تنشئة الطفل / مشكلات المراهق.. كيف نواجهها
الرجوع إلى: تنشئة الطفل
لاحظنا أن المراهق تعترضه في أثناء عملية النمو مشكلات لا قبل له بحلها دون مساعدة، على أننا تركنا الحديث عن الطريقة التي يمكن أن تقدم بها هذه المساعدة، وكذلك عن الجهة التي يمكن أن تقدم هذه المساعدة . إلا أننا لا نريد أن ننهي الحديث عن المراهق دون أن نعرض لهذه الأمور .
وفيما يلي محاولة لإيضاح الطريق أمام جميع القائمين على أمور التربية لتقديم مثل هذه المساعدة، سواء كان هؤلاء هم الوالدان أو المعلمون أو الإخصائيون الاجتماعيون أو العاملون في المؤسسات الاجتماعية أو الإعلامية أو غيرها ممن يهمهم أمر المراهق وسواء كان ذلك العون يقدم على المستوى الفردي أو على مستوى المؤسسات الاجتماعية والتربوية المختلفة أو على مستوى الدولة ككل .
اولا: في المجالات الاجتماعية والانفعالية
تأكد لنا من خلال استعراض النمو في النواحي الاجتماعية والانفعالية أننا نحن الكبار نلعب دورا رئيسيا في تشكيل خصائص هذا النمو فمعاييرنا واتجاهاتنا وعاداتنا ومعتقداتنا تحدد إلى درجة كبيرة نمط السلوك الذي قد يتخذه المراهق عندما يمر بهذه الفترة العصبية . كما أن المشكلات التي قد يقع فيها المراهق يمكن إرجاعها أيضا إلى العلاقة بينه وبيننا نحن الكبار المحيطين . وعلى ذلك فإذا أردنا أن نساعد هؤلاء على حل مشكلاتهم يجب علينا دائما أن نقوم بفحص الجانب الذي يخصنا من هذه العلاقة وسنناقش فيما يلي الاتجاهات والمعلومات التي ينبغي أن يعرفها الآباء والمعلمون وغيرهم ليتسنى لهم مساعدة المراهق على حل هذه المشكلات .
الصداقة الحقيقية أهم شيء
إن الشعور الصادق والعطف الحار نحو الأطفال عموما والمراهق بشكل خاص، هو أول ما ينبغي عمله لمساعدتهم والعاطفة الصادقة لا يمكن اصطناعها فالشاب سرعان ما يكتشف ما إذا كان اهتمامنا به وبمشكلاته هو ما نرمي إليه حقا أم لا فإذا طالبناه أن يحبنا ويثق فينا، ولم يصحب ذلك علاقة حارة صادقة معه من ناحيتنا، كانت مثل تلك المطالبة عديمة الجدوى .
[mshosh4]هل نحن على حق دائما [/mshosh4]
إن بعضنا ـ لسوء الحظ ـ يشعر أنه يجب أن يفرض سلطته، وأن يحتفظ بهيبته مع الأحداث بل مع الأطفال أيضا ولا يشعر بذلك في الواقع إلا كل راشدة غير مطمئن إلى نفسه ذلك أن الشخص الراشد حقا يستطيع أن ينزل إلى مستوى الطفل دون أن يفقد هيبته أو سلطته ودون أن يصير محتقرا أو مبتذلا .
إن كثيرا من الكبار يشعرون أن النظم والقواعد التي يفرضونها على صغارهم، والمطالب التي يطالبونهم بها هي عين الصواب فإذا ما ثار شاب ضدها وصفوه بأنه شخص مشكل ولكن من المحتمل أن يكون الكبار أيضا مخطئين وغالبا ما يكونون كذلك وإذن ففي علاقاتنا بالصغار ينبغي أن نبذل جهدا مخلصا لأن نكون مستعدين لسماع وجهات النظر الأخرى وأن نكون على درجة معقولة من المرونة في تطبيق المعايير التي نضعها .
هل نحن متساهلون ؟
كثيرا ما يعامل الآباء والمدرسون الشاب كأنه طفل فيطالبونه بتفاصيل ما يقضي فيه كل وقته ولا يتركون له شيئا يختص به وحده يل يشرفون عليه أشرافا دقيقا، بل أحيانا ما تكون الحرية المعطاة للشبان أقل من تلك المعطاة للأطفال .
ونحن في محاولتنا أن يظل أطفالنا صغارا قد نعطل نموهم الانفعالي فكثير من الرجال والنساء مثلا يجدون صعوبة كبيرة في توافقهم مع مسؤوليات الزواج والوالدية، لأنهم فقدوا فرصة الاستقلال والنمو في عهد شبابهم . بل حتى إذا أمكننا أن نتحكم في أطفالنا بأن نجعلهم دائمي الاعتماد علينا فإن ذلك لن يدوم طويلا ذلك أن الأطفال الذين لم تتح لهم فرصة النضوج والاعتماد على النفس غالبا ما يكونون متمردين وغير طبيعيين .
ولكن ماذا عما نسمعه كثرا من ميل الشبان للخروج على القوانين وعدم الشعور بالمسئولية ؟ ألا يثير هذا مخاوفنا ويجعلنا نشدد الرقابة على كل صغيرة وكبيرة تصدر من الشباب ؟ العكس صحيح فأولا : لا يجب أن تزعجنا مثل هذه الحالات المتطرفة التي نقرأ عنها في الجرائد، لأنها لا تمثل إلا أقلية صغيرة جدا بالنسبة للمجموعة كلها، وثانيا : فإن هؤلاء الشبان لم يكونوا على هذا النحو من الانحراف لمجرد أنهم شبان، بل لأنهم مضطربون انفعاليا فالشبان الصحيحون من الناحية الانفعالية لا يأتون هذه الحوادث . وإذا كان الشاب قد وجد أساسا صحيحا من العلاقات السعيدة في المنزل، وتعلم كيف يتعامل مع غيره في المدرسة وفي الملعب فإنه يمر في مرحلة شبابه بسلام، وعلى ذلك فإحساسنا وثقتنا بقدرة شبابنا على التفكير والتصرف الصحيحين، وتشجيعنا على تحمل المسئولية أمر لازم في مرحلة المراهقة . ويجدر بنا أن نبتعد كلما أمكننا ذلك عن القيود الموانع التي نفرضها عليهم بشكل زائد ولا يعتبر هذا تساهلا أكثر من اللازم وإنما هو الطريق الوحيد لخلق جو صحي لنموهم الاجتماعي والانفعالي . وحتى إذا خالف المراهق أوامرنا في بعض الأحيان فلا يجب أن ننزعج أو نثور أو تعتبر ذلك ذريعة لطرده من المنزل أو ما إلى ذلك من الإجراءات القاسية على العكس يجب أن نتحرى بدقة وتفهم الدوافع التي أدت به إلى ذلك .
هل نتوقع استقرارا زائدا ؟
مرحلة المراهقة مرحلة عدم استقرار نسبيا كما قلنا والمراهق يتقلب فيها في عدد من الحالات الانفعالية . وقد يكون من المحير للكبار تقلب اتجاهات المراهقين نحوهم، فبينما يطلب المراهق المعونة والنصح يوما من أبيه أو مدرسه ويعبر عن شكره الزائد لذلك وينفذ النصيحة في حينها نراه في اليوم التالي يتضايق إذا اقترحت عليه أقل اقتراح وقد يعلن لك أنه أصبح في سن يستطيع فيه أن يعرف الصواب أكثر من أي شخص آخر .
ويجب على الآباء والمدرسين أن يتقبلوا ويتفهموا هذا التقلب بين المتناقضات والانحراف السريع من الاعتماد الكلي إلى الاستقلال الكلي، وذلك إذا كانوا يرغبون حقيقة في مساعدة أبنائهم فما هذه التغيرات إلا محاولة لإيجاد حل لمشاكلهم الانفعالية وإن التأرجح بين الاعتماد الكلي الذي يتصف به الأطفال إلى الثورة والتمرد سببه عاملان متضاربان : فهو أولا يود أن ينمو وأن يقف على رجليه وهو ثانيا يود أيضا أن يستمر معتمدا على غيره حتى يتهرب من المسئولية والمضايقات، وهو في أي طريق من هذين الطريقين لا يشعر بالرضا التام لأنه في مرحلة انتقالية يلزمه فيها بعض الوقت حتى يتخلص من القديم ويحل محله الجديد . عندئذ وعندئذ فقط، يبدأ في الاستقرار ولا يجوز أن نتوقع الاستقرار قبل ذلك .
هل نحن مستعدون لقبول بعض التمرد ؟
إذا تغلبت رغبة المراهق في النمو على الاعتماد والاتكال توقعنا أن يطالب بحقوق الكبار وأن يعارض كل ما يظنه حرمانا له من أن يحظى بتلك الحقوق وأن يبرهن لأبيه ومدرسيه ـ ونفسه ـ أنه لم يعد ذلك الطفل الصغير وعلى ذلك يعتبر التمرد علامة جيدة على حسن التوافق . علامة على أن المراهق قد عزم على تحمل مسئولية النضج . فإذا عرف الآباء والمدرسون ذلك كان من السهل عليهم أن يتقبلوا المرحلة التي يقول فيها الشاب لهم إنهم من طراز عتيق متزمت فهذه مرحلة يمر فيها كل الشباب الأصحاء عندما يصبح هؤلاء أكثر ثقة بدور الكبار الذي اكتسبوه، ويغالبون رغبتهم في البقاء أطفالا فإنهم سيعدلون فكرتهم السلبية عن الكبار وطريقة سلوكهم نحوهم .
تفهم المشكلة
إن الحد الفاصل بين السلوك الطبيعي للمراهق والمشاكل الانفعالية والاجتماعية الحادة هو خط رفيع، فالظهور المؤقت لأي من الأعراض التي تكلمنا عنها، في المشكلات الانفعالية أو الاجتماعية ليس دليلا قاطعا على وجود مشكلة فمتى يمكننا إذن أن نعد العرض مهما ؟
إليك بعض القواعد التي ترشدك إلى ذلك :
(1) إذا أصبح أحد الأعراض جزءا في سلوك المراهق، أو تعددت الأعراض .
وبعبارة أخرى إذا تكرر العرض الواحد بحيث أصبح ملازما للمراهق باستمرار، كأن يتكرر منه التأخر الدراسي بعد أن كان متقدما في دراسته فمهما كانت الأعذار السطحية التي يسوقها سببا لذلك لا يجب عندئذ أن نستهين بهذه الظاهرة لابد أن نبدي اهتمامنا بها كحالة تستحق الاهتمام .
كذلك إذا تعددت الأعراض فلم يصبح ففقط متأخرا في دراسته بل يشكو أيضا من الصداع أو بتأخر في الصباح أو يغيب عن المدرسة . . . إلى أخره .
(2) إذا تدخلت الأعراض في مقدرته على العمل والإنتاج فحدت من طاقته وسببت له سلوكا غير اجتماعي أو جعلته منزويا جدا، أو أوجدت لديه نزعة عدوانية زائدة، عندئذ لابد أن نكون متأكدين من أن المراهق قد أصبح في حاجة إلى المساعدة .
(3) إذا كان العرض يتفاقم أي يتضاعف باستمرار، إليك مثل لذلك " م " صبية عمرها خمسة عشر عاما، كانت دائما شابة محبة للجد والعمل ولم تهتم كثيرا بأوجه النشاط الاجتماعي أو الرياضي وقد أصبحت تمرض مرات عديدة كلما ذهبت إلى المدرسة، وسرعان ما بدأت تشكو من أنها لا تحب المدرسة، وأصبحت تلتمس الأعذار للبقاء في المنزل يوما أو يومين كل أسبوع وأصبح نومها متقطعا وكثيرا ما كانت تراها أمها جالسة تبكي على انفراد وأخيرا امتنعت نهائيا عن الذهاب إلى المدرسة وصارت تجلس في المنزل دون ما عمل تؤديه .
هذا مثال يوضح كيف اتسعت الأعراض تدريجيا حتى وصلت إلى درجة تحتاج إلى استشارة أخصائي .