بسم الله الرحمن الرحيم
تأملت كثيراً في أقرب نقطة ممكن أن يصل إليها العبد من ربه ، فوجدت أنه بقدر ما نفتقر بقدر ما نقترب ، وبقدر ما ننطرح بقدر ما ننشرح ، وبقدر ما نعجز بقدر ما ننجز ...... فأفضل ساعات العبد قرباً وأكثرها صفاءً حين يصل إلى مرحلة العجز عن الخلق ولا يبقى إلا قوة الله تعالى وحده ..
فالمجاهد في سبيل الله حين تدلهم به الخطوب ويشعر بالنهاية المحتملة فإن نفسه تصفوا مع الله وينكسر بين يديه حتى يصل إلى أقصى درجات الضعف والحاجة ، وعندها تكون الإجابة قريبة والنصر متحقق ، ولهذا إذا التقى الصفان في المعركة فإنها ساعة إجابة للمجاهد المؤمن ..
والمريض حين يعجز عن الشفاء والدواء ويبلغ الغاية في المرض وتنكسر نفسه ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين ، فإن له دعوة مستجابة .. ولهذا قال بعض العلماء لأصحابه : إذا دخلتم على مريض فاطلبوا منه الدعاء لأن نفسه قد انكسرت وذلت فله دعوة مستجابة ..
والتاجر الذي ذهبت أمواله وأفلس رصيده وانقطعت آماله بقدراته الضعيفة وقوته الهزيلة ، فإن نفسه تصفو مع الله ، ولو سأله لأعطاه ..
والوالد الذي يئس من تربية أولاده وأعلن عجزه التام ، فإنه إلى الله تعالى أقرب ، لأنه فوض الأمر إلى الله ولهج لسانه بذكر الله والاستعانة به وحده ..
تأملوا معي هذه الأحاديث النبوية التي تدلل على ما أقول :
- قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " ..... أعز وأجل وأجمل ما في الإنسان وجهه وجبهته ، فإذا وضعها في الأرض ساجداً لله منكسراً بين يدي الله معترفاً بحق ذلك لله وحده ، فإنها أجمل ساعات العمر وأكثرها حباً وقرباً ، فلا يفوت الفرصة في سؤال ما يحب من أمر الدنيا والآخرة .. فإنها لحظة إجابة ..
-وقال عليه الصلاة والسلام : " للصائم دعوة لا ترد " لم ؟ لضعفه وحاجته ..
- وقال عليه الصلاة والسلام : " واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب " لأن المظلوم لم تبق له من أسباب الأرض ما يرفع الظلم عنه وبقيت نصرة من في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه ..
- وقال عليه الصلاة والسلام : " ثلاث دعوات يستجاب لهن لاشك فيهن – وذكر منها دعوة المسافر .. " لأنه مقطوع عن الناس مفتقر إلى ربه تعالى ، فهو يسيح في الأرض مجاهداً أو مهاجراً أو سائحاً أو طالباً للرزق ، فضعفه وحاجته سبب في قبول دعوته ..
ثم تأملوا حين يباهي الله تعالى بعباده يوم عرفة ويقول : " انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شعثاً غبراً أشهدكم أني قد غفرت لهم " فشعث العبد وغبرته في موطن العبادة حبيب إلى الله لما فيه من إظهار الفقر المحبوب إليه سبحانه ..
وهكذا يستجاب للمضطر إذا دعاه لانقطاع الأسباب الأرضية وبقاء الأسباب العلوية والتوفيقات الربانية .. " أمن يجيب المضطر إذا دعاه "
" ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد "
إن لحظات الفقر إلى الله هي لحظات القرب منه ، والعاجز المحروم من ظن أنه قريب وهو منه بعيد ، لأنه استغنى بالناس عن الله ..
سبحي يا نفس وصلي عنــد سطو العاديات
فـــإذا القلـــب تنـــزى مــن تباريح الصلاة
رقرقي النفس دموعـاً واسكبيها في الصلاة
فإله الكـــون يصغــي للنفـــوس البـاكيـات
المقال للشيخ سعد الغامدى
مما راق لي