د. عائض القرني
بيوت الله في الأرض هي المساجد، ودعاة الضيافة في بيوته همالمؤذنون، وقد أوجب الله على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة، فمن تخلّف عنها بلاعذر شرعي استحق المقت، ودلّ ذلك على مرض القلب وإعراض النفس والبُعد عن الخير. ومساجدنا تشكو بلسان الحال إعراض الرّجال، الذين ألهاهم المال والعيال، بينما وصفالله الرّجال، بقوله: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِاللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ)، فأين شبابنا الذين يملؤون المدرّجات والمقاهيوالاستراحات؟ أين هم عن صلاة الفجر التي قاطعها الكثير من الجيل في المسجد جماعةوما صار يرتادها إلا كبار السن؟ ماذا يدل عليه فراغ الصفوف من المصلين في المساجدوالأحياء مكتظة بالسكان؟ أليس هذا دليلاً على ضَعْف الإيمان ونقص الخشية وضحالةالتربية والوهن في حَمْل الرسالة وتضييع الأمانة؟ كيف يصلح مجتمع فيما بينه وهو لميتصالح مع الله بأداء حقه سبحانه، ومن أعظم حقوقه الصلاة المفروضة جماعة في بيت منبيوته؟ إن المسلم يشعر بالإحباط حينما يجد المسجد الكبير الواسع لا يحضره في صلاةالفجر إلا صف أو صفان؛ فأين ألوف المسلمين في الحي؟ ماذا أقعدهم عن الصلاة؟ ماذاألهاهم عن ذكر الله؟ ماذا أشغلهم عن الحضور إلى بيته وإجابة دعوته وقبول كرامته؟ماذا دهى الناس؟ حضور كثيف في مناسبات اللهو واللعب وولائم الأكل والشرب وحفلاتالأفراح، ولهثٌ على دخول الأسواق وارتياد الاستاد الرياضي والشواطئ والمنتـزهات، فيغفلة وتيه وضحك وشرود.. فإذا رُفع صوت الأذان وارتجّ الكون بنداء الحق ودوّتالمعمورة بصيحة "الله أكبر" رأيت الكسل والخمول والتّرهل والتّقاعس والتّأخر.. وهذاأعظم دليل على أن الرسالة ما وصلت، والدعوة ما قُبِلت، والرحمة ما حلّت، والبركة مانزلت، وإلا بالله عليكم هل هناك مسلم عاقل رشيد صحيح معافى يسمع الأذان في مسجدهالمجاور ثم يتأخر بلا عذر شرعي؟ فأي أرضٍ تقلّه؟ وأي سماء تظلّه؟ وأي عظام تحمله؟وأي روح تسكنه؟ وهو يعرض عن إجابة داعي الله ويصد عن بيت الله ويقاطع فريضة الله فيالمسجد جماعةً، ثم يدّعي بعدها الإيمان الصحيح والغِيرة على الدّين والتّشدّقبحَمْل رسالة الإسلام والتّظاهر بنصرة المنهج الرّباني دجلاً وهراءً وتدليساًوتلبيساً ومكابرة وتزويراً؟.. إن الإسلام ليس الثرثرة بالكلام والتّفوه بالدعاوىالعريضة والمحاضرات الجوفاء والخطب الرعناء الحمقاء والتّمظهر بأسماء ديانة باليةوتخاشع مصطنع متكلّف ممقوت، لقد حكم الصحابة على من تخلّف عن المسجد بلا عذربالنفاق مباشرة، قال ابن مسعود في صحيح مسلم: "ولقد رأيتنا وما يتخلّف عن الصلاةإلا منافق معلوم النفاق". أسفي على شباب الإسلام؛ أبدانٌ سمينة، وأجسام ثخينة،وهياكل متينة، لكنها للعب واللهو والتّنـزّه والفسحة وإزجاء الوقت وهدر العمر.. وفيالمقابل تأخّر عن الطاعة وصدود عن المسجد وهجر للقرآن وغفلة عن الذكر، ثم لا يستحيالواحد أن ينشد في الطابور:
نحن أحفاد الصحابة للمعالي والمهابة
فأي أحفاد؟وأي معالٍ؟ وأي مهابة؟ بعد مقاطعة "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، حينها يحق لشاعرالإسلام محمد إقبال أن يبكي على الجيل وهو يشاهد المساجد خاويةً من المصلين إذيقول:
وجلجلة الأذانِ بكل حيٍّ ولكن أين صوتٌ من بلالِ
منائركم علتفي كل ساحٍ ومسجدكم من العبّاد خالِ
استيقظوا يا شباب الأمة، أفيقوا رحمكمالله، عودوا إلى الصواب عفا الله عنكم، راجعوا إيمانكم، تعالوا إلى المسجد، إلى مهدالانطلاقة الكبرى، إلى مصدر النور، إلى روضة الرحمة وحضرة القداسة ورحال السكينةوجنة الله في أرضه، تعالوا إلى الصلوات الخمس كل يوم، كفى شروداً، كفى تخلّفاً، كفىإعراضاً، كفى وهناً في الديانة وإضاعةً للأمانة، نعوذ بالله أن نكون ممن قال فيهم: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً).
م /// ن