تستلقي بضعة بيوت متواضعة، لا يصلها التيار الكهربائي أو المياه، وذات طريق وعرة، قرب مستعمرة قديم، المقامة على أراضي محافظة جنين، والتي شرع جيش الاحتلال بإخلائها إضافة لثلاث أخرى هي غانيم وحومش وسانور.
هنا يعيش 34 مواطناً، منذ أن أسس خلف تركمان نهاية السبعينيات، بيته في مكان مرتفع من مدينة جنين، ومحاط بأشجار حرجية من مختلف الجهات.
أقيمت المستعمرة على أراضي خزينة الدولة و أراضٍ أخرى لعائلة خلف الصغيرة العام 1981، وتقدر مساحتها بـ 166 دونماً، فيما يحدها من الجهة الشرقية قرية عابا وحي الألمانية، وتجثم مدينة جنين وحي السويطات في ناحيتها الغربية .
يشرع حسن خلف في حديث مر: تصوروا بعد سنتين من بناء المستوطنة، توفي أبي حسرة وطلب منا أن ندفنه بجوار المنزل الذي شيده، حتى لا نرحل أو نتخلى عن أرضنا، وكي يشعر براحة البال!
نفذت العائلة وصية الوالد، و أكمل الأبناء حكاية صمود مختلفة،هنا بضعة منازل يسكنها أحفاد خلف، يعانون شظف العيش، ويفتقرون لمقاومات الحياة العصرية التي كان ينعم بها المستوطنون على بعد عدة أمتار منهم.
يقول حسن، وقد بدت علامات الحيرة تحتل مساحات وجهه الأسمر: منذ أن بدأوا في بناء المستعمرة، شعرنا أن حياتنا ستتغير، ولن ننعم بالهدوء الذي سعينا إليه.
يتابع: كان جدي، وأسمه حسن أبو دروبه، يسكن قرية الغبية قرب حيفا، قبل أن يجبر على الرحيل منها العام 1948، وكانت وصية مشابهة لوصية والدي، إذ طلب منا أن ندفنه على أطراف مرج بن عامر، حتى"يشم" من قبره رائحة بلده.
المشهد في خربة غنام سحابة هذا الصيف تغير عن الصمت المعهود: ضجيج تفكيك المستعمرة، غبار متناثر، جيش من الصحافيين وعدسات تصويرهم، أسئلة تبدد المكان المجهول، أطفال يلهون بإطارات سيارات متآكلة، الحاجة زهرية تركمان تحضر الماء من بئر مجاور بطريقة بدائية، حسن و عطوان والصغار عاهد وأحمد ومريم يعنون في مراقبة جرافات الاحتلال وهي تهدم منازل المستعمرة، الحاجة سارة ترثي زيتونها الذي أحرقه المستوطنون قبل أيام من رحيلهم، إضافة إلى تفاصيل صغيرة أخرى.
نحاور سارة التي هدم جيش الاحتلال مسكنها بدعوى إطلاق النار من جواره، وتعيش اليوم في مخزن صغير للحنطة، يفتقر لدورة مياه ولمقومات الحياة الأساسية.
"أقترب عمري من السبعين، ولا زالت أنتظر يوماً أجد فيه"راحة البال"… هكذا تقول وهي تشير لزخات من الرصاص أطلقت من المستعمرة ولم تجد هدفاً غير جدران غرفتها الطارئة، أو نوافذها العتيقة.
يداعب أبناء عطوان مهرة صغيرة يسمونها "حسنة" تارة، ويعودون من جديد لمراقبة "الجيران" غير المرغوب فيهم تارة أخرى، وبقدوم طائفة جديدة من الصحافيين يتوقعون المزيد من الأسئلة، التي يجيبون عليها بتلقائيتهم.
عند احتساب مقومات الصمود الاقتصادي، يكتشف الزائر أن تربية الأغنام، وزراعة القليل من المحاصيل العطشى هو أساس عيشهم.
وللمرأة الكثير من الوظائف، بفعل غياب الكهرباء وشبكات المياه، فالحاجة زهرية رغم أن عمرها اقترب من مشارف السبعينيات تقود حمارها و تسعى في رحلة بحث عن شربة ماء لها ولأحفادها، ويندمج الصغار في تربية الدواجن، أما الكبار فلهم شؤون تغنيهم.
خمسة منازل صغيرة إلى متواضعة تسمى غربة غنّام ، أو عرب التركمان، لا يعرف أصحابها ما تخفيه عنهم الأيام بعد رحيل المستوطنين، ويتمنون أن يلتفت إليهم أحد في برامج تنمية أو مكافحة الفقر، ولا ينسون جماعات المتطوعين الأجانب الذين ساعدوهم في إعادة غرس عشرات أشجار الزيتون التي اقتلعها جيش الاحتلال العام الماضي بدعوى “تسمين" معسكر التدريب، وهذا الأمر يعني بالنسبة لحسن وأشقائه الخمسة و لصغارهم وكبارهم أن للصمود جذور.
منقول