الجيش الأمريكي يهدم المكتبات في العراق, وألمانيا تعبئها بالكتب. هذا ما يحدث . فلقد قامت ألمانيا بتمويل العراق بـ 28 مليون كتاب باللغة الألمانية.
فألمانيا نشطة جداً في حوارها الثقافي بينها وبين العالم العربي الإسلامي, إلا أنه فيما يبدو يأخذ بعداً أحادياً انتقائياً دون توازن, حيث لا تؤخذ وجهة النظر الإسلامية المتفق عليها من الجانب العربي . يحدث هذا في صياغة ملف ( الإسلام الحريمي ) إن جاز التعبير, حيث يقوم الذراع الحواري بين العالم الإسلامي وألمانيا (قنطرة) بطرح محاور القصد منها الإثارة تحت عنوان (حرية الرأي الديني ).
حليمة كرازون المحاضرة في مبادرة الدراسات الإسلامية في هامبورج, هي أحد نماذج الحوار الذي تريده ألمانيا دون توازن في الرأي الشرعي الآخر، الذي قد يدحض قولها. تقول حليمة "إن الكنيسة كانت من أسباب تشكيكها في قراءة القرآن والأحاديث النبوية التي تخص المرأة, وذلك عندما كانت في العشرين من عمرها . حليمة كما توضح, قد تأثرت بموضوع الصورة الإلهية في المسيحية.
حليمة من جمل ما توصلت إليه أن الرؤية النسائية ستؤثر على دراسة علم العقائد؛ لأن الطابع الذكوري لعلم العقائد دام قروناً عدة. تقول " اليوم لا يستطيع معظم المؤمنين المسلمين أن يتصوروا إمكانية قراءة أجزاء معينة من القرآن حول المرأة وفهمها على نحو مغاير للفهم السائد".
الندوة الفكرية , هي جزء من برنامج ألماني للحوار الثقافي بـ (لسانها)ووفق (ذهنيتها) وفهمها الانتقائي للإسلام . يضاف إلى نماذج أخرى منها ندوة نقاش بعنوان (المساواة بين المرأة والرجل في السياقات الإسلامية) أقيمت في جامعة برلين . التقرير كتبته ( اوته شويب) في صحيفة (دي تاغستسايتونغ) في برلين، حيث رصدت فيه التغيرات التي طرأت على حياة النساء في السودان, إيران , العراق.
كانت السودانية بلقيس بدري عالمة الاجتماع في جامعة (أحفاد) النسائية في أم درمان، شاركت في الندوة بسؤال : " كيف يمكننا تأويل القرآن بحيث تصبح الأحكام الشرعية أكثر إنصافاً للنساء؟" كان خلاصة جوابها أن "التحديث في الإسلام ممكن".
الندوة عقدت في بلد يصف نفسه بالديمقراطي, ينتقي الآراء , دون سماع وجهة النظر من العلماء المسلمين المتفق عليهم . مثلاً , اختارت الندوة العالمة الاجتماعية العراقية نادية العلي التي تدرس في جامعة إكيستر البريطانية؛ للتحدث عن دراستها التي قالت فيها : كان العراقيون مجتمع علماني تحولوا إلى حد بعيد أكثر فأكثر إلى الأصولية الإسلامية بفعل الحرب والاحتلال . تقول نادية " في فترة الطفرة البترولية في سبعينات القرن الماضي حصلت الكثير من النساء على دراسة أكاديمية، وكن يتجولن مع أصدقائهن في شوارع بغداد بالتنانير القصيرة " .
وفي محاضرة أخرى , ضمن أنشطة ألمانية متتالية لا يربط بينها رابط سوى عنوان ( الإسلامي الحريمي ) , كانت هناك محاضرة بعنوان (اكتشاف السمة النسائية للقرآن) في مركز دعم النساء والأبحاث الإسلامية النسائية في ألمانيا . تقول ربيعة موللر , إحدى العاملات الناشطات في المركز, أنها لاحظت مراراً بأن التفسير السائد للقرآن يولّد عند المسلمات الشابات في ألمانيا صراعات داخلية حادة. فتفسير الآية التي تشير إلى ضرب الرجل للمرأة, يعطيهن الانطباع كما لو كان الله سبحانه وتعالى يفضّل الرجال على النساء على نحو كامل. وهذا يخلق لديهن الانطباع بكونهن أدنى مرتبة من الرجال. تقول ربيعة "هن يقلن كيف بوسعنا عبادة من يرى بأننا أدنى مرتبة." هي الآن كما تقول, تسعى إلى جعل الفتيات قادرات على التعامل مع القرآن على نحو مستقل. والهدف هو أن يتعلمن التعامل بروح نقدية مع ما يردده هنا أئمة المساجد وأرباب العائلات حول المرأة في الإسلام.
كما احتفى الحوار الثقافي الألماني / الإسلامي , (الأحادي الانتقائي) بالباكستانية رفعت حسان التي قالت في محاضرة لها "إن قراءة القرآن من خلال عدسة الحديث، هو برأيي السبب الرئيسي في الفهم الخاطئ والتفسيرات والتأويلات الخاطئة لكثير من النصوص التي استخدمت في إنكار مساواة وعدالة النساء."
وفيما يبدو أن الأنشطة الثقافية التي تقام تحت مظلة (الحوار الألماني الإسلامي) انتقائية للغاية دون وجود الرأي الشرعي الإسلامي المتفق عليه.
بالإجمال, ترغب ألمانيا بإجراء حوار بينها وبين العالم الإسلامي لسببين : الابتعاد عن مخططات القاعدة الإرهابية بطرح نفسها كدولة لا تضطهد, إنما تحاور. ثانياً محاولة تفكيك الأرضية الشرعية لإضعاف مقومات الحركات الإسلامية.
... حوار آخر ولكن بـ (الجسد ) هذه المرة
من (العقل), إلى (الجسد), حيث لا يخلو الحوار الألماني ( معنا ) من أنشطة حسية بعيداً عن الممارسات الذهنية الفكرية . مثلاً, بإمكانك أن تقرأ في موقع وزارة الخارجية الألمانية عن قصة مصممة الأزياء الألمانية سوزانة كومبر التي تدرس في كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، والتي احتفت بها ألمانيا لأنها تعمل سوية مع طالباتها على ابتكار موديلات جديدة وجريئة للحجاب، تم عرضها منذ فترة في حديقة معهد غوته ( الألماني ) في القاهرة.
الأستاذة كومبر والتي أسست بنفسها شعبة تصميم الأزياء بكلية الفنون التطبيقية تقول " إن الطالبات المحجبات بطريقة صارمة هن بالذات اللاتي يهيئن أكثر التصاميم جرأة ويتوفقن في ابتداع تفجرات لونيّة حقيقية .. التناقض بين الداخل والخارج يبلغ إلى مستوى لا مثيل له". أشرفت كومبر على عرض للأزياء تم تنظيمه السنة الماضية تحت عنوان ‚cover&uncover’ ( المحجب والسافر) في إطار حفل موسيقى الجاز الشرقي الذي أقيم في حديقة معهد غوتة بالقاهرة.
وقد جاءت الابتكارات ذات الطابع (الساخر) تجاه موضوع الحجاب تذكر بأقنعة النحالين، وبنفس المستوى من التلاعب الإبداعي المداعب، تم كذلك تصميم العباءات السوداء الدقيقة الشفافة التي تظهر من تحتها فساتين ضيقة تبرز مفاتن الجسد من خلالها.
كومبر تزعم أن المحجبات يغدين خاملات ومنغلقات وسرعان ما يفقدن تلقائيتهن . الغريب أن عرض ( الحجاب السافر) سيقدم في ألمانيا بمناسبة لقاء الكنائس. مقابل الغرابة, ثمة ما يضحك : وزارة الخارجية الألمانية تمول مشروع (الأزياء المشتر).
يبدو أن كل المؤشرات لا تشير إلى الصدفة, بقدر ما تصرح أحياناً, وتلمح أحياناً أخرى إلى أن أمريكا تهدم المكتبات, وألمانيا تهدم العقول.
لاحول ولا قوة الا بالله
تحياتي للجميع