وأنتم ترزحون تحت وطأة غلاء الأسعار تذكروا قول الله : " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين " ، فمن صبر فقد أراح نفسه من هذا الهم ، وقد ظفر بالأجر من رب رحيم
تذكروا المصيبة الأكبر لدى مساكينكم الذين اصطلوا بنار هذا الغلاء الفاحش ، مما زاد فقرهم فقرا
فقير في المجاعة لا يـنام ** ومسكين بـبـؤس مـسـتـهـام
ومـبـخـوس المعيـشة فـهـو صـبٌّ ** عـلى علاتــه أبداً يلام
ويفترش الثرى والناس نـامـوا**على ريـش الأسرة قد أقاموا
إن أول سبيل لرفع هذا البلاء عنكم ، هو النظر إلى حال هؤلاء الفقراء ، وسد عوزهم وفك كربتهم التي استحكمت عليهم
رحم الله التاجر المسلم ابن عفّان رضي الله عنه حينما أصاب الناس قحط في زمن أبي بكر رضي الله عنه حتى كاد أن يهلكهم، أتت قافلة له من الشام فعرض عليه التجار خمسة أمثال ثمنها ربحا ، فقال : " إن الله أعطاني بكل درهم عشرة ، ثم أخذ يوزع بضاعته فما بقي من فقراء المدينة أحد إلا أخذ ما يكفيه وأهله ومن يعولهم "
ليتك كنت فينا ياخليفة رسول الله لتعلّم أغنياء المسلمين العطف على فقرائهم في الأزمات !
ثم إذا أطبق عليكم القلق مما يجري من خلفكم وعن أيمانكم وعن شمائلكم ، في خضم أحداث سياسية تنذر بكوارث لا يعلم مداها إلا الله ، فلتستحضروا أن الأمر كله منه وإليه ، وأن الله يبتلي عباده ببعض ما اكتسبته أيديهم لينتبهوا ويراجعوا أنفسهم
فـلتنظروا ماكسبت أيديكم ؟
أمراض طالت حتى الحيوانات والزروع ، وجدب نستسقي أكثر من مرة هربا منه فلا نسقى
لماذا منعتم القطر من السماء ؟
ماذا كسبت أيديكم ؟
يقول صلى الله عليه وسلم: " يا معشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " رواه البيهقي والحاكم وصححه الألباني
عليكم بالاستغفار أيها الأخوة وألحـُّوا على الله بالدعاء ، إسألوه غيثا يروي به البلاد و قلوب العباد
روي أن عمر بن الخطاب خرج يستسقي , فما زاد على الاستغفار , ثم رجع فقالوا : يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت , فقال : لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر , ثم قرأ : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا } وقرأ الآية التي في سورة هود حتى بلغ : { ويزدكم قوة إلى قوتكم }
و أحمد " رحمه الله " كان يريد المبيت بمسجد فمنعه الحارس ، فقال لأبيتن موضع قدمي ، فلما نام في مكانه جرّه حارس المسجد بحماقة " وهو الإمام الشيخ الوقور الذي تبدو عليه ملامح الكبر " أبعده عن المسجد ، فأبصره خباز قبالة المسجد ، نظر إلى الشيخ الوقور وهو يساء إليه فعرض عليه المبيت ، فذهب الإمام أحمد بن حنبل مع الخباز فأكرمه ونعّمه ، فلما ذهب الخباز لتحضير عجينة الخبز ، لاحظ أحمد أنه مكثر من الاستغفار وهو يعمل العجينة في جوف الليل ، ومثل أحمد يعرف أي أثر للاستغفار ، فسأله في الصباح هل وجدت لاستغفارك ثمره ؟
فقال الخباز : نعم ، والله ما دعوت دعوة إلا أُجيبت ، إلا دعوة واحدة
فقال الإمام أحمد : وما هي ؟
فقال الخباز : رؤية الإمام أحمد بن حنبل
فقال الإمام أحمد : أنا أحمد بن حنبل ، والله إني جُررت إليك جراً
استغفروا ربكم أيها الناس ، وأكثروا من ذلك في جوف الليل علّ الله أن يقبل من أحدكم دعوة صادقة تـَرفع من كرباتنا ، و تصيبنا بركتها بغيث ينفع الله به العباد والدواب والبلاد
( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً )
( وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )
( لولا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)
يا من تـُحل بذكره ** عقد النوائب والشدائد
يا من إليه المشتكى ** وإليه امر الخلق عائد
يا حي يا قيوم يا ** صمد تنزه عن مضادد
أنت المعز لمن أطاعك ** والمذل لكل جاحد
أنت الرقيب على العباد ** وأنت في الملكوت واحد
أنت المنزه يا بديع ** الخلق عن ولد و والد
أنت الميسّر والمسخر ** والمسـبب والمـساعد
سبب لنا فــرجاً قـريـبـا ** يا إلـهـي لا تـبـاعـد
إني دعوتك و الـهمـوم ** جيوشها قلبي تطارد
فا افرج بعزك كربتي ** يا من له حسن العوايد
و خفي لطفك يستعان ** به على الزمن المعاند
كـن راحمي فلقد يئست ** من الأقارب والأباعد
ثم الصلاة على النبي ** وآله ما خر ســاجـد