مضى شهر وأكثر على تعليق العمل العسكري الفلسطيني، أو ما يسمى بـ (الهدنة)، واتيح المجال لرئيس الوزراء لكي يتحرك سياسيا على الصعد العربية والدولية، وكذلك على صعيد اللقاءات مع حكومة الاحتلال، وكل ما حصل عليه رئيس الوزراء الفلسطيني وعود، وتصريحات وكلام.
وعلى الأرض لا زالت الاعتداءات الإسرائيلية قائمة ومستمرة في الضفة وغزة ولا تلغيها تلك البهرجة الإعلامية حول فتح حاجز هنا، وحاجز هناك، أو حول قرارات غير منفذة بالإفراج عن أسرى.
فالاستيطان مستمر وقائم، والكنيست يشرع الاحتلال باعتباره تحريرا للضفة والقطاع، وعمليات القتل قائمة، أما السياج العنصري، فقد أصبح مركز اهتمام شارون وحكومته، وأصبح نقطة التمسك التي لا يتنازل عنها حتى أمام بوش وغيره.
فقد أوضح بوش بشكل قاطع لرئيس الوزراء الفلسطيني تبني إدارته للمواقف الإسرائيلية في شتى الموضوعات سواء في قضايا الأسرى، أو في قضايا أخرى، كذلك أوضح لشارون موقفا واضحا بشأن السياج العنصري، إضافة إلى تأييده بذل مزيد من الضغط على السلطة الفلسطينية لأجل القضاء على المقاومة وربط ذلك بقيام الدولة الفلسطينية المؤقتة التي طرحها في خارطة الطريق.
فأين هو التفهم الأمريكي للمطالب الفلسطينية، وأين هو التقدم الذي تكلم عنه أكثر من مسؤول في السلطة؟
حتى أمريكا لا تبيعنا أوهاما بقدر ما تسعى لإخضاعنا كفلسطينيين، إنها لا تزين لنا طريق خارطة الطريق، بل إنها تمارس مزيدا من الضغط علينا لأجل القبول بتحفظات شارون عليها.
فكيف يمكن الحديث عن تقدم، ولا أسير قد أفرج عنه، ولا مستوطنة يتوقف فيها العمل، أو لا عملية مصادرة جديدة للأرض أو عملية توغل جديدة.
وكيف يمكن الارتهان إلى احتمالات تغير الموقف الأمريكي، وانتظار مثل هذا التغيير؟.
كيف يمكن والوقت الفلسطيني من دم، تعليق الآمال على مفاوضات على نتائج تحققت في أوسلو، ليبدأ ماراثون التفاوض على ما لم يحققه أوسلو، والعودة إلى دائرة التفاوض حول التفاوض دون نتيجة وذلك بناءا على تجربة مرة ومع حزب العمل قبل الليكود.
بعد كل هذا التنازل الفلسطيني الرسمي، وبعد كل هذه الاستجابات المتتابعة للشروط والإملاءات الإسرائيلية، ما الذي ظل حتى يقدمه الطرف الفلسطيني؟.
وبعد كل الشكاوي والتذمرات التي يطلقها رئيس الوزراء، ووصول كل شيء إلى طريق مسدود، ما العمل؟.
هل نصر على التمسك بهدنة غير معقوله، ونعلن هذا التمسك، أو هل من الفائدة استخدامها كورقة تهديد، في حين يمارس الصهاينة العدوان، والتسويف والمماطلة؟.
هل نذهب إلى مرحلة استجداء أخرى ونلف العواصم العربية تحمل الشكوى إلى أنظمة عاجزة وبعضها مستعد لإعادة سفيره إلى تل أبيب؟.
أم أن الموضوع بات مطروحا بشدة على قوانا الوطنية الفلسطينية والقوى الإسلامية لأجل توحيد السياسة وتوحيد أساليب العمل، وبناء مركز قرار سياسي وكفاحي، لا يطلق يد المفاوض في كل شيء وإنما يضع له سقوفا وخطوطا ليس عامة فقط وإنما في بعض التفاصيل، ويكون من حقها أن تقول هنا يقف التفاوض، وهنا يمكن أن يبدأ عمل آخر.
المطلوب قيادة وطنية ناتجة عن حوار وطني فعال وجدي، والمطلوب أيضا تعبئة الجمهور الفلسطيني حول سياسات واضحة وتكتيكات واضحة، كيما يمارس أيضا دوره.
المطلوب هو التوقف عن بيع الأوهام الأمريكية والعودة إلى الحقيقة.