الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.. 0
من أهم دروس رحلة الإسراء والمعراج معرفة مكانة المسجد الأقصى في
كيان هذه الأمة ،فمنه ابتدأ المعراج،واليه انتهى الاسراء، فمن فرط في
المسجد الأقصى يوشك أن يفرط في البيت الحرام ، فلكل منهما له مكانته
وقدسيته في نفوس المسلمين ، ومن دروس الإسراء والمعراج معرفة
منزلة الصلاة ،فهي معراج المسلم إلى ربه سبحانه وتعالى . 0
الإسراء هي الرحلة الأرضية التي هيأها الله لرسوله (صلى الله عليه
وسلم) من مكة إلى القدس.. من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..
رحلة أرضية ليلية،
والمعراج رحلة من الأرض إلى السماء، من القدس إلى السموات العلا، إلى
مستوى لم يصل إليه بشر من قبل، إلى سدرة
المنتهى، إلى حيث يعلم الله عز وجل.. 0
هاتان الرحلتان كانتا محطة مهمة في حياته (صلى الله عليه وسلم) وفي
مسيرة دعوته في مكة،
الإسراء والمعراج، كانت هذه المعجزة تسرية وتسلية لرسول الله واحتفاء به
في ملكوت السموات بعدما لاقى من عنت القوم ووفاة زوجته وعمه ولجوءه
إلى الله مناجيًا لما يلقاه من أهل الأرض فيقول له ربه: ?وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ
مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)?
(النحل)، وهذه إشارة لرسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-
أنَّ ربَّه الذي كلَّفه بهذه الرسالة السامية بلا شك سينصره رغم هذه الشدائد
كان هذا تعويضاً وتكريماً للرسول (صلى الله عليه وسلم) منه عز وجل،
وتهيئة له للمرحلة القادمة، فإنه بعد سنوات
كانت الهجرة وكان الإسراء والمعراج إعداداً لما بعد الهجرة، ما بعد الهجرة
حياة جهاد ونضال مسلح، سيواجه (صلى الله عليه وسلم) العرب جميعاً،
سيرميه العرب عن قوس واحدة، ستقف الجبهات المتعددة ضد دعوته
العالمية.
وأهم ما ينبغي أن نركز عليه في ذكرى الإسراء والمعراج أمران ،
فلا بد أن ننظر لماذا كان هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى، لماذا لم يعرج برسول الله (صلى الله عليه وسلم) مباشرة من
المسجد الحرام إلى السموات العلا؟ هذا يدلنا على أن المرور ببيت
المقدس، في هذه الأرض
التي بارك الله فيها للعالمين كان مقصوداً، والصلاة بالأنبياء الذين استقبلوا
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيت المقدس، وأنه أمامهم، هذا له
معناه ودلالته، أن القيادة قد انتقلت إلى أمة جديدة وإلى نبوة جديدة، إلى
نبوة عالمية ليست كالنبوات السابقة التي أرسل فيها كل نبي لقومه، هذه
نبوة عامة خالدة لكل الناس، رحمة للعالمين، ولجميع الأزمان، فهي
الرسالة الدائمة إلى يوم القيامة و الصلاة بالأنبياء تدل على هذا الأمر،
والذهاب إلى المسجد الأقصى، وإلى أرض النبوات القديمة، التي كان فيها
إبراهيم، وإسحاق وموسى وعيسى إيذان ببداية دعوة جديدة عالمية
هذا الربط بين المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ليشعر
الإنسان المسلم أن لكلا المسجدين قدسيته، فهذا ابتدأ الإسراء منه وهذا
انتهى الإسراء إليه،والتفريط في أحد المسجدين .. تفريط للاخر
وأراد الله أن يثبت المسجد الأقصى بقوله الذي باركنا حوله، وصف الله هذا
المسجد بالبركة، وهذا قبل أن يوجد مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛
المسجد الذي ارتبط بالإسراء والمعراج، والذي صلى إليه المسلمون مدة
طويلة من الزمن، حينما فرضت الصلاة، كان بيت المقدس قبلتهم، ثلاث
سنين في مكة وستة عشر شهراً في المدينة، كان قبلة المسلمين
الأولى، فهو القبلة الأولى، وهو
أرض الإسراء والمعراج، وهو المسجد الذي لا تشد الرحال إلا إليه وإلى
المسجد الحرام والمسجد النبوي، وبهذا كانت القدس هي المدينة الثالثة
المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة. 0
روى الإمام أحمد والطبراني، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة
من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتي أمر الله وهم
على ذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس". 0
فهذه هي العبرة الأولى من قصة الإسراء والمعراج. 0
العبرة الثانية: وهي عبرة باقية أيضاً هي الصلاة، معروف أن الصلاة فُرِضت في تلك الليلة العظيمة، الله أُسري بنبيه
صلى الله عليه وسلم ثم عُرِج به إلى سدرة المنتهى، وهناك فُرِضت عليه هذه الصلوات الخمس.0
فكل العبادات فُرِضت في الأرض والصلوات فرضت في السماء، هذا دليل على أهمية هذه العبادة وهذه الفريضة أو هذا
الركن من أركان الإسلام،و هو معراج كل إنسان مسلم، المعراج الروحي ليرقى به إلى الله تبارك وتعالى،
فالصلاة هي معراج لكل مسلم، فإذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد عرج به إلى السموات العلا، فلديك يا أخي
المسلم معراج روحي تستطيع أن ترقى به ما شاء الله عز وجل، بواسطة الصلاة التي يقول الله تبارك وتعالى فيها في
الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال عبدي: الحمد لله رب العالمين
قال الله تعالى حمدني عبدي، فإذا قال الرحمن الرحيم، قال تعالى أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى
مجّدني عبدي، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا
الصراط المستقيم إلى آخر الفاتحة، قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل0
وهناك دروس أخر من حادثة الاسراء والمعراج ..
مكانة الليل
لماذا كانت الرحلة والمعجزة ليلاً؟.. أراد الله أن يُلفت الأمة إلى قيمة الليل ومكانته حين يقسم بالليل في أكثر من
موضع، والله لا يقسم إلا على عظيم، وعلى هذه الأمة أن تُعظِّم ما عظَّم الله تعالى فتدرك خير الليل وتستفيد من بركات
الليل؛ لأن الليل له رجاله إذا نامت العيون وهدأت النفوس وخلا كل حبيب بحبيبه.. فكان رسول الله- صلى الله
عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يكره السهر بعد العشاء إلا لضرورةٍ، وكان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وعلى
آله وصحبه وسلم- فرسانًا بالنهار رهبانًا بالليل إذا جنَّ الليل سمعت لهم دويًّا كدوي النحل.
مكانة المسجد
درس آخر وهو ربط الرحلة في بدايتها ونهايتها بالمسجد، فالخروج من مسجد وإلى مسجد لتعلم الأمة قيمة المساجد
ومكانتها في الإسلام، فهو بيت الأمة الذي اهتمَّ به رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في بداية بناء
دولة الإسلام، فالمسجد له مكانته وله دوره في الإسلام الذي لا بد أن يعود دور المسجد ورسالة المسجد حتى يتخرج من
الرجال الذين يحملون دعوة الله ويبلغون رسالة الله الذين قال الحق فيهم: ?فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ
يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ
بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)?..
والنبي يقول في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة: "بيوتي في
الأرض المساجد،
وزوارها عُمَّارها، فطوبى لعبدٍ تطَّهر في بيته ثم زارني في بيتي فكان حق
على المزور أن يُكرم زائره".
وحديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "المسجد بيت كل تقي"..
من تجميعي .... تباين