لنبعد أطفالنا عن الغرور والتباهي
تقول إحدى الأمهات: قضيت وزوجي فترات طويلة نعبر فيها لطفلتنا عن جمالها وذكائها وخفة دمها وتفوقها، إذ كنا نشعر أن واجبنا هو بناء ثقتها بنفسها. ولكن عندما عادت من المدرسة في أحد الأيام وهي تقول:" أمي! أنا أجمل فتاة في الصف كله!"، أدركت أن مديحنا المستمر لها جعلها طفلة مغرورة مولعة بحب ذاتها.
إن أغلب الكتب المتوفرة عن تربية الأطفال تعلم الآباء زرع الثقة في نفوس الأبناء وتقوية شخصياتهم، ولكن يندر وجود كتاب حول الطريق إلى تعليم الصغير كيف يكون متواضعاً. وقد يتساءل أحدنا عن الخطأ في جعل الطفل معتداً بنفسه، إن المشكلة هنا كامنة في إعطاء الصغير الكثير من مما هو بحاجة حقيقية إليه، ورغم أنه من المهم جداً رفع معنويات الطفل وتعزيز شعوره بذاته. إلا أن من الأفضل له أن نبقيه على أرض الواقع، وأن نزوده بما يؤهله لاكتساب محبة الآخرين واحترامهم له. فإن كنت تواظبين على جعل طفلك يشعر أنه عظيم، فسيتولد عنده شعور غير صحيح نحو قدراته، وإحساس بالأنانية ربما يجعله بعيداً عن فهم مشاعر الآخرين، وبالتالي لن يكون فرداً محبوباً أو مقبولاً في مجتمعه.
ومع ذلك لا تزال الفرصة متاحة لتصحيح الأخطاء، ولكي تتحكمي بمشاعر التفاخر والتباهي عند طفلك، علميه تقدير الأشياء التي يستطيع الآخرون فعلها، وأن يتقبل مواطن ضعفه هو في هذه الأشياء. وما من شك في أن غرس مشاعر التواضع منذ الصغر سيساعد طفلك على تكوين الصداقات بسهولة، وعلى تعلم قيمة العمل المشترك. وحينما تقللين – أنت وزوجك- من كيل المديح للصغير، فإنك تساعدينه بذلك على المدى البعيد. إن الأطفال الذين يمثلون حكاماً دقيقين على مواهبهم، سيصبحون بسلاح التواضع اقدر على قهر الصعاب التي لابد من أن يواجهوها في المدرسة، ومن ثم في معترك الحياة.
" انظروا إليّ "
حينما يحمل طفلك ذو السنتين من العمر صندوق ألعابه ويقول:" أمي، انظري كم أنا قوي!"، أو حينما تقوم طفلتك ذات الثلاث سنوات بالدوران حول نفسها والغناء:" أنا أجمل أميرة "، فهما لا يتبجحان في الواقع. فالأطفال في هذا العمر لا يزالون في مرحلة تكوين شعورهم عن ذواتهم، ويبذلون الجهد لاكتساب مهارات التكلم والتحدث مع الآخرين، ولهذا فالتشجيع والمديح أمران مهمان في هذه المرحلة التي يحتاج فيها الأطفال إلى الشعور بالأمان، ومع أنهم هنا قد يصادفون آخرين أفضل منهم في بعض الأمور، تبقى لديهم مشاعر جيدة حول أنفسهم، وفي الواقع إن مساعدة الصغير على تقدير نفسه بالشكل الواقعي يؤهبه لأن يكون أقل تباهياً حينما يكبر. ولذا كوني حريصة على مدح أفعال الطفل الصغير( أو الطفلة الصغيرة) بطريقة صحيحة. ركزي على الجهد الذي يبذله بدلاً من التركيز على النتائج، وابتعدي عن التعميمات في مديحك، واسلكي طريق الدقة في تعليقاتك، كأن تقولي: " جميل أنك لم تستسلم حينما سقطت مكعبات البناء الذي ركبته، وأعدت تشييده مرة ثانية ". وبهذا الأسلوب يستطيع الطفل فهم العمل الذي قام به جيداً واستحق عليه الثناء. إن هذا الوقت هو أيضاً الوقت الملائم لتعليم طفلك أن اللطف مع الآخرين سلوك مهم ومطلوب. لاتقتصري على مدح ما يؤديه من عمل، بل اشرحي له أنه حينما يضع صحنه في الحوض في المطبخ فهو يقدم لك مساعدة في التنظيف، وحينما يقول "شكراً" لجدته، فهو يجعلها سعيدة.
درس في التواضع
إن من واجب الأم التي تحرص على غرس فضيلة التواضع عند طفلها أن تجعله يشعر بما يقوم به الناس في الحياة اليومية من أعمال حسنة، فإذا كان الصغير معهاوهي تشتري حوائج البيت، فعليها أن تشكر الموظف الذي وضع لها مشترياتها في الأكياس، وأن تقول لطفلها على سبيل المثال:" إن هذا المساعد إنسان يستحق الشكر، لقد وضع حاجياتنا بتأن واعتناء وعلى نحو لا يتكسر فيه البيض".
مرحلة ما قبل المدرسة
يبدأ الأطفال مع بلوغهم الرابعة أو الخامسة من العمر، بالتواصل مع أقرانهم بشكل نظامي، فيلاحظون أن بعض الأطفال يركبون سيارات فخمة، وبعضهم يعيش في بيوت كبيرة، وآخرين يملكون ألعاباً كثيرة وهنا يبدأ تركيز الصغار على الممتلكات المادية، كما يبدأ التنافس والتباهي بينهم، فهذا يفتخر بحذائه الذي يلمع في الظلام، والآخر بقميصه الذي رسمت عليه صورة "الرجل العنكبوت" وما إلى ذلك من أمور أضحت واضحة في المجتمع وفي أغلب شرائحه. وهنا ينبغي على الأم أن تبعد هذا الشعور المتنامي عند ابنها(أو ابنتها) حيال التنافس في مجالات مادية فحسب. ولكي تحقق الغاية المرجوة عليها أن تعلم طفلها في سن ما قبل المدرسة أن يحصي النعم التي يملكها، وتتمثل إحدى الطرق إلى ذلك في جعل أعمال الخير ومساعدة الآخرين جزءاً نظامياً من الحياة. وبوسع الأم هنا أن تأخذ طفلها معها إلى دار رعاية المسنين أو إلى زيارة طفل مريض كي يقدم هدية أو بطاقة بمناسبة أحد الأعياد، وليرسم بسمة على وجوه الآخرين، وعليها أن تشجع أطفالها على تقديم الشكر ولو على وجبة لذيذة طبختها لهم، كي يركزوا في النهاية على قيمة العمل مهما يكن بسيطاً، لا على قيمة الأشياء المادية وحسب، وإذا تمكنت الأم من أن تنجح في ذلك، فسيشعر الأطفال بأنهم محظوظون وإن لم يمتلكوا ألعاباً أو سيارات غالية كغيرهم، وعلى الأم أن تذكر الصغير ذا الخمس سنوات-بين حين وآخر-بأن يساعدها في ملء كيس بملابس لم يعد حجمها يناسبه، وبألعاب تصلح لمن هو أصغر منه سناً، وأن يقدمها لدار ترعى الأطفال المحرومين.. هذه الأعمال تعلم الصغار دروساً عديدة، أولها وجود أطفال كثيرين لايملكون بقدر ما نملك.
درس في التواضع
راقبي نفسك حينما تتحدثين عما تملكين أمام طفلك فإن سمعك تتفاخرين بالتلفاز ذي الشاشة المسطحة الذي اشتريته مؤخراً، فسيتعلم أن مثل هذا السلوك مقبول، وبذا يصبح أشد تعلقاً بالأمور المادية في حياته.
في المدرسة الابتدائية
كثيراً ما يأتي الصغير إلى بيته في هذه المرحلة ليتباهى قائلاً:" أنا أفضل لاعب كرة قدم" ذلك أنه ما أن يدخل الأطفال المدرسة الابتدائية حتى يزداد ميلهم إلى مقارنة منجزاتهم بمنجزات أقرانهم، إلى أن يقعوا في عادة التفاخر..إن أفضل سلاح تستعمله الأم لضبط هذا الاندفاع لدى ابنها هو تنبيهه إلى الإحساس بمشاعر الآخرين وضرورة مراعاتها، طالما أن الأطفال في هذه السن يمكنهم-بل ويجب عليهم – أن يفكروا بمشاعر الآخرين قبل أن يقولوا شيئاً فيه تبجح، أو شيئاً ينم عن تبلد الشعور تجاه غيرهم. وحينما تسمع الأم طفلتها تتباهى أمام صديقاتها بثيابها أو بألعابها، فعليها أن تأخذها وتقول لها:"حينما تسمعك رفيقاتك تتحدثين دوماً عن نفسك، فهذا يعطيهن فكرة غير مستحبة عنك، ويحسبن أنك تظنين نفسك أفضل منهن، وهذا قد يجعلهن يفضلن الابتعاد عن مصاحبتك واللعب معك". وإذا سمعت الأم طفلها يقول:"لا يستطيع عمر أن يقرأ إلا قصص الأطفال الصغار؛ في حين أستطيع أنا أن أقرأ قصص الأطفال الكبار" فعليها أن تقول له:" صحيح أن عمر لا يزال يتعلم القراءة، غير أنه ممتاز في الحساب". وعلى الأم والأب جعل الطفل ينخرط في نشاطات إضافية لا تركز جميعها على موضوع الربح والخسارة، فهناك من الرياضات التي يمكن أن يمارسها الصغار وتؤكد على ضبط النفس واحترام الناس، ومنها ما يعزز العمل الجماعي والتعاون مع الآخرين، واللطف والتواضع معهم. إن لعب الأطفال معاً وبناءهم قلعة مشتركة من المكعبات، أو تهيئتهم صحيفة مشتركة تلصق عليها رسومهم، سيساعدهم جميعاً على تقدير منجزات بعضهم البعض.
درس في التواضع
خذي ابنك المتفوق في الرياضة إلى مباراة بين طلاب المدرسة الثانوية، وخذي ابنتك التي تحب العزف على البيانو إلى حفلة تشاهد فيها أطفالاً أكبر منها يعزفون، إن هذا يجعلهما يدركان أنهما مهما يكونان جيدين الآن فهناك الكثير من الجهد الذي يجب أن يبذلاه كي يصبحا أفضل.