الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد: اطلعت على ما كتبه الإخوة والأخوات حول الحجاب وتغطية الوجه وما طرح وكتب من كلا القولين وكان لي هذا التعليق والنقل التالي أسرده لكم على نقاط سريعة مختصرة جداً :
أولاً / نعلم جميعاً أن الخلاف قائم فهناك قول وقول آخر ودليل ودليل آخر إلا أن الأقوال تختلف من حيث الراجح والمرجوح وقوة الاستدلال بالدليل فليس كل قول معمول به شرعاً وعرفا حتى وإن قال به إمام أو عالم .. قل في مثل هذا الحجاب للمراءة المسلمة هل هو تغطية الوجه كاملاً أو مجرد تغطية الرأس .. هذا ما يكون ويقرر خلال هذه الأسطر التالية .
ثانياً : ما هو الحجاب ؟ وما مفهومه ؟
الحجاب يقصد به الستر والستر يكون للمراءة بحجابها الكامل الذي دعى إليه الإسلام إذ به يتحقق سترها... ولو تأملنا الحجاب بلغة العرب لعلمنا أن يقصد به المنع ومنه قوله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) وسمي الحجاب حجاباً لأنه يمنع من المشاهدة من أنظار الرجال الغير محارم .. وقد ورد لفظ ( حجب ) بالقرآن الكريم في ثمانية مواطن في كتب ربنا تبارك وتعالى.
ثالثاً : ما شروط الحجاب الشرعي الذي أمر به الإسلام ؟!
1- أن يكون ساتراً لجميع البدن : والخلاف في ستر الوجه أو عدمه ! ومن أدلة استيعاب الحجاب لجميع بدن المرأة: قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب.
قال القرطبي رحمه الله: ( لما كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكر فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن ).
ومن السنة، ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين " (رواه البخاري في صحيحه).
قال أبو بكر بن العربي- رحمه الله-: "قوله في حديث ابن عمر "لا تنتقب المرأة" وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج. فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتعرض عن الرجال، ويعرضون عنها".
2- أن لا يكون الحجاب في نفسه زينة : قال تعالى : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا }(النور:31) قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33)
قال الذهبي رحمه الله: ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأزر الحريرية والأفنية القصار، مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها، وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت الله فاعله في الدنيا والآخر، ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء،قال عنهن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اطلعت على النار، فرأيت أكثر أهلها النساء)).
3- أن يكون واسعاً غير ضيق : فعن أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، ففال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مالك لم تلبس القبطية؟ " قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها".
4- أن يكون صفيقاً غير شفاف : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" [رواه مسلم]. قال ابن عبد البر رحمه الله: "أراد صلى الله عليه وسلم من النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة" .
5- أن لا يكون مبخراً ولا مطيباً : وقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم خروج المرأة متعطرة، فمن ذلك ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية" .
وعن زينب الثقفية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيباً)) [رواه مسلم والنسائي].
6- أن لا يشبه لبس الرجال : لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال " .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل " .
7- أن لا يشبه لبس الكافرات : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( من تشبه بقوم فهو منهم)). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها".
8- أن لا يكون لباس شهرة من لون أو لبس غريب ملفت للنظر: فقد روي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارا .
رابعاً : لنتأمل بعضاً من النصوص الوارد الدالة على أن الحجاب للمراءة تغطية الوجه منها :
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) وقال تعالى (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) وعن عائشة رضي الله عنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله (وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) شققن مروطهن فاختمرن بها . رواه البخاري في صحيحه .
وإلا ما فائدة لفظ : ( من وراء حجاب ) ؟!
خامساً : الحجاب في مجتمعاتنا للمراءة عند الكثيرات إلا من رحم أصبح لباس زينة وتباهي وهو حجاب جديد دخل فيه التبرج والسفور . وتأملوا جميعاً أنواع العباءات ( مفتوحة .. عباءة الراس .. قصيرة .. الخ ).
سادساً : يقصد بالتبرج :شرعاً هو: إظهار الزينة، وإبراز المرأة محاسنها. وقيل هو التبختر والتكسر في المشية . والتبرج كبيرة من كبائر الذنوب فعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" .رواه مسلم
ومن اطلع على الحملة التي شنها قاسم أمين وسعد زغلول وطه حسين وغيرهم من أحفاد اليهود على الحجاب والظروف التاريخية التي زامنت حملتهم، أدرك تمام الإدراك؟ أن تحريك فتنة التبرج والعري في العالم الإسلامي كان من أهم أهداف الاستعمار الغربي .
يجب أن نعلم جميعاً : أن المذاهب الأربعة وأهل الظاهر لم يختلفوا في وجوب ستر المرأة لوجهها عن الرجال:
وإنما كان اختلافهم من قبيل اختلاف التنوع وهو في العلة من أمر الشارع للنساء بستر وجوههن، فمن قائل لأن الوجه عورة ومن قائل بل للفتنة والشهوة ولكن ظهر اعتراض بعضهم على علة البعض الآخر أن (الوجه والكفين ليسا بعورة) أكثر من ظهور علتهم في المسألة فحسبه المتأخرون اليوم أنه خلاف بينهم في أصل الفريضة.
ولنتأمل : خصوصية أمهات المؤمنين في نزول آية الحجاب وأنه لم يرد عن أحد من المتقدمين أن ستر الوجه كان فرضاً عليهن وسنة على من سواهن.
معلومة جديدة : إن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة لم يعرفه العرب قبل الإسلام فقال جلّ شأنه: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ} [الأحزاب:33].
عجيب : إن من يقرأ كتب العهد القديم وكتب الأناجيل يعلم بغير عناء كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفًا بين العبرانيين من عهد إبراهيم عليه السلام، وظل معروفًا بينهم في أيام أنبيائهم جميعًا، إلى ما بعد ظهور المسيحية، وتكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد.
ففي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي، فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت.
وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة: أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى عند الظهيرة؟ ولماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟
وفي الإصحاح الثالث من سفر أشعيا: إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب.
وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين أيضًا أن تامار مضت وقعدت في بيت أبيها، ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت.
ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الأولى: "إن النقاب شرف للمرأة، وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد[18].
فالكتب الدينية التي يقرؤها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع والعصائب مالم يذكره القرآن الكريم.
وكان الرومان يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور بالزينة في الطرقات قبل الميلاد بمائتي سنة، ومنها قانون عرف باسم "قانون أوبيا" يحرم عليها المغالاة بالزينة حتى في البيوت[19].
* نقف مع آيتين أمر الله فيهما النساء بالحجاب :
الأولى : قال الله تعالى :} وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ{. والمتاع كل مل يُطلب، سواء تعلق بالدنيا أو الدِّين .
هذه هي آية الحجاب ، وسبب نزولها أنّ عُمَر t قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ .
ووجه الدلالة من الآية أنّ الله لم يأذن بسؤال النساء متاعاً إلا بحجاب ، فأوجبت الآية على النساء اتخاذ الحجاب.
وقال تعالى : :}يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا{ ، هذه الآية مشتملة على كثير من الفوائد المتعلقة بالحجاب تقول أم المؤمنين عائشة : يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لما أنزل الله :}وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ شَقَقْن مُرُوطهن فا ختمرن بهن . قال ابن حجر رحمه الله:" (فاختمرن بها) أي : غطَّين وجوههنَّ ".
نزع الحجاب في العالم الإسلامي كان بداية: في مصر: كان أول كُتُبِ قاسمِ أمين: "المصريون" دفاعاً حماسياً عن فضائل الإسلام على المرأة المصرية، ورفعاً من شأن الحجاب، ثم لما تمت إعادة برمجته على أيدي رواد صالون نازلي، أصدر كـتـابـيــه: "تحرير المرأة"، "المرأة الجديدة"، وجعل من نفسه الداعي الأول لفتنة التبرج بين المسلمين.. ثم سار أتباعه لنزع الحجاب وتشويهه.
أخيراً .. من قال أن الحجاب كشف الوجه او تغطيته كلام ليس بالجديد إذ هو مبحوث ومكتوب وإن قال به علماء فضلاء كالالباني رحمه الله تعالى إلا أنني أقول ما بدات ب هان كل يؤخذ من قوله ويرد ولكل دليله واستشهاده ولا ينبغي أن من يستدل بقوله يجهل قوله ويستدل ما يحلو له من الدلالة دون النظر التام لقوله وما يقصد به .. فالكثير يقول قال فلان ولا يعلم ما معنى كلامه وبيانه.. أنصح الجميع بقراءة كتاب : هل يكذب التاريخ ( لعبدالله الداوود ) حتى نعلم أن الحجاب قبل مئات السنين حتى عند الغرب كان بتغطية الوجه تماماً ثم بدأ بتلاشي حتى وصل به الحال كما نرى مصحوباً بالصور والتقارير.
والله أعلم.