"يحيى .. يحيى ".. نهض يحيى على صوت يناديه أسفل الشرفة .. خرج إليها ونظر إلى صديقه يوسف الذى بادره قائلا
- أما زلت نائما؟ هيا إن نتيجة الثانوية العامة ستظهر اليوم .. ارتدى ملابسك بسرعة هيا
- آه صحيح حاضر يا يوسف سأنزل حالا
سارع يحيى بارتداء ملابسه وخرج من حجرته مسرعا بادرته والدته
-ألن تفطر يا يحيى؟
- لا يا أمى لا شهية لى ادعى لنا يا أمى
- وفقكما الله .. لقد تعبتما كثيرا وتستحقان النجاح بتفوق
قفز يحيى على درجات السلم دقات قلبه متسارعة
- هل تأخرنا ؟هل أعلنت النتيجة ؟
- إهدأ يا صديقى... لم كل هذا التوتر ؟ لقد أدينا واجبنا والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.. اننا ناجحون بتفوق ان شاء الله ككل عام
- ولكنها الثانوية العامة يا يوسف ..
- وما المشكلة ؟ انها سنة دراسية كسابقتها لا فرق
- ليت لى قوة أعصابك يا يوسف
ضحك يوسف وربت على كتف صديقه ومضيا فى طريقهما ..
انطلقت الزغاريد فى البيت تلو الآخر فى الحى الشعبى العتيق .. يحيى ويوسف يوزعان المشروبات على أهل الحى.. الكل يهنىء الشابان.. مبروك يا يحيى ،مبروك يا يوسف،السعادة لا تسع قلبيهما..
تنهد يحيى فى إرتياح قائلا
-أخيرا يا يوسف .. لا أصدق لقد نجحنا بتفوق ان أبواب كلية الطب ستفتح لنا على مصراعيها .. أليس كذلك يا دكتور يوسف؟
- الحمد لله لقد وضعت قدمى على أول الطريق، يجب أن أحقق أمنية والدى رحمه الله .. والوعد الذى قطعته له بأن أصبح طبيبا وافتتح عيادة بحينا لعلاج الفقراء من أهالينا.. وبالطبع يا صديقى سنكون شريكين فى هذه العيادة..أليس كذلك؟
- بالطبع يا يوسف اننا لن نفترق أبدا.. أعدك بذلك يا أخى ..
مرت السنوات،يحيى ويوسف يجدان فى دراستهما ولم يفترقا يوما واحدا.. فهما بمثابة الشقيقان لبعضهما البعض... فيحيى ابن وحيد لوالديه .. ويوسف أخ وحيد لثلاث شقيقات بمراحل التعليم المختلفة وبجانب دراسته كان يوسف يعمل بإحدى الكافتيريات للإنفاق على أسرته.. وبالرغم من أن يحيى لا حاجة له للعمل إلا انه أصر على أن يعمل بنفس الكافتيريا حتى يظل بجوار صديقه يوسف..
نعم كانا يشكلان معا صورة رائعة للصداقة الحقيقية فكلا منهما كان على استعداد للتضحية بأى شىء فى سبيل الآخر... كانا مثار إعجاب أهل حيهما وزملائهما فى الكلية.. والذين كانوا يلقبونهما بالتوأم..
مرت سنوات الدراسة سريعا وتخرج كلا من يحيى و يوسف بتقدير إمتياز.. وعينا بإحدى المستشفيات.. وقد شارفا على تحقيق حلمهما وافتتاح العيادة الشعبية..
********
لمع البرق بشدة وانعكس على وجه يوسف وهو يضع إحدى الكمادات على جبين شقيقته سلوى..
- الحمد لله يا أمى.. لقد انخفضت الحرارة بشكل كبير أرجوكِ يا أمى كونى بجانبها وغيرى لها الكمادات باستمرار لا بد أن أذهب لاستلام ورديتى الآن
- ألا تستطيع الحصول على أجازة اليوم يا يوسف ؟
- كلا يا أمى .. ان يحيى يعمل منذ الصباح .. لابد انه متعب الآن ... يجب أن أذهب لاتسلم ورديتى ... ألا تريدين شيئا منى يا أمى ؟
- انتبه لنفسك يا بنى ان المطر غزير بالخارج ارتدى ملابس ثقيلة
- حاضر يا أمى
- فى حفظ الله يا بنى
ودعته أمه بعينيها وقلبها ينبض بشعور مخيف لا تدرى سببه ..
*********
أشارت عقارب الساعة فى المستشفى إلى الواحدة والنصف صباحا.. تثائب يحيى فى إرهاق وهو يفكر "لقد تأخرت كثيرا يا يوسف" وقد بدأ النعاس يغالب يحيى ..
"دكتور، دكتور يحيى، دكتور" انتبه يحيى على صوت احدى الممرضات وهى تقول "لقد جاءت حالة عاجلة إلى المستشفى شاب اصيب فى حادث سيارة" .. جرى يحيى بسرعة نحو قسم استقبال الحوادث.. وجد شابا ممددا والدماء تغرق وجهه .. هتف يحيى "انقلوه بسرعة إلى غرفة العمليات" تحرك الجميع فى سرعة تبدو حالة الشاب غير مطمئنة بدأ يحيى فى مسح الدماء عن وجهه وفجأة تجمدت يدى يحيى وصرخ بأعلى صوته" لاااا يوسف.. يوسف" شهق العاملين معه فى فزع فلم يكن الشاب الممدد أمامهم سوى زميلهم الدكتور يوسف .. وقف يحيى لحظات مشدوها كأنه فى كابوس بشع.. معقول صديقى، أخى يوسف، كيف.. كيف ؟ بادره أحد العاملين " دكتور يحيى.. دكتور .. أرجوك افعل شيئا ان نبضه ضعيف للغاية" نفض يحيى ذهوله جانبا وبدأ فى اسعاف صديق عمره .. وقلبه يختلج من الخوف أرجوك يا يوسف ابقى معى لا تتركنى .. أرجوك
بدأ فى إجراء الإسعافات له "ان النبض قد توقف" هتفت احدى الممرضات، صرخ يحيى " احضروا جهاز الصدمة الكهربائية" وبدأ فى انعاش قلبه .. مرة ومرة ومرة.. وعيناه تتابع النبض على شاشة الجهاز .. لا استجابة.. ألقى جهاز الصدمات جانبا.. أخذ يضغط بيديه على صدره وهو يهتف" يوسف لم أعهدك ضعيفا هكذا.. انك اقوى من ذلك ..هيا يا يوسف .. هيا " عيناه متعلقتان بشاشة الجهاز.. قلب صديقه متوقف عن النبض بينما دقات قلبه تتسارع فى جنون ..
جمع يحيى كل قوته فى يديه وضغط على صدر صديقه وهو يصرخ "هيا يا يوسف، قــــــــــاوم .. قـــــــــاوم.. قــــــــــاوم " .........
وترددت صرخته عبر أروقة المستشفى طويلا طويلا طويلا ..............................
*****************
وقع خطوات منتظم يشق صمت المكان الرهيب توقف صاحب الخطوات أمام أحد القبور ووضع باقة زهور على القبر.. ثم وقف يقرأ الفاتحةصمت قليلا قبل أن يقول
-أرأيت.. لقد تحقق حلمك أعلم انك سعيد ألآن .. لقد افتتحت العيادة الشعبية التى طالما حلمنا بها فى حيينا.. لقد تمنيت أن تكون معى لترى الفرحة فى عيون أهل الحى .. ولكنها مشيئة الله.. لقد وفيت بوعدى لك يا..........
"يوسف .. يوسف" التفت يوسف خلفه.. وجد صديقه يحيى يجرى مسرعا..
- لماذا أتيت وحدك؟
- كنت أريد أن أسعد والدى بالخبر
-أتظن أنه والدك وحدك؟؟ انه والدى أنا أيضا
ثم وقف يقرأ الفاتحة بينما نظر له يوسف بامتنان
- بالطبع يا يحيى فأنت بمثابه الأخ لى.. ولولا فضلك على بعد الله تعالى .. ربما كنت أرقد بجانب والدى الآن .. وجئت وحدك لتبلغنا بافتتاح العيادة..
التفت له يحيى قائلا
- لا تقل هذا يا يوسف.. لقد كنت على استعداد لأن أنزع قلبى من صدرى لأجعله ينبض من أجلك يا توأمى .. فكيف كنت سأعيش بدونك ؟؟..
احتضنه يوسف بشدة وقد دمعت عيناه.. قاوم يحيى دموعه .. وربت على ظهر صديقه قائلا "هيا يا يوسف.. ان افتتاح العيادة اليوم.. وأهل الحى يقيمون احتفالا كبيرا.. يجب أن ننضم إليهم الآن " أمسك يحيى بيد يوسف وسارا معا فى طريقهما..
نظر يحيى إلى السماء قائلا فى نفسه "الحمد لله الذى أنقذ صديقى يوسف .. كل ما أتمناه يا إلهى أن يتوقف قلبى أنا قبل قلب يوسف ، حتى لا أموت مرتين"