يعظ تعالى عباده بذكر حال المحتضر عند السياق ،
وأنه إذا بلغت روحه التراقي، وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر،
فحينئذ يشتد الكرب، ويطلب كل وسيلة وسبب،
يظن أن يحصل به الشفاء والراحة،
ولهذا قال: { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ }
أي: من يرقيه من الرقية لأنهم انقطعت
آمالهم من الأسباب العادية، فلم يبق إلا الأسباب الإلهية .
ولكن القضاء والقدر، إذا حتم وجاء فلا مرد له، { وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ } للدنيا. { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ }
أي: اجتمعت الشدائد والتفت، وعظم الأمر وصعب الكرب،
وأريد أن تخرج الروح التي ألفت البدن ولم تزل معه،
فتساق إلى الله تعالى، حتى يجازيها بأعمالها، ويقررها بفعالها.
فهذا الزجر، [الذي ذكره الله] يسوق القلوب إلى ما فيه نجاتها،
ويزجرها عما فيه هلاكها.
ولكن المعاند الذي لا تنفع فيه الآيات، لا يزال مستمرا على بغيه وكفره وعناده.
{ فَلَا صَدَّقَ }
أي: لا آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره
{ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ }
بالحق في مقابلة التصديق، { وَتَوَلَّى } عن الأمر والنهي، هذا وهو مطمئن
قلبه، غير خائف من ربه،
بل يذهب { إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى }
أي: ليس على باله شيء، توعده بقوله:
{ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى }
وهذه كلمات وعيد، كررها لتكرير وعيده، ثم ذكر الإنسان بخلقه الأول، فقال
: { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى }
أي: معطلا ، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب؟ هذا حسبان باطل وظن بالله بغير ما يليق بحكمته.
{ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ }
بعد المني { عَلَقَةً }
أي: دما، { فَخَلَقَ } الله منها الحيوان وسواه أي: أتقنه وأحكمه،
{ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ }
الذي خلق الإنسان [وطوره إلى] هذه الأطوار المختلفة
{ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى }