العلاج الطبيعي واهميته في علاج الاعاقة
منذ قرون عديدة كان الإنسان يلجأ الى الوسائل الطبيعية لعلاج الأمراض والآلام·· مثل آلام الظهر والمفاصل والروماتيزم وغيرها وكان يجد الخلاص في ينابيع المياه الحارة·· أو في أشعة الشمس، وكان الكثيرون يلجأون الى دفن الأطراف في الرمال الساخنة ليتخلصوا من آلامهم·· ثم تطور هذا النوع من العلاج عبر العصور حتى أصبح العلاج الفيزيائي تخصصاً طبياً منفصلاً·· وذلك في السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى·· وكان تطور هذا الطب خلال القرن العشرين ناجماً عن الحاجة المتزايدة له بسبب الحربين العالميتين الأولى والثانية· · وانتشار الإصابات بالإضافة الى شلل الأطفال وما نتج عن ذلك من إعاقات في صفوف الشباب·· وأصبح هذا التخصص الطبي يستخدم لعلاج المرضى الذين يعانون من أمراض شتى مثل الكسور والحروق والدرن وآلام الظهر والسكتات الدماغية وإصابات الأعصاب والحبل الشوكي والتشوهات الخلقية والتهاب المفاصل وإعاقات الرؤية والنطق·
ويهدف العلاج الفيزيائي· أو علاج إعادة التأهيل الى مساعدة المريض على التخلص من الإعاقات المتفاوتة الناجمة عن تضرر قدراتهم الحركية أو الحسية وذلك من خلال استخدام وسائل علاجية طبيعية مثل الحرارة والتمارين الرياضية والتيارات الكهربائية·
وبدأ استخدام هذه الوسائل العلاجية منذ السبعينيات من القرن الماضي وهي ما تزال تستخدم الى الآن ولكن بعد أن طرأ عليها بعض التطورات التكنولوجية·· فالحرارة مثلاً تستخدم في العلاج الفيزيائي لتنشيط حركة الدم وإزالة الألم، ويمكن تطبيقها بعدة طرق مثل مصابيح الأشعة تحت الحمراء، والأشعة قصيرة الأمواج، والتيارات الكهربائية عالية التردد والعلاج بالماء الحار أو بالأمواج فوق الصوتية·
وتأتي التمارين الرياضية لتحتل مكانة مميزة بين الوسائل العلاجية الفيزيائية، فهي الأكثر استخداما وتكون عادة مصممة بحيث تؤدي الى أحد النتائج الثلاث التالية: زيادة مقدار الحركة في المفصل، زيادة قوة العضلات، أو تدريب العضلات على التمدد والتقلص بانسجام وتناسق·
وتستخدم التمارين الرياضية لمساعدة المرضى الذين يعانون من مشكلات في التنفس والرئتين، بالإضافة الى استخدامها المعروف لعلاج حالات الشلل والتشنج·· حيث تساعد على تنشيط الدورة الدموية وإرخاء العضلات المتشنجة·
وظهر مؤخراً توجهاً جديداً لاستخدام التمارين الرياضية المائية في العيادات المتخصصة بالعلاج الفيزيائي·· وكانت ألمانيا الدولة السباقة في هذا المجال، ثم بدأت التمارين المائية تنتشر في دول العالم الأخرى·· وبالرغم من النتائج الجديدة التي حققتها هذه الوسيلة العلاجية، ولكن ما يزال هناك المزيد من الفوائد التي يمكن أن نجنيها من العلاجات التي تعتمد على الماء·· والتي لا يمكن الحصول عليها في حالات الماء الساكن حيث لا يمكن التحكم بسرعة حركة الماء وفقاً لحاجات معينة·ويعتبر الماء بيئة نموذجية لتدريب المريض على تنسيق قدراته الحركية وذلك بسبب خاصية العوم التي يؤمنها للمريض· فالماء يساعد عل تقليل الضغط على العمود الفقري والمفاصل والأربطة، ولذلك يجد المرضى أن كثيراً من الحركات التي لا يستطيعون تأديتها أو الحركات التي يجدون فيها صعوبة بالغة تكون سهلة بالنسبة لهم إذا قاموا بها في الماء·· ويمكن وضع برنامج مناسب لتدريب المريض على تنسيق استجاباته الحركية من خلال إجراء تغييرات في سرعة حركة الماء بدون أن يكون للمريض علم بذلك·
كما يؤمن الماء بيئة جديدة لتدريب الجهاز التنفسي والعمليات الأيضية·· حيث أن ضغط الماء يكون أكبر من الضغط الجوي المحيط، وهو ما يجعل قوة الجهد المطبقة على الصدر تعمل على إعاقة عملية الشهيق وتسهيل عملية الزفير· ويمكن الاستفادة من هذه الحالة بشكل ممتاز لتقوية عضلات الجهاز التنفسي·· وبزيادة سرعة الماء يزداد الضغط على الصدر وبذلك يوضع المريض في مواقف تزداد صعوبتها تدريجياً· وتتطلب نشاطاً أكبر في العضلات يجبر المريض على القيام به بدون أن يشعر بذلك·
كما تعتبر مقاومة الماء من أهم التدريبات البدنية الخاصة بعضلات البدن والأطراف·· ويمكن تعديل قوى الدفع بشكل يناسب المريض وذلك عن طريق زيادة السطح المعرض لهذه القوى باستخدام ألواح خاصة للسباحة أو المجاديف التي توضع في اليدين أو القدمين، بالإضافة الى إمكانية تعديل هذه القوى عن طريق تغيير سرعة الماء·
ويستفاد من الماء أيضاً لإجراء تمارين خاصة بالأوعية الدموية وذلك بفضل خاصيته في توصيل الحرارة·· فالانقباض والتمدد المتعمد للأوعية الدموية الموجودة في الجلد يؤديان الى زيادة في عملية إمداد الأنسجة بالدم اللازم لها·· ويمكن التحكم بدرجة حرارة الماء في البرك الصغيرة بشكل أسهل من البرك الكبيرة ولذلك يفضل استخدامها في المجالات الطبية·
ويتم خلال التمارين المائية قياس الجهد العضلي·· ويتم تسجيل الحركات بواسطة كاميرا فيديو موضوعة فوق أو تحت سطح الماء بحيث يتم مقارنتها بواسطة الكمبيوتر لمعرفة مدى التحسن خلال فترة العلاج·
وفي أواخر القرن العشرين تدخلت التكنولوجيا لتضفي على العلاج الفيزيائي كثيراً من التطورات، وقدمت خدماتها الجليلة لمرضى يعانون من آلام وإعاقات مزمنة·· فأصبح هناك أنواع من أجهزة المايكرو كمبيوتر التي تستخدم لإرسال استشارات كهربائية الى العضلات مباشرة بعد أن أصبحت الإشارات الطبيعية غير قادرة على الوصول اليها بسبب إصابات الحبل الشوكي·· وتستخدم في أجهزة الكمبيوتر هذه برامج متطورة تقوم بتقليص العضلات وتنسق حركتها بحيث يستطيع المريض الوقوف والجلوس والمشي واستخدام يديه للقيام بحركات عديدة· ولكن هذه الأجهزة ما تزال أيضاً في مرحلة التجربة، وهي بالرغم من ارتفاع كلفتها، إلا أنها تبدو الأمل الأكثر إشراقاً في مستقبل ضحايا الإصابات العصبية· إضافة الى تلك الأجهزة هناك الكراسي المتحركة المزودة بأنظمة تحكم يتم تشغيل بعضها صوتياً أو بواسطة حركة العين·