الدكتورة : إسمت غنيم
الحقوق والواجبات
يقول المؤرخ فردريك هير : إنه لم يكن للمرأة في الغرب الأوروبي في العصور الوسطى أي حق في أي شيء ، فالقانون كان خاص بالرجال ، وحدهم ، والرجل هو صاحب السلطة الوحيد في العائلة وفي المجتمع وفي الدولة ، بل إن احدى القواعد الثابتة في العصور الوسطى كانت woman,s voice is not to be heard in public .
هذا باستثناء حق واحد فقط هو الميراث ، فقد كان من حقها أن ترث والدها أو زوجها .
على أن المؤرخة بور توضح أن القانون الإنجليزي كان يعتبر المرأة النبيلة غير المتزوجة أو التي توفى عنها زوجها ، شخصية متميزة عن العامة ، فكان يهتم بحقوقها وواجباتها لدرجة المساواة بالرجل ، فمن حقها حيازة الأرض الزراعية ، وتحرير وصية أو عقد ، ولها أن تقيم دعوى أمام القضاء أو ترفع عليها الدعاوى ، لكن بمجرد زواجها فإن هذه الحقوق كلها تنسل من يديها ليستحوذ عليها الزوج .
وإذا كانت سيدة نبيلة كبيرة السن دون زوج فإنها تمنح نفوذًا وسلطة واسعة ، وتصبح شخصية هامة ذات شأن كبير في المحيط الذي تعيش فيه.
أما فيما يتعلق بحقوقها في الزواج ، فإنه لم يكن للفتاة من الطبقة العليا في المجتمع أي رأي في اختيار شر يك حياتها ، إذ كانت المصالح المادية هي صاحبة الرأي الأول والأخير في هذا الأمر ، وكان زواج المصلحة أمرًا شائعًا ومألوفًا في العصور الوسطى ، ومثل هذه الزيجات كثيرًا ما أملتها المصالح التي تتعلق بالأرض ، وكانت عبارة " " لا أدري أية عوائق تحول دون الزواج بين أصحاب الاقطاعات الكبيرة" هي العبارةالتي استرشد بها كبار السادة الإقطاعيين للموافقة على زواج بناتهم ، أو (قاصر) تحت وصاية أحدهم .
وكانت قصص الزواج هذه تمتزج فيها الفكاهة بالكآبة الأليمة ، وليس أدل على ذلك من قصة طفلة تدعى (جريس دي سلبي) ، زوجوها وهي في الرابعة من عمرها نبيلاً عظيماً من أجل أراضيها الواسعة ، وبعد أن توفي عنها زوجها بعد عامين ، تزوجت شخصًا ثانيًا ، وعندما أصبحت في الحادية عشرة من عمرها تزوجها شخص ثالث .
وهكذا يتضح أن الفتاة المنتمية للطبقة الأرستقراطية لم يكن لها حق اختيار زوجها ، ولم تتح لها فرصة لقبوله أو رفضه ، فكثيرًا ما كانت تزف عفو الساعة ، أو تزف إلى رجل لم تره من قبل : إما لتسهيل التحالف والإمدادات العسكرية ، أو من أجل صفقة من صفقات الضياع ، أو غير هذا وذاك من المصالح المادية البحتة .
وكانت سعادة المرأة في حياتها الزوجية متوقفة إلى حد بعيد على الحظ ، فربما سعدت بهذا الزواج ، أو حدث نوع من الألفة والمودة بينها وبين زوجها ، كما حدث مع (الأديبة الفرنسية كريستين دي بيزان) التي عبرت عن ذلك تعبيرًا مؤثرًا حين تداعت إليها ذكريات حياتها السعيدة مع زوجها الذي توفي عنها ، فقالت :
كان يحبني ، وكان هذا حقه
الذي وهبه إياه سن الشباب
ولو استطعنا تنظيم كل شيء
حبنا وقلبينا
لأحب كل منا الآخر
حبًا يفوق حب الإخوة والأخوات
ولكنا إندمجنا قلبًا وقالبًا
في السراء والضراء
على أنه في معظم الزيجات كان يحدث عكس ذلك ، حيث تظل المرأة تشقى بهذا الزواج ، وربما قضت حياتها كما قضتها "دوقة برنزويك" التي صورت حياتها مع زوجها - وهي على فراش الموت - أمام القس الذي أدلت إليه باعترافها الأخير فقالت :
يا أبي العزيز : لماذا لا أذهب الآن إلى ملكوت السماء ؟ إني عشت هنا في هذه القلعة عيشة الراهبة في الصومعة ، فما هي ألوان السرور والسعادة التي تمتعت بها هنا ، ما عدا أني وضعت هذا القناع الزائف على وجهي ، حتى أبدو سعيدة أمام خدمي وحاشيتي من الفتيات ، وأمام سيدات المجتمع .
إو زوجي - كما تعلم - رجل فظ ، يكاد قلبه يخلو من كل عطف واهتمام بالنساء ، أو ميل إليهن .
ألم تكن حياتي في هذه القلعة كأني في صومعة ؟
كان هذا ما يتعلق بالفتاة من الطبقة العليا ، أما الفتاة من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة فقد كانت أسعد حظًا ، فلم تكن على الجانب من الثروة بحيث تتحكم المصالح المادية في اختيار شريك حياتها ، وإنما كان من حقها الموافقة على الخطيب أو رفضه . وفي حالة ما إذا لم تكن رأته من قبل ، كانت ترتب بينهما مقابلة ليتعرف كل منهما على الآخر ، فيأتي الفتى مصحوبًا بأشقاء الفتاة إلى منزلها ، ثم تدخل هي إليه حافية القدمين ، عارية الرأس ويجلسان بحضور أشقاء الفتاة يتفحص كل منهما الآخر ، ولها بعد ذلك أن تبدي رأيها إما بالقبول أو الرفض .
الصداق أو المهر :
وفي حالة الزواج يصبح على المرأة القيام بالعديد من الواجبات تجاه زوجها ، وأول هذه الواجبات ،ـ أن تقدم له صداق عيني أو نقدي ، يتناسب مع حالتها من الغنى أو الفقر . ففي حالة الفتاة التي تنتمي للطبقة الارستقراطية كان عليها أن تقدم لزوجها صداقًا كبيرًا يتمثل في إقطاع واسع أو مبلغ محترم من المال . أما إذا لم يتهيأ لها ذلك ، فكان من الطبيعي أن تتعرض لإدبار الرجال عنها وهو الأمر الذي كانت تخشاه الفتاة والأسرة معًا ، وكانت الأسرة غالبًا ما تتخذ الاحتياطات اللازمة لتلافي هذا الأمر . فكان الوالد إذا شعر بدنو أجله فعل كل ما في وسعه ليترك لبناته صداقًا مناسبًا لزواجهن .
ولا تعفى من موضوع الصداق هذا حتى الفتيات من أدنى الطبقات ، وقد تعاون المجتمع النصراني في غرب أوروبا على حل هذه المشكلة فكانت إحدى أوجه الصداقات المعروفة إذ ذاك هي الجود بالصداق للفتيات الفقيرات .
الزوجة مِلْكُ الزوج :
وبمجرد إتمام عقد الزواج تصبح الزوجة وجميع مما تملك ملكًا خالصًا للزوج ، ومن حقه نقل ملكيتها لأي شيء ، سواء كان ذلك إقطاعًا أو عقارًا أو أموالاً منقولة أو أي شيء آخر تملكه فإنه يصبح من حقه نقل ملكية هذا الشيء إليه وباسمه هو . وليس لها أية حقوق تجاه زوجها ، وكما يقول المؤرخ بنتر كان الزوج بالنسبة لزوجته مثل الله بالنسبة له .
وإلى جانب ذلك ، كان على الزوجة كواجب نحو زوجهاان تنجب له ولدًا ذكرًا واحدًا على الأقل ، فإن كانت سيئة الحظ لدرجة أن لا يتحقق لها ذلك كان من السهل على الزوج أن يقنع الأسقف بفسخ عقد الزواج .
وبصفة عامت كان من اهم واجبات الزوجة الخضوع التام لزوجها ، والطاعة العمياء لأوامره ، والصبر على تصرفاته . ولعلنا نلم بمعلومات أوفر عن هذا الموضوع إذا ماقمنا بجولة بين صفحات كتاب " مدبر البيت الباريسي" وهو - أي مدير البيت الباريسي - رجل ينتمي إلى الطبقة البورجوازية الرفيعة ، عاش في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي ، وكان يبلغ الستين من عمره ، حين تزوج من فتاة صغيرة تبلغ الخامسة عشرة، أعرق منه نسبًا وقد ألف كتابه هذا لاعتقاده بأن زوجته ستتزوج غيره بعد وفاته ، فألف لها هذا الكتاب ، ودَوَّن فيه كل ما لديه من معلومات عن جميع ما يلزم المرأة لتكون زوجة صالحة ومدبرة بيت وسيدة كاملة ، حتى يضمن لزوجته حياة زوجية سعيدة ومستقرة في زواجها المقبل .
وقد بدأ مدبر البيت الباريسي كتابه بفقرة طويلة عن مراعاة الدين والتقى والورع والمسلك اللائق ، ثم انتقل إلى مخاطبة زوجته الشابة قائلا : " يجب عليك أن تهتمي بزوجك ، وتراعي حاجاته ، وأرجو منك أن تبقيه نظيف الثياب دائمًا ؛ فإن ذلك من جملة وظائفك " .
بعد ذلك يتحدث عن الأعمال التي يقوم بها الزوج خارج المنزل وما يتكبده من المشقة والعمل والسفر هنا وهناك ، حتى إذا عاد للمنزل على الزوجة أن " تخلع حذاءه أما مدفأة متأججة النيران ، وتغسل قديمه ، وتعطيه جورباً نظيفًا ، وتضع على رأسه طاقية نوم جيدة الصنع ، وتغطيه بالفراء ، وتغمره بغير ذلك من الأفراح والمسرات " .
ويستطرد هذا البورجوازي الباريسي موجهًا كلامه لزوجته قائلا : " وأنصحك بناء على ما تقدم أن تكوني دائمة البشاشة لزوجك في جميع غدواته وروحاته ، دائبة عليها ، وأنصحك كذلك أن تكوني مسالمة معه ، بعيدة كل البعد عن كل ما يجلب الشجار أو يؤدي إليه ، وتذكري المثل الذي يقول : ثلاثة تبعد الرجل الصالح عن بيته ، سقف واكف ، ومدفأة داخنة وزوجة طويلة اللسان معنفة ، لأجل ذلك أطلب إليك - أيتها الأخت الجميلة - أن تكوني محبة لزوجك ، وديعة ، دمثة الأخلاق ، حتى تنالي محبته وعطفه ورعايته " .
ولا شك أن هذا البورجوازي ، يعبر في نصائحه هذه عن وجهة نظر أبناء جيله في موقف الزوجة من زوجها ، ولعل من الطريف حقًا أن يشبه حب الزوجة لزوجها ، بإخلاص الحيوانات الأليفة لأسيادها فيقول :
" ترى بين الحيوانات الأليفة أن الكلب دائم القرب من الشخص الذي يتناول منه الطعام مبتعدًا عن الآخرين ، هيابًا منهم ، فظّاً في معاملتهم سواء أكان ذلك في الطريق أو على المائدة ، أو في الفراش ، فإذا لم يستطع الكلب أن يقترب من سيده ، فإن عينيه تظلان متعلقتين به ، ويظل قلبه دائم الحنين إليه ، ونجد الكلب يتبع سيده ، حتى عندما يجلده أو يقذفه بالحجارة ، وهو يهز ذنبه ويستلقي على ظهره أمام سيده محاولاً استرضاءه واسترجاع عطفه ، وترى الكلب يتبع سيده أينما سار في الغابات وفي الأدغال ، وفي الأنهار ، وإذا ما صال هاجمًا على السارق أو على الأعداء .
لهذا ولسبب أقوى وأقوم ، يجب على المرأة التي وهبها الرب إحساسًا طبيعيًا وجعلها مدركة عاقلة أن تحب زوجها حبًا كاملاً ، مهيبًا مقدسًا ، ولذلك أتوسل إليك أن تكوني عظيمة الحب لزوجك ، شديدة الكتمان لأسراره ".
وهكذا كان على الزوجة في الغرب الأوروبي في العصور الوسطى أن تتخذ من الكلب قدورة حسنة تقتدي بها وتسير على منوالها في الإخلاص والوفاء لسيدها .
اخوكم : ســـــيـــــك