أحتفلت جامعتنا الأسبوع الماضي في اليوم الوطني
وبعد أنتهاء الحفل جلست أتناقش أنا وعميد كلية الهندسة الدكتور حامد الشراري
عن التعليم في الخارج وكيف نضرتهم للطالب السعودي والمجتمع السعودي
فتناقشنا قليلاً
وبعد ما أنهينا نقاشنا قال لي
كان هناك حوار بيني وبين مهندس أمريكي
بداية الحوار
حوار مع مهندس أمريكي..
بكالوريوس هندسة شرعية أو هندسة في الشريعة!
كنت في مدينة شيكاغو لحضور ورشة عمل متقدمة في تقنية الاتصالات والكمبيوتر تنظمه شركة تكساس انسترمنتس Texas Instruments الشهيرة العام الماضي لها علاقة ببحثي، بحث الدكتوراه، وكان عدد المشاركين عشرة مهندسين استشاريين من ولايات وشركات أمريكية مختلفة.
في الساعة الأولى من اليوم الأول بدأنا بتقديم أنفسنا لغرض التعارف وما الذي يتوقع كل واحد أن يستفيد من حضور هذه الورشة مستقبلاً.عرفتهم باسمي وبلدي وإنني أتيت هنا لعلاقة بحثي بهذه الورشة وآمل أن تساعدني بحل بعض المشاكل المستعصية في البحث بعد عون الله.خلال فترة الغداء في اليوم الأول اقترب مني أحد المهندسين، وبدأ بيننا الحوار التالي بعد تبادل كلمات الترحيب:
قال: إذن، أنت من السعودية؟
قلت: نعم.
قال: أنت مهندس؟
قلت: نعم.
قال: في أي مجال؟
قلت: كما عرفتكم بنفسي الصباح مهندس كهربائي تخصص اتصالات
قال: أنت خريج أمريكا في البكالوريوس؟
قلت: لا.
قال: إذن، من أين؟
قلت: من السعودية.
فتعجب.. وقال كيف؟ أنتم (السعوديين) جميع دراساتكم ومناهجكم وجامعاتكم دينية،
إذا أنتم تدرسون هندسة إسلامية (Islamic Engineering) أو هندسة شريعة (Islamic Law Engineering).
فقلت: على رسلك من فضلك دعنا نتناقش بهدوء.
قال: هذا الواقع.
قلت: كيف؟
قال: قبل فترة شاهدت تقريراً في إحدى القنوات التلفزيونية عن عدد المهندسين الغربيين (الأمريكان) الذين يعملون في السعودية ويزيد عددهم عن أربعين ألفاً.
فقلت: هل تطرق التقرير لعدد المهندسين الآخرين من جنسيات أخرى؟
قال: لا.
قلت: إذاً التقرير ربما يتحدث عن عدد الغربيين (الأمريكان) ككل وذكر المهندسين كجزء من التقرير.
فاستشفيت من جهله، إنه أحد ضحايا الإعلام الغربي الغامض والموهم وغير المنصف، وبدأت أسيطر على الموقف من خلال هدوئي وموضوعية النقاش.
فقلت: أنت مهندس استشاري وتعمل بأكبر الشركات الأمريكية وفي ولاية كاليفورنيا ذات جاليات وثقافات وعرقيات مختلفة من بينهم صينيون وإيرانيون.. الخ، وهذا يجعلك منفتح الفكر Open Mind).
فسألته: من أي مدينة؟
قال: من دايفس، كاليفورنيا.
قلت: مدينة جميلة. وأكملت كلامي، ألا يعتبر العالم قرية صغيرة بفضل تقنية الاتصالات والمعلومات، وأعتقد من المفترض عليك مستقبلا حينما تسمع أو تشاهد تقريرا، وإذا راودك الشك فيه، أن تبحث بالإنترنت عن المعلومة التي تريدها من مواقع ذات مصداقية، على سبيل المثال ستجد أدق التفاصيل عن التعليم والسياحة في السعودية بلغتك.
بدأ يبرر موقفه بقوله: إن حياتي كلها عمل من الصباح إلى المساء وعند المساء أذهب لإحدى مراكز القوى لأقوم ببعض التمارين الرياضية (عريض المنكبين مفتول عضلات اليدين لهذا السبب كنت أتعامل معه بدبلوماسية فائقة مطعمة أحياناً ببعض الابتسامات المصطنعة).
فقلت: أليس الأجدى أن تقوم بتمرين عقلك على حد سواء مع جسمك وتقرأ عن الشعوب ونحن نسمع أنكم تحبون القراءة.
لم يرد. فأكملت: إن العلماء العرب والمسلمين السابقين لهم يد طولى في العلوم الطبية والهندسية والكيمياء والرياضية.. الخ. والحضارة الغربية الحديثة بنيت على الحضارة الإسلامية والمنصفين من بني جلدتكم يعرفون هذا جيدا وكتبوا ومازالوا يكتبون عن هذه الحقائق. نعم، الغرب لهم السبق في العلم خصوصاً في التقنية والمعلوماتية في القرنين الأخيرين (العشرين والواحد والعشرين) ولكن هذا لا يعني أن يتجاهلوا ما قدمته الأمم الأخرى للبشرية عندما كان الغرب في عصر الظلام وأن لا تنظروا نظرة أحادية تعتمد على إعلام معروف أهدافه الخبيثة من قبل العقلانيين المنصفين منكم.
أضفت: نحن دولة مسلمة ولا يعني اننا منغلقين، نحن مجتمع نتطور كأي مجتمع ونتعلم لنواكب أحدث التقنيات والذي لا يتعارض مع مبادئنا الإسلامية والدليل أن هناك علماء ومواطنين سعوديين لهم براءات اختراعات مسجلة عالمياً.
فاجأني بسؤال يحلو لهم، وماذا عن النساء؟
فقلت: لا أعتقد ان دقائق معدودة كافية لمناقشة قضية المرأة وحقوقها في الإسلام لتعرف مدى إكرام الإسلام لها وأيضاً حقوق المرأة في الغرب والذي من مشاهداتي هنا انها تحتاج لمناقشة وضعها وحقوقها أولاً.
صديقي، دعني اختصر لك وضع المرأة السعودية في مجال التعليم العالي، إن الطالبة السعودية لها حق الابتعاث مثل الطالب السعودي دون تمييز، وانني اعرف شخصياً بعض الأخوات السعوديات المسلمات المحجبات يدرسن في إحدى جامعات أوهايو العريقة في مجالات مختلفة (علمية وإنسانية) ومنهن من يحضرن لنيل درجة الماجستير والدكتوراه مبتعثات من الحكومة السعودية.
فقال: شكراً على هذه المعلومات، المحاضرة بدأت.
لا أريد الإطالة عليكم وقد عرضت هذه الحادثة حول النظرة الضيقة المتراكمة منذ القدم لهذا المهندس الذي أعتقد انه يمثل شريحة من المجتمع الأمريكي عن التعليم الجامعي في السعودية المتوافق فكرياً مع بعض القلة القليلة من بني جلدتنا المتمثلة برفض كل توجّه جديد والانغلاق أمام التطورات العلمية الحديثة المذهلة وخصوصاً في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات والتي لا تتعارض مع مبادئ الإسلام العظيمة وثوابت العقيدة. إنني هنا سوف استشف بعض النقاط من هذا الموقف، وربما أنتم أعزائي القراء سوف تستنتجون نقاطا أخرى، وهي كالتالي:
- الفكر المنغلق متواجد هنا وهناك، وعدم الرغبة في معرفة الآخر والبحث عن المعلومة الصحيحة ينعكس سلباً على المجتمعات.
- أمريكا دولة متقدمة تقنياً وشعبها منغلق إعلامياً وبالتالي ثقافتهم عن الشعوب الأخرى سطحية وغير صحيحة.
- الإعلام الغربي المتحامل على الإسلام والمسلمين استطاع أن يخترق الطبقة المتعلمة هناك بالإضافة لعامة الشعب الأمريكي وبالتالي استطاع أن يؤثر عليهم وينقل لهم صورة مشوهة عن الإسلام والمجتمعات الإسلامية.
- نعم (بالتأكيد)، الجهل موجود عندهم وعندنا على حد سواء لكن يختلف بأن بعض الجهلة أو الذين ليس عندهم رؤية هنا في الغالب هم غير متعلمين، أما هناك فهم متعلمون، وهذا أدهى وأمرُّ، وبالتالي أعتقد أن جهلنا من السهل السيطرة عليه بالتعليم الصحيح المبني على تعاليم ديننا الحنيف. هذا دليل على مدى احتياجنا لافتتاح جامعات أخرى والتي ستثري الثقافة والفكر للمجتمع وبالتالي تعمق الرؤية لمستقبل أولادنا بجانب المؤهل العلمي، وحكومتنا، وفقها الله، بدأت هذا المنحى من زمن والنقلة الحضارية والفكرية والثقافية والعلمية خير دليل.
- الشخص المفوه أو المتحدث ذو الجاذبية (الكاريزما) في مجتمعنا ربما يكون خبير الخبراء في مجالات عديدة ويرسم الاستراتيجيات التعليمية كمنظر للمجتمع ويفرض رؤيته على الآخرين مستغلا بساطة وطيبة المجتمع وهو ربما لا يعرف إلا الشيء البسيط عن الموضوع الذي يريد التحدث عنه وبالتالي سيؤثر على الآخرين سلباً. لذا يجب علينا الحيطة من هؤلاء وأن نسمع ونثق بأهل العلم المتخصصين المعروفين المشهود لهم بالصلاح والاستقامة وذوي المؤهلات العالية والرؤية المستقبلية الثاقبة.
- ديننا الحنيف صالح لكل مكان وزمان وبالتالي يُحتم علينا تعلم العلوم العلمية الحديثة لتسخيره لخدمة ديننا وتطوير شعوبنا. ألا تشكل وسائل الاتصالات الحديثة أداة مساعدة لنشر تعاليم الإسلام في مختلف أصقاع المعمورة؟
- الإعلام والاتصالات وسيلة اتصالات عصرية بين الشعوب يجب استغلالها للأهداف النبيلة.إن الصورة المعتمة المرسومة من قبل الإعلام الغربي عن السعودية التي تمثل الإسلام وكذلك الصورة المعتمة عند القلة القليلة من بني جلدتنا تسهمان في زيادة الهوة بين الشعوب الإسلامية والغربية وبالتالي تصادم الحضارتين تحقيقاً لنظرية المفكر الأمريكي صموئيل هانتغتون، لذا يفترض من مفكرينا وعلمائنا التنبه لهذا الأمر على حد سواء مع المفكرين المنصفين من الشعوب الغربية.
وأخيراً ليكن عندنا تخصص هندسة إسلامية أو شرعية أو هندسة في الشريعة (سمِّها بما شئت) تجعلنا نلحق بالتطور والتقدم في شتى العلوم الحديثة مبنية على ثوابتنا الدينية الصحيحة ونسخرها في خدمة هذا الدين. هذا موقف حدث لي مصحوب بوجهة نظري.. والله من وراء القصد.
د. حامد الورده الشراري
عميد كلية الهندسة - جامعة الجوف