أو يتعطر الصمت المطبق بآيات القرآن؟.
نعم، يمكن أن يتبدد السكون الموحش بانحناء
الأصلاب وسجود الجباه،
ويتبلل الجفاف اليابس
بدموع الأسحار، وخشوع القلوب، وتزكية الأنفس زكية، وذكر الألسن
تم تصغير هذه الصورة ... نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بمقاسها الحقيقي علما بأن مقاسات الصورة قبل التصغير هو 750 في 500
وسهر الأعين، وجباه ساجدة، وجنوب متجافية.
إنه مساء الصالحين وليل العابدين. إنها همة
المتهجدين ولذة المتضرعين. إنه أنس المنفردين
وحب المخلصين. إنها مجاهدة السالكين ومكابدة
المرابطين؛ الله أكبر، ما أروع هذا الليل وما أحبه
وما أمتعه وما أروعه.
أين هذا الليل من نوم طويل وركون ثقيل وغفلة
تامة؟
شتان بين النور والظلمة، وبين السمو والدنو، وبين الثرى والثريا. إنه قيام الليل أيها النائمون، اسمعوا النداء ممن عمروه بالطاعات، وملئوه بالصلوات.
فهذا "زمعة العابد" كان يقوم فيصلي ليلا طويلا
فإذا كان السَحَر نادى بأعلى صوته: " يا أيها
الركب المعرسون، أَكُل هذا الليل ترقدون؟ ألا
تقومون فترحلون"، فإذا طلع الفجر نادى: " عند
الصباح يحمد القوم السرى"
هذا أبو هريرة رضي الله عنه " كان هو وامرأته
وخادمه يقسمون الليل ثلاثا، يصلي هذا ثم يوقظ
هذا " [نزهة الفضلاء 1/199]. فالليل كله صلاة
ومناجاة، ودموع وخشوع، وذكر وشكر،
والشعار لا للفرش الوثيرة، والنوم اللذيذ.
إنهم الموصوفون بأبلغ قول وأعظم صورة في
قوله تعالى:
{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبهُمْ خَوْفا وَطَمَعا } [السجدة:16]،
يرسم القرآن لهم " صورة المضاجع
في الليل تدعو
الجنوب إلى الرقاد والراحة والتذاذ المنام
ولكن هذه الجنوب لا تستجيب؛
لأن لها شغلا عن المضاجع
اللينة والرقاد اللذيذ شغلا بربها،
شغلا بالوقوف في حضرته،
والتوجه إليه في خشية وفي طمع
يتنازعها الخوف والرجاء "