5- الأسلام و تحريم الربا
حاول النظام الإسلامي ان يبني الحياة الاقتصادية على اسس تحفظ للإنسان كرامته وتنسجم مع التعاليم الإسلامية والأخلاق والمثل الإنسانية. ولم يهمل الإسلام (الربا) ولو قليلاً فيقول الله تعالى: (يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين) سورة البقرة اية 278. وهذا يعني ان الإسلام منع الربا و وضع بدلاً عنه مبدأ المشاركة في الربح والخسارة بين رأس المال والعمل في المشروعات الاقتصادية المختلفة. وعن جابر قال رسول الله?: (أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) قال هم سواء. ويشمل منع الربا وتقاضي الفائدة على رأس المال وكل انواع القروض ايا كان نوعها استهلاكية ام انتاجية فقد حرم الإسلام الربا تحريماً اكيداً، كما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف أعلاه. ولكن الإسلام لا يكتفي بهذا التحريم بل يطالب الحاكم الشرعي لردع المرابين والطلب إليهم بالتوبة والإقلاع عن هذا العمل فان لم يمتنع المرابي عن ذلك يتخذ معه بعض الاجراءات التي حددها الفقهاء.
ة (بين إقليم وآخر) حيث يتعرض نقل البضاعة من إقليم إلى إقليم إلى خطر الطريق وخطر النقل بالبحر والتعرض للخسارة تبعا لذلك ثم التعرض لعطب البضائع ونقصها لبعد المسافة وطول مدة النقل.
اما التجارة الداخلية فيتم من خلالها نقل البضائع من مدينة إلى مدينة أو نقلها داخل المدن، وتكون درجة المخاطر فيها اقل لأن الامن اكثر والتعرض للتلف والخسارة اقل. لقد ورد في القرآن الكريم نص يبيح التجارة قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم) والتجارة كانت عمل النبي? وكان دورها نقل البضائع من اليمن إلى الشام ومن الشام إلى اليمن ومن اهم عناصر التجارة في نظر الإسلام (التراضي) والتراضي يقتضي ثلاثة شروط.
* أن يكون المشتري مختاراً في الشراء
* أن يكون البائع مختاراً في البيع
* أن يكون كلاهما (البائع والمشتري) مختاراً في تقدير الثمن الذي يشتري به ويبيع به ـ في الجملة ـ.
فإذا كان البائع والمشتري مضطراً إلى البيع والشراء بأي ثمن فان التجارة تفتقد اهم عناصرها وهو التراضي، وعندما لا يعتمد البيع أو الشراء على الرضا، بل يعتمد على الاضطرار يحدث الاحتكار.
والكسب عن طريق الاحتكار وحبس المواد لحين ارتفاع سعرها بالاضطرار اليها غير شرعي ولا يبيحه الإسلام وبذلك أباح الإسلام التجارة وحرم الاحتكار ونهى عنه كطريق كسب فيقول الرسول?: (من احتكر فهو خاطئ) والغاية من منع الاحتكار هو منع الضرر عن الناس – وحيث ان للناس حاجات مختلفة والاحتكار فيها يجعل الناس في ضيق ويلحق بهم الضرر لذلك نجد ان الاحتكار يمكن ان يشمل كل الاحوال.
ولا تترك الشريعة الإسلامية المحتكرين يستفيـــدون من احتكارهم، بل توجب على الحاكم الشرعي، ان يقدم على بيع الأشياء المحتكرة جبراً على محتكريها بثمن المثل. ولهذا كان للحاكم الشرعي ان يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة (أزمة) أو سلاح لا يحتاج إليه للجهاد أو غير ذلك فان من اضطر إلى طعام غيره اخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل ولو أمتنع من بيعه الا باكثر من سعره فأخذه منه بما طلب لم تجب عليه الا قيمة مثله. مما تقدم نعرف ان الإسلام يدعو إلى وجوب مراعاة العدالة في المبادلات التجارية ويحرم الحاق الضرر والاذى والظلم بالاخرين. حيث ورد في الحديث الشريف (لاضرر ولا ضرار في الإسلام)، كما نادى الامام علي ابن أبي طالب? بفكرة الثمن العادل الذي لا يلحق الضرر بالبائع أو المشتري إذ يقول
يجب ان يكون البيع باسعار لا تجحف بالفريقين في البائع والمبتاع) أي ان الثمن العادل للسلعة يجب ان يكون غير مجحف بأي من طرفي عقد البيع المتعارضين البائع والمشتري (العارض) والطالب، والمنتج و(المستهلك) فالثمن العادل في الإسلام هو الثمن الذي لا يظلم ايا من المتعاملين. ولا يظلم المنتج أو البائع ولا يظلم المستهلك أو المشتري...
توزيع الدخل على الضعفاء
يتجسد الظلم الاقتصادي للانسان في سوء التوزيع و في كفران النعمة باهمال الاستثمارات الطبيعية ، و حين ارتفاع الظلم من العلاقات الاجتماعية للتوزيع ، و تجنيد الطاقات للاستفادة من استثمار الطبيعة ، حينها تزول المشكلة الحقيقية على الصعيد الاقتصادي . لقد عمل الإسلام على كفالة الحد الادنى واللائق في مستوى المعيشة لسائر افراد المجتمع الضعفاء من خلال تحقيق عدالة توزيع الدخل والثروة بينهم ووفقاً للقواعد يتم تحديد مستوى المعيشة اللائق بحسب الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية (المأكل و الملبس و المسكن و وسائل النقل و الاتصال و تكوين الاسرة و التعليم و الضمان الصحي لكل افراد المجتمع).
وقد جعل الإسلام لهذا التكافل الاجتماعي والعدالة التوزيعية موارد منها ما هو محدد المقادير كالخمس والزكاة والعشور والخراج والكفارات والفيء والغنائم والجزية وغيرها من مساهمات المسلمين، ومنها ما هو عام تتغير قيمته تبعاً لتطوع الافراد واحتياجات المجتمع: ومثاله الصدقات والانفاق في جميع المنافع المطلوبة للمجتمع، وما تفرضه احتياجات المجتمع من موارد اضافية تقوم الدولة باستثمارها وقروض تقترضها من المواطنين عند الضرورة بلا فوائد.
إن العمل في نظر الإسلام احد أسباب ملكية العامل نتيجة عمله وبذلك تكون الملكية القائمة على اساس العمل حقا للإنسان نابعاً من رغبته ومشاعره الاصيلة.
فالعمل اذاً اساس تملك العامل في نظر الاسلام، وعلى هذا الاساس فهو اداة رئيسة في جهاز التوزيع الإسلامي لان كل عامل يحظى بالثروات الطبيعية التي يحصل عليها بالعمل، ويمتلكها وفقاً لقاعدة: ان العمل سبب الملكية.
والاداة الاخرى التي تساهم في التوزيع وفقاً للنظام الإسلامي هي الحاجة خاصة بالنسبة لفئة من الأفراد في المجتمع والعاجزة عن العمل، حيث لابد لها من الحصول على نصيب من التوزيع لتلبية حاجتها، وفقا لمبادئ التكافل الاجتماعي في المجتمع الاسلامي، كما ان هناك فئة ثالثة في المجتمع تعمل ولكن عملها لا يحقق لها الا الحد الادنى من المعيشة، فهي تعتمد في دخلها على الاداتين معاً (العمل والحاجة) وفي هذه الصورة فان بيت المال مسؤول عن تسديد هذه النواقص المالية .
كما يمكن ان تكون الملكية اداة ثانوية في التوزيع عن طريق النشاطات الاقتصادية التي سمح بها النظام الإسلامي بما لا يتعارض مع العدالة الاجتماعية.
الوظيفة الأقتصادية للدولة في الأسلام
تمنح تعاليم الدين الإسلامي لكل فرد الحرية الكاملة في ان يتصرف بماله، ويمارس نشاطه الاقتصادي في التجارة والزارعة والصناعة لتنمية هذا المال وزيادته ولكنها تشترط لمنح هذه الحرية وحمايتها احترام احكام الشريعة الإسلامية. (فاذا ما حاول فرد ان ينمي ملكيتة بالطرق التي لا تحترم هذه الاحكام سقط حقه في حماية الدولة له وجاز للدولة شرعاً ان تتدخل في هذا المجال لتمنع التعدي، ولتعيد الحق إلى نصابه، وان تضرب على ايدي العابثين حماية لمصلحة المشروع).
وبذلك تكون وظيفة الدولة وفقاً للتشريع الإسلامي هي حفظ الامن والاستقرار في الداخل والدفاع عن الوطن ضد الاعداء من الخارج،
لقد استطاعت الدولة الإسلامية ان تقوم بالوظائف الاقتصادية عن طريق نظام الحسبة: وهي الامر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله.
واستطاع المجتمع المسلم من خلال نظام الحسبة (مراقبة الاسواق، والكشف عن الغشاشين والمحتكرين والمرابين، وغيرهم من الذين يتلاعبون بمصالح الناس، طمعا في الربح دون رادع من ضمير أو دين، فكانت الحسبة هي السلطة التي تقوم بدور المراقب وهي تمثل سلطة الدولة في الدفاع عن مصالح المجتمع).
ولابد من تعاون الافراد والحكومة الإسلامية لانجاح وظيفة الحماية وتحقيق الصالح العام. ومن أهم الوسائل التي تستخدمها الدولة للقيام بدورها، المشروعات العامة ومراقبة النشاط الاقتصادي وتنظيم عرض النقود واتباع سياسات مالية ونقدية مناسبة كما أن مسؤولية الدولة في الإسلام تحقيق الضمان الاجتماعي في المجتمع.
فالمجتمع لا يخلو من فقراء واغنياء، وقد حاول التشريع الإسلامي ان يسد حاجة الفقراء بجميع انواعهم، فشرع لذلك النظم الكفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة المرضية في المجتمع وهي الفقر. فالدولة الإسلامية مسؤولة مسؤولية كلية عن الفقراء والأرامل والعجزة وغيرهم ممن لا يقدرون على كفاية أنفسهم، ويحق لكل فقير ان يطالب الدولة بالانفاق عليه إذا لم يكن هناك من ينفق عليه ولا يجد عمل يكفيه
وهذه المسؤولية تجعل الدولة مسؤولة عن جميع افراد المجتمع لأن الإسلام لا يعترف بمشكلة الفقر كأمر واقع.
لذلك اوجد لها الحلول الكفيلة بالقضاء عليها، والتاريخ الإسلامي يؤكد ان الدولة الإسلامية كانت تنفق من بيت مال المسلمين على الفقراء والعجزة والأرامل وغيرهم.
مما تقدم نلاحظ ان العلاقة في المجتمع الإسلامي بين الفرد والدولة والحاكم تتم من خلال كون الفرد هو المالك لجميع الاموال وهو صاحب الحق فيها.
والدولة هي التي تسهر على سعادة هذا الفرد وأمنه واستقراره والحاكم هو الشخص الذي يقوم بحماية الفرد وخدمته، دون ان تكون له اية ميزة مادية أو معنوية عن بقية الناس. اننا عندما نتعرض لدراسة الفكر الاقتصادي الاسلامي، انما نتعرض له من وجهين اثنين.
الوجه الأول: اكتشاف مختلف الافكار الاقتصادية من خلال ما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف وآراء الفقهاء والفلاسفة المسلمين – سواء ما كان منها شرعياً او اخلاقياً أو علمياً، ولا نريد ان يقتصر البحث هنا على الافكار والنظريات العلمية، خصوصاً بعد ان اصبح لهذه الافكار والنظريات اليوم أهمية تاريخية اكثر منها علمية مع العلم اننا لا نريد الاستخفاف بها إذا نظرنا اليها من هذا المنظار التاريخي لأنها قد تؤدي وظيفتها عندما يحتاج اليها المؤرخ الاقتصادي مثلاً،غير ان الاهمية العلمية المطلقة لهذه الافكار قد اصبحت محدودة جداً. بسبب تطور الأبحاث الاقتصادية وقطعها مراحل حاسمة في طريق العلمنة.
الوجه الثاني: تحليل وتدقيق المفاهيم الاساسية التي يدور حولها الفكر الاقتصادي الإسلامي. فنحصل من هذا التحليل على عرض هذا الفكر وتحديده كما هو بالحقيقة، وليس كما يحلو لبعضهم ان يراه. لقد وردت بعض المفاهيم غامضة إلى درجة ما فنجدها احياناً مزيجاً من العواطف والاخلاق والتفكير العلمي.
وهل يمكن الاستفادة من هذه المفاهيم وتطبيقها على وضعيات اجتماعية معاصرة؟
تلخيـــــــــص
مما تقدم نستطيع تلخيص اهم الخصائص المميزة للاقتصاد الإسلامي وفقاً لما يلي:
ــ المال بمختلف انواعه ملك لله، والإنسان مستخلف على هذه النعم بتسخيرها له وخدمته.
ــ الإنسان يجب ان يتصرف بالمال وفق ارادة المالك الحقيقي (الله) ولابد من تنفيذ ما أمر به لتحقيق النظام.
ــ ان الله سبحانه وتعالى يطلب من عباده انفاق المال في منفعة تعود على خلقه واقتصادهم.
ــ يوفق الاقتصاد الإسلامي بين المادة والروح، من خلال ارتباط
الاقتصاد بالاخلاق والثقة والاطمئنان والتعاون في التعامل وفي التبادل.
ــ التوازن في رعاية المصلحة الاقتصادية للفرد والجماعة.
ــ الاعتدال والتوسط في الانفاق والنهي عن الاسراف والتبذير.