولى أو عند أول صدمة "
5- العلم بتفاوت المصائب في الدنيا ومن حصل له الأدنى من المصائب يتسلى بالأعلى والأعظم من المصائب التي أصيب بها غيره ، وفقد الدين و إهماله والتفريط فيه من أعظم المصائب ....
كل كسر فإن الله جابره ........ وما لفناة الدين جبران
6- أن تعلم أن النعم زائرة وأنها لا محالة زائلة وأنها لا تفرح بإقبالها فرحا حتى تتعب بفراقها ترحا وما يفرح به اليوم حزن عليه غدا .. سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا وقال تعالى :
" {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ} (206) (205) سورة الشعراء
7- ومما يعين على الصبر تذكر المصاب ما في مصابه من فوائد ولطائف فيهتدي ويستقيم فربما كان على ذنب عظيم من شرك أو ترك الصلاة أو عقوق الوالدين .. فرق قلبه بعد مصابه وتاب وأناب إلى الله وعالج تقصيره نسأل الله لنا ولكم العافية .
وكم رأينا ورأيتم من شواهد الواقع ما يؤيده .
محبكم / عطا الله بن عبد الله
آخر تعديل أبو الوليد يوم 22-02-2011 في 05:43 PM.
|