أعتذر لأمي ...
لأنها تعبت في حملي ... وتألمت في ولادتي ...
وأرهقت في مرضي ودراستي ...
وهاهي الآن تتحمل كل شيء عني...
فتسعد في سعادتي وتحزن في حزني ...
ثم بعد كل شيء تنسى أخطائي وتفخر بحسناتي ...
أعتذر لقلمي ....
لأني جعلته رفيقاً لي في كل المحن والآلام ...
وكتبت به جميع كلمات الضعف والانكسار ...
وجعلته شاهداً أساسياً على كل عذاباتي ...
وأعتقد أنه سيصفح لي ... لأنه كان رفيقي أيضاً في لحظات الفرح ...
وساعات الحب والسعادة ...
أعتذر لليل ...
لأني عرفته في لحظات الحزن والأسى ...
فكان الوحيد الذي يمد يده ويمسح دموع عذابي ...
أعتذر منه لأني نسيته في لحظات الفرح ...
وأهملت سكونه وعزلته وتركته ينتظرني ليشهد فرحي كما حزني ...
ولكن دون جدوى ... أعتذر منه لأني عندما عدت إليه
حزينة لم يرفضني ولم يدر لي ظهره ... بل على العكس
فتح ذراعيه واحتضن حزني مرة ثانية ....
أعتذر للبحر ...
لأني عشقته بجنون ...
ورغم هذا وصفته بالغدر في هدوئه ...
والجمال في غضبه ...
أعتذر منه لأني جعلته شاهداً آخر على قصة حب
كنت أدرك أنها عقيمة ... أعتذر منه لأني تجاوزت قدسية رماله ... وعذرية موجه .. وطهر مائه
أعتذر للسماء ...
لأني كنت أراها بعيدة وعظيمة في الحزن فقط ... ثم أراها صغيرة قريبة في لحظات الفرح ...
أعتذر للقاء ...
لأني نسيته في لحظات الوداع فما عدت أتحدث إلا عن الرحيل ... ونسيت أن أياً منهما لا يأتي إلا بعده ... فهو من يلدهما ونحن من نرعاهما وننتظرهما تحسباً وخشية ...
أعتذر للرحيل ...
لأني أكرهه ... وألونه في كل لوحاتي وجملي بالأسود ... وفي كل حديث لي عنه أجده قبيحاً مراً ... رغم أنه في أحيان كثيرة يكون رحمة كالموت ...
أعتذر للفرح ...
لأني لونت حياتي وبرغبتي بكل ألوان الحزن والألم ... واعتدت الشكوى و الآه ... اعتدت الدموع وألفتها ... وحكمت على الفرح بالنفي بعيداً عن كل تفاصيل حياتي ...
أعتذر لقلبي ...
لأني سمحت لأحدهم بجرحه ... فآلمته في لحظات ضعفي وأتعبته بلحظات حبي وجرعته الأسى في لحظات حزني ... وأخيراً أخرجته من صدري و دون تردد وهبته لغيري ...
أعتذر للورود ...
لأني حكمت عليها بالإعدام قطفاً ... بحجة حاجتي لمنظرها ورائحتها ... في غرفتي ومكتبي ... ولم أشفق عليها أو أكترث لألمها ... بل في ريعان صباها خنقتها ... وبعد أن قطفتها ... بمخطط استعماري فرقتها ... فشممت بعضها ... وزينت غرفتي ببعضها ... ولغيري أهديت بعضها ...
أعتذر للشمس ...
لأني كنت أظنها أقل نوراً من وجهك ... وأضعف دفئاً من عينيك ...حتى تركتني وحيدة في حياة كل أبوابها مفتوحة للريح في ليل مظلم ... فعرفت أن لا نور أقوى من نور الشمس ... ولا دفء أجمل من دفئها ....