[c]
سلوكيات الطفل وعملية التأديب
إن أهم يا يشغل الآباء والأمهات في هذه المرحلة هو السؤال: "كيف يمكننا أن نعلم أطفالنا التصرفات السليمة والسلوك اللائق الذي يساعدهم على تقبل المجتمع لهم؟". فللمجتمع توقعات معينة بالنسبة لتصرفات أفراده وتعد مرحلة ما قبل المدرسة هي المرحلة المثالية لتدريب الطفل على التصرف بناء على هذه التوقعات، ولحسن الحظ، فإن الأطفال في هذه السن: · يميلون بشدة إلى التقليد: ويرغبون بكل إصرار على القيام بجميع الأعمال الروتينية التي يقوم بها الكبار. · يحبون أن يتعلموا لأنهم يريدون أن يعرفوا ما يحيط بهم من أسرار الكون. · يقلقهم احتمال فقدان العطف والحب الذي يتمتعون به مع والديهم: ولذلك فهم يحافظون على مستوى السلوك الذي يتوقعون أنه يبقي على حب أبويهم لهم، ويتوقف ذلك بالطبع على ما إذا كان هناك شعور من ناحية الطفل بوجود هذا الحب أصلاً. .وبناء على وجود هذه الخصائص عند طفل هذه المرحلة سوف يصبح من السهل جداً أن نصل إلى المستويات المطلوبة إذا اتبعت في معاملته الأساليب التالية: · اتبعي مع طفلك بشكل عملي مبدأ "أحب لأخيك ما تحبه لنفسك" كما أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم، فطفلك لن يعطيك من الأدب والتعاون والاعتبار أكثر مما تعطينه إياه. ولنفرض أنه طلب منك أن تعاونيه في حل اللغز أو بناء المكعبات مثلاً، ولم تستجيبي له بل صرخت في وجهه.. هل تتوقعين أن يساعدك في تحضير المائدة..كذلك فإنه لن يسامحك سريعاً إذا ما جذبت شعره أثناء تمشيطه. · تأكدي من أن تكافئي طفلك على التصرفات السليمة، بدلاً من أن تكافئيه على التصرفات السيئة, وقد يبدو لك هذا شيئاً واضحاً, ولكنه في الحقيقة غير ذلك مثال ذلك: إذا اصطحبت طفلك معك أثناء التسوق وبدأ في البكاء طالباً بعض الحلوى فربما تستحبين له حتى يكف عن البكاء وتنعمي أنت بالسلام ولكن إذا اصطحبته معك أثناء التسوق ولم يبك طالباً أي شيء فهل تشترين له بعض الحلوى؟ إنك عادة لا تفعلين، هل رأيت إذن أنك أحياناً تكافئين السلوك الخاطئ دون الصحيح؟ · كوني إيجابية فإن الأطفال الصغار يفضلون التوجيهات الإيجابية لما يجب أن يقوموا به، في حين أنهم لا يستجيبون للتوجيهات السلبية التي تتضمن مجرد النهي عن الأشياء التي لا يصح أن يقوموا بها. مثلاً: إذا قلت لطفلك "لا تترك لعبك هكذا" فإن الطفل في مثل هذه الحالة قد لا يفهم ما الذي عليه أن يفعله، وسوف يجعله هذا الموقف الغامض يحجم عن عمل أي شيء، أما إذا قلت له " اجمع لعبك وضعها مرة أخرى في السلة المخصصة لها " فقد تنقل له هذه العبارة شيئاً إيجابياً يمكن أن يقوم بتنفيذه. · كوني واضحة: فقد تكون إرشاداتك إيجابية ولكنها قد تفشل لأنها غير واضحة، مثال ذلك "كن مؤدباً ودعك من هذه التصرفات" إن هذه العبارة تعد إيجابية ولكنها بالنسبة لطفلك في هذه السن لا تعنى شيئاً، إن ما تقصدينه بهذه العبارة هو "لا تفعل شيئاً أنا غير راضية عنه" ويعتبر مثل هذا الأمر في الواقع شيئاً مستحيلاً، ذلك أن طفلك لا يعرف كل ما لا ترضين عنه. · اشرحي لطفلك باستمرار السبب الذي يكمن وراء إرشاداتك: ففيما عدا حالات الطوارئ حيث لا مفر من أن يأتي شرح السبب فيما بعد، يعتبر عدم شرح السبب وراء الإرشادات التي توجهينها لطفلك مبالغة منك في تقدير ذكائه، فإذا سألك لماذا؟ مثلاً وقلت له "لأنني أقول هذا" أو "لأن هذا هو ما أريد" فسوف لا يتعلم منك أي شيء مفيد. وإذا فرضنا أنك طلب من الطفل أن يضع الجاروف في المكان المخصص له دون شرح السبب وراء هذا الطلب، فماذا يدور في ذهن الطفل عندئذ كسبب لذلك: هل لأن الجاروف قذر أو لأنه خطر، أو لأنه قد يُكسر، أو لأنك تريدين ذلك حتى تستطيعي الحصول عليه بسهولة عند الحاجة، أو لمجرد أن هذه رغبتك؟ إن عدم شرح السبب وراء طلبك يعني أنك لا تعلمين طفلك شيئا. · احتفظي بكلمة "لا" فقط للقواعد العامة: إن استخدام لا تكون فعالة فقط عندما تريدين أن تنهي طفلك عن القيام بعمل ما بصورة دائمة بشكل نهائي. أما إذا كنت تريدين أن تنهي طفلك عن القيام بفعل معين الآن، أو في ظل ظروف معينة بالذات فمن الأفضل أن تعطي إرشاداتك بطريقة إيجابية. مثلاً: "انتظر قليلاً حتى ننتهي من الحديث "بدلاً من" "لا تقاطعني أثناء الحديث"، ذلك أنك قد تحتاجين منه أحياناً أن يقاطعك لظروف تكون فيها المقاطعة ضرورية، كما يحدث مثلاً عندما يضطر إلى تنبيهك أن أخته الصغيرة تبكي، أو أنك نسيت الطعام على الموقد، أو أنه يريد أن يذهب إلى دورة المياه. إن الذي نخشاه هنا هو أن النواهي يمكن أن تتحول بسهولة إلى قواعد عامة، وربما كان هذا التعميم في غير صالح الطفل كما سبق أن رأينا، لذلك كلما قللنا من النواهي بحيث تصبح فقط في حدود ما نريد أن يكون قاعدة عامة، قبلها الطفل بشكل أسهل وخاصة إذا قلنا له لماذا. مثلاً: "لا تتسلق أبداً هذه الشجرة إنها غير آمنة"، "لا تعبر الطريق إلا بصحبة شخص كبير معك، فإنك لا تضمن أن تكون هناك سيارة مسرعة في نفس الوقت الذي تعبر فيه الطريق". إن القواعد العامة لا شك مفيدة لسلامة طفلك، إلا أنها في الواقع لا تلعب دوراً مهماً في تعليم السلوك القويم، ذلك أنها عادة ما يكون بها من الجمود وعدم المرونة ما يجعلها غير مفيدة في الحياة العادية، ولذلك يجب أن تحدي من استخدامها بأن تقصريها فقط على المشكلات الصغيرة المحددة وليس الكبيرة ذات الأهمية. · امنحي طفلك الثقة في نفسه: فإذا ما شعر بأنك على الدوام تمطرينه بأوامرك ونواهيك وأنه باستمرار تصححين له أفعاله، فإنه قد يحاول بعد ذلك أن يفكر كثيراً فيما يجب أن يفعله وما لا يجب أن يفعله، لذلك كان عليك أن تتركي له بعض المسئوليات التي تناسب سنة أو المرحلة التي يمر بها, وأشعريه بثقتك في قدرته على تحمل هذه المسئوليات. فإذا سمحت لطفلك مثلاً أن يذهب للعب مع أطفال الجيران أو الأقارب فلا تمطريه بوابل من التعليمات قبل ذهابه مثل "لا تأتي إلى باكياً" أو "عليك أن تكون هادئاً"، "إذا أعطاك أحد شيئاً قل له شكراً، وإذا أخطأت اعتذر" وهكذا، فما دمت قد سمحت له بالذهاب فاتركيه يتحمل هو مسئولية تصرفاته، ذلك أن كثرة الإرشادات والتعليمات لن تساعده كثيراً على التصرف، وكل ما هنالك هو أنها ستجعله غير مرتاح لعمل هذه الزيارة. · كوني قدوة لطفلك: إن طفلك في هذه المرحلة يتعلم عن طريق القدوة، فإذا داعبت طفلك بكلمة خارجة، تأكدي أنه سوف يرددها بالتالي، وإذا طلبت من طفلك إنكار وجودك فسوف يتعلم أن بإمكانه أن يكذب وهكذا. · وإذا كان الطفل يلاحظ كل تصرفاتك وسلوكياتك ويقلدها، كان من الضروري أن تكوني مستعدة للاعتراف بالخطأ إذا أخطأت، وأن تعتذري عن الخطأ. ومن العبارات المفيدة عند الاعتذار أو تبرير الخطأ قولك مثلاً "إن كل شخص يقوم ببعض الأفعال السخيفة أحياناً" فإذا تفهم طفلك هذه العبارة واقتنع بصدقها فإنه لن يضع لنفسه أو لك مستويات أعلى من الواقع بدون داع، كما أنه لن يصدم إذا ما لاحظ عليك لأول مرة تصرفاً خاطئاً أو حكماً غير عادل أو كذبة بيضاء. فإذا فرض أنك اتهمت طفلك بكسر إحدى الأكواب مثلاً ورفضت أن تصدقي إنكاره لذلك، ثم اكتشفت بعد ذلك أنك مخطئة، عليك أن تعتذري لطفلك وتعترفي بخطئك، لا مفر من ذلك إنك تعلمينه عندئذ أن الاعتراف بالخطأ فضيلة. فلقد كنت مخطئة وكنت غير عادلة في حكمك عليه، ورفضت أن تصدقيه عندما كان يقول الصدق، فإذا طلبت منه بعد ذلك أن يسامحك فإن طلبت منه بعد ذلك أن يسامحك فإن احترامه لك سوف يزيد ولن يقل. وبعد: فلابد أن تعرفي أن اتباعك لهذه النصائح لن يجعلك تحصلين على طفل يعطيك طاعة عمياء بمجرد أن تلقي عليه أمراً ما. فإن مثل هذا الطفل ليس هو الطفل المؤدب الذي نقصده، إن من السهل جداً – وإن كان من غير المفيد – أن تجعلي طفلك يتصرف كما تحبين، يستجيب بسرعة وبدون تردد لأوامرك ونواهيك، ويحاول إرضاءك ويخشى غضبك ويكون رهن إشارتك وطوع بنانك، ولكن هل تضمنين أن تصرفاته سوف تكون سليمة في غيابك؟ إنك لن تكوني بجواره طوال الوقت، ولذلك فإن القصد من عملية التأديب يجب أن يكون في النهاية هو تنمية ما يُطلق عليه "الضمير" في داخل الطفل، أي أن يصبح طفلك قادراً على أن يقوم بما يجب أن يقوم به حتى أثناء وجوده بمفرده. فالآن وقد أصبح طفلك في مرحلة ما قبل المدرسة، وصار مستعداً لأن يتعلم كيف يحافظ على سلامته وأمنه، وكيف يعمل على تقبل المجتمع له، عليك أن تعاونيه على هذه الاستقلالية، بحيث يصبح في إمكانك بعد ذلك أن تنسحبي تدريجياً وتتركيه يطبق بنفسه ما علمته إياه من مبادئ في السلوك والأخلاق. إنك إذا أدركت بصدق أن عملية التأديب ما هي إلا مجرد توجيه وإرشاد لطفلك كيف يسلك، فسوف تجدين أن معظم ما نسميه بمشكلات في سلوكه لي يصبح كذلك بالمرة، ذلك أنك لن تصدري له الأوامر والنواهي بدون تفسير، كما أنك لن تستنكري منه الإجابة على أشياء من نوع: "لماذا" و"لماذا يجب؟" و"لماذا أنا بالذات؟" وهكذا.
المصدر
هنا
المســـــافر
[/c]