أما بالنسبة لأسئلة الأخ ابن الخطاب :
فهي مهمة للغاية وكثيرة ويحتاج كل سؤال لحديث خاص...
لكن أقول مستعينـا ً بالله تعالى :
" هل الرؤيا تقع على ما تعبر ؟ "
جاء في قصة المرأة التي سألت عائشة رضي الله عنها في مسند الإمام أحمد
عن رؤيا لها أن سارية بيتها قد انكسرت فعبرت لها عائشة بما عبرت ...القصة
فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( فإن الرؤيا تكون على مايعبرها صاحبها).
وأيضا جاء في حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم : ( الرؤيا على رجل طائرٍ ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت ).
وفي لفظ ( على جناح طائر ) رواه أبوداوود والترمذي وابن ماجه بسند حسن.
ومعنى الحديث ـ أن الرؤيا لا يستقر قرارها مالم تعبر فإذا عبرت فهي تقع لأصح معبر مصيب.
فالرؤيا تجول في الهواء حتى تعبر ، فإذا عبرت وقعت ، ولم يرد أن كل من عبرها من الناس وقعت.
إنما لمن أصاب الحقيقة في التعبير , وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : ( الرؤيا لأول عابر ).
أي لأول مصيب في تعبيرها .والله تعالى أعلم .
أما عن سؤالك عن التعبير هل هو مكتسب أو فطري ؟
اختلف العلماء في هذا والصحيح أن أصل التعبير توفيقي فهو من رب العالمين سبحانه.
فهي فتوحات ربانية على من يشاء من عباده ..
وقد قيل للإمام مالك ( أيعبر الرؤى كل أحد ؟ ! )
قال : أبنبوةِ يلعب ؟! (التمهيد عند ابن عبد البر ).
وأشبه التعبير للرؤى والمنامات بالشعر فالشاعر يكون شاعرا لوجود الموهبة الشعرية فيه.
فهي هواية موجودة في داخله نماها ورعاها حتى تمكن من قول الشعر.
وقد يأتي شخص متمكن باللغة العربية متذوقا لمعانيها لكنه لا يستطيع قول الشعر وإن كان
قد يقول بيتـا أو بيتين لكن لا يقال له شاعر وهكذا.
فالتعبير للرؤى والمنامات يمكن أن تتعلم وتكتسب لكن في هذا صعوبة جدا لا يحسن صبغها إلا
أصحاب أؤلئك الفن وهكذا .
ويمكن أن يكون الأمرين معا مكتسب ومتعلم وهذا أفضل الأنواع فإن من رزق توفيق الله تعالى
ورزق زيادة المعرفة وطرق التعبير الصحيحة وفق للتعبير .. والله تعالى أعلم .
وأما سؤالك عن كتب الرؤى والمنامات والمراجع ..
فأقول لأحبتي إنه من المؤسف أن الناس تعلقوا بهذا النوع اقصد المعاجم والقواميس الخاصة بالمنامات.
ولنعلم ـ أن كتب المعاجم والقواميس الخاصة بالرؤى والأحلام لا يعتد بها ، لأن أشبه الرؤى وأحلام الناس.
بالطعام الموجود حاليا ، فطعامنا يختلف عن طعام من مضى ، ثم الناظر في الكتب يجد أنها لم تجمع أشياء.
استجدت في حياتنا كالكمبيوتر والجوال والسيارة والقطار وغيره.
فلا يتصور أن من رأى مثلا هذا أن يرجع لكتاب كذا في صفحة كذا .. أبدا لا يتصور هذا .
ومن العجيب أن أكثر الكتب مبيعا في العالم كتب السحر و الشعوذة ثم كتب تفسير الأحلام على مستوى
مكتبات العالم , وأغلبها إن لم يكن جل مؤلفيها كحطاب ليل يجمعون الغث والسمين والخير والشر ..
أمر آخر ـ لو فرضنا مثلاً أن الإنسان رأى في المنام نارا ً فذهب لأحد المعاجم في حرف النون حتى وصل
إلى كلمة نار فإنه سيجد عدة احتمالات حسنة وسيئة فماذا يختار ؟
من المؤكد أنه سيحتار والعجيب في الأمر أن أكثر بيوتنا تكاد لا تخلو من هذه الكتب الخاصة بالمنامات .
كتفسير الأحلام لابن سيرين المكذوب عليه , وعل يكون وقفة معه بالمستقبل قادمة إن شاء الله تعالى .
فلا أنصح بالاهتمام واقتناء هذه الكتب والمعاجم التي هي خسارة حبر على خسارة ورق وتزيد المسلم هما وغم .
إلا بعض الكتب التي وزنت بالقرآن والسنة وهي قليلة في هذا العالم العجيب عالم المنامات .
وأصح ما كتب في هذا العلم قديما وحديثا ما كتبه الإمام العلامة ابن حجر العسقلاني في (( فتح الباري على شرح صحيح البخاري )).
وكل الذين كتبوا هم عيال عليه..فأنصح بقرأة هذا الباب كاملاً ففيه غنية كافية شافية...والله تعالى أعلم .
وأما سؤالك عن الرجل الذي يصيب ويخطئ فكلنا ذاك الرجل فالتعبير أو التفسير ظني الدلالة والإجابة وليس قطعي الجواب ..وسبحان الله العلي العظيم
إذا كان أبي بكر الصديق _رضي الله عنه_ في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم يصيب ويخطئ في التعبير كما في صحيح البخاري في حديث (( السمن والعسل )) فما
بالك بمن هو دونه من بقية الناس.
ولكن ـ لا أنصح أحبتي بالتلاعب بأجزاء النبوة كما ثبت ذلك عن مالك رضى الله عنه ..
فإن من الناس من دخل في هذا الميدان , ميدان تفسير الرؤى والأحلام وهو ليس أهلا له , كما تطفل على الشعر
من هو ليس بشاعر , ومن ادعى الطب وهو ليس بطبيب وهكذا .
فإن من تلبيس إبليس على الناس أن يخرج الرجل بتعبير الرؤى فيصيب ثم يخطئ ثم يصيب فيوافق شيء من الواقع
فيفرح , فيعتقد أنه أصبح معبرا كابن سيرين أو سعيد بن المسيب ويدعم ببعض ضعاف النفوس فيتلاعب عليه الشيطان
بأنه معبر عصره وإمامه .. والعياذ بالله .
وكما مر معكم في ما كتبنا في المقال ( الرؤى والأحلام في ميزان الشريعة والأحلام )
غنيه بأن المعبر ليس مجبرا أن يعبر للناس ويفحم نفسه بهذا .والله تعالى أعلم
أما بالنسبة لأعجب الرؤى التي مرت علينا فهي كثيرة جدا جدا لا استطيع أن اسردها لكم بهذه العجالة من الوقت
لكن اذكر أنني عبرت لبعض الناس فكشف حاله أنه سارق أو زاني أو متعاطي أو ساحر أو عاصي فهي تكشف
الحقائق للآخرين و لعل القصص تأتي تبعا في هذا الحوار في وقتها .
والرؤى التي تركت في نفسي الأثر الكبير، كثيرة جدا منها
موت بعض الأشخاص فكان كما وقع , وتوبة بعض المذنبين فكان كما وقع , وهذا من عجائب الرؤى والمنامات .
ومن الظريف أنني رأيت في منامي أن زوجتي قد ماتت فتأسفت وحزنت في منامي وعزاني خلق كثير.
وما هي إلا لحظات حتى استيقضت من نومي واكتشفت أنه حلم شيطاني فحمدت لله وشكرته.
فهناك أشياء عجيبة تمر دائما على الإنسان في منامه فيرى مرة أنه غني ومرة أنه فقير وانه على وظيفة وأنه فصل من وظيفته
وأنه قد مات أو في سبيله للموت أو أنه في مشاجرة مع خصم له , فلما يستيقظ من نومه يحمد الله على أنها كانت أحلاماً شيطانية .
وسيأتي إن شاء الله معنا آداب الرؤيا الصالحة للمسلم وآداب الحلم الشيطاني .. والله تعالى أعلم.