لا تقبل الرسائل السلبية وتصدق أنك معاق
يروى في التراث الصيني أن مزارعًا فقيرًا في قرية كان يملك حصانًا، وكان أهل القرية كذلك مزارعين فقراء ولكنهم لا يملكون أي حصان.
وفي ذات صباح تجمع أهل القرية عند المزارع الفقير وقالوا له: ما أسعدك! ما أحسن حظك! كلنا لا يملك حصانًا وأنت تملك حصانًا يساعدك في الزرع ويحملك إلى حيث تريد.
التفت المزارع إليهم باسمًا وهو يقول: ربما.
وفي ذات صباح اختفى حصان الرجل الفقير، فتجمع أهل القرية فقالوا للمزارع: يا مسكين، يا تعيس الحظ، هرب حصانك، هرب الذي كان يساعدك، ما أسوأ حظك!
فالتفت المزارع إليهم باسمًا وهو يقول: ربما.
وفي فجر صباح الغد: رجع الحصان وبصحبته حصان وحشي قد ألف حصان المزارع.
فتجمع أهل القرية عند المزارع فقالوا: ما هذا الحظ العظيم؟! يا لك من محظوظ، قد صار عندك حصانان، يالهناك!
فالتفت الرجل إليهم باسمًا، وهو يقول: ربما.
وفي مغرب ذلك اليوم وعند انتهاء العمل، أحب الابن الوحيد للمزارع أن يركب الحصان الوحشي ليتألفه، فامتطى ظهره، وما هي إلا خطوات حتى هاج الحصان الوحشي وسقط الابن وكسرت يده، فأتى أهل القرية للمزارع قائلين: يالرداءة حظك.. يا لحظك العاثر! ابنك وحيدك كسرت يده، من سيساعدك في حراثة الأرض؟ من سيشاركك العمل بعده؟ يالك من مسكين!
فالتفت إليهم باسمًا وهو يقول: ربما.
وتمضي أيام قليلة.. وإذا بالجيش الصيني داهم القرية وأخذ كل شباب القرية. إنه يتأهب لخوض حرب قادمة لعدو قريب يتربص. دخل أفراد الجيش بيوت الفقراء، أخذوا كل الشباب لم يدعوا أحدًا، لكنهم عندما دخلوا إلى بيت المزارع الفقير وجدوا ابنه مكسور اليد، قد لفت يده بجبيرة، فتركوه.
فتجمع أهل القرية عند المزارع وقالوا: لم يدعوا شابًا من شبابنا إلا أخذوه، ما تركوا أحدًا، ما تركوا إلا ابنك، ما هذا الحظ العجيب؟! يا لقوة حظك.. ما أسعدك!
فالتفت الرجل إليهم باسمًا كعادته وهو يقول: ربما.
لا تخلو حياة إنسان من مشكلات، الغني له مشكلاته، الفقير له مشكلاته، العامل، العاطل، الكبير، الصغير، الكل تعصف به المشكلات.
قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
صغير ود لو كبُرا
وشيخ ود لو صغُرا
وخال يبتغي عملاً
وذو عمل به ضجرا
ورب المال في تعب
وفي تعب من افتقرا
فهل حاروا من الأقدار
أم هل هم حيروا القدرا؟!
ليس المهم ما يقع عليك من مشكلات الأحداث، المهم بأي عين تنظر للحدث، بعين المتفائل المستبشر بالخير، أم بعين المتشائم المتكهن بالشر؟ تأكد من لون نظارتك التي ترتديها، أهي سوداء مظلمة أم بيضاء مشرقة؟ صاحب النظارة السوداء لا يرى إلا الظلمة والنقص والفشل، وصاحب النظارة البيضاء (ذلك المطمئن بالله المتوكل عليه الراضي بقدره) لا يرى إلا الخير القادم والكمال والنجاح.
لقد كان سيد التابعين «عطاء بن أبي رباح»، أسود، أعور، أفطس، أشل، أعرج، ثم عمي بعد ذلك. وقال عنه إبراهيم الحربي، كان عطاء عبدًا أسود لامرأة من أهل مكة، وكان أنفه كأنه باقلاء. ستة عيوب كانت في عطاء ماذا تظنه قد فعل بها؟ هل تكسرت عزائمه؟ هل بكى على قدره يائسًا ومنتظرًا يوم موته للخلاص من الدنيا والخلاص من تهكمات الناس وسخريتهم؟ هل قال عطاء لنفسه: أنا عبد مملوك سأظل هكذا إلى الأبد، أنا أسود وأعور وأشل و... لن يقبلني أحد؟
لقد كان لعطاء أذنان تسمعان، ورجلان تمشيان، كان لعطاء لسان يتكلم، ويد تكتب، وعقل يفكر ويحفظ.. هذا ما وجده عطاء في نفسه، كان ينظر بعين المتفائل الراضي الذي يمتلك الكثير من النعم.
لقد كان يعلم أن التغيير يبدأ من الداخل. المهم كيف أرى نفسي لا كيف يراني الناس، إذا كنت ترى نفسك قويًا ذكيًا فهكذا ستبدو وبهذا سيعاملك الناس. إن السعيد هو من يرى الوجود سعيدًا، سأطلب العلم عند كل عالم.. سأجتهد وأتعلم وأثبت لنفسي أني قادر على تغيير حياتي إلى الأفضل. بهذه العبارات المتفائلة خاطب عطاء نفسه، فماذا حدث؟
لقد صاح المنادي في زمن بني أمية في مكة أيام الحج، لا يفتي الناس إلا عطاء. وقال عنه الإمام أبو حنيفة: ما رأيت أفضل من عطاء. وقال الإمام إبراهيم الحربي: جاء سليمان بن عبدالملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه، فجلسوا إليه وهو يصلي، فلما صلى التفت إليهم، فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج، وقد حول قفاه إليهم، ثم قال سليمان لابنيه: قوما، فقاما. فقال: يا بني لا تنيا في طلب العلم، فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود.
لقد أصبح «عطاء بن أبي رباح» عالم الدنيا في زمنه.. رسم صورة ذهنية متفائلة مشرقة عن نفسه وواقعه، فكان له ما رأى وتوقع.
تفاءلوا بالخير تجدوه.. هذه كانت قصة عطاء الذي مكث في الحرم 30 سنة يطلب العلم.
معاقون أم منجزون؟
ولد كفيف البصر، لكنه تعلم اللغة الفارسية واليونانية واللاتينية والتركية، وبرع في علوم المنطق والرياضيات والطبيعيات، ورحل للتعلم إلى أماكن كثيرة منها تركيا وروسيا وأوروبا ومصر، وألّف كتابه الشهير في الأدوية «التذكرة» الذي يقع في ثلاثة مجلدات، والذي صار مرجعًا في التداوي لقرون عديدة في مدارس ومعاهد وكليات الطب في أوروبا والعالم الإسلامي. هل عرفتم هذا الرجل الأعمى الذي أتحدث عنه؟ إنه رئيس العشابين في البيمارستان المنصوري بالقاهرة وأبقراط زمانه، العلامة الطبيب، وأبو الصيدلة «داود الأنطاكي».
الملحن الألماني «بتهوفن» (1770-1827م) أخذ يفقد حاسة السمع شيئًا فشيئًا، فقد كان يسمع بصعوبة في الثلاثينيات من عمره، ثم أصبح أصم تمامًا في سن السادسة والأربعين. ومع ذلك فقد ألف أروع موسيقاه في سنواته الأخيرة (وهو أصم)!
وهذا لويس برايل (1809-1852م) أصيب بالعمى في سن الثالثة، ورغم ذلك أصبح فيما بعد مدرسًا في باريس، وقام بوضع أسلوب الكتابة الشهير للمكفوفين والذي سمي باسمه.
«ابن سيده» يؤلف كتابه «المخصص» وهو أعمى. كتابه الذي يقع في 17 مجلدًا، في كل جزء قرابة 300 صفحة، بها من أصول اللغة وخصائصها ونواحي اتصالها بالحياة ما جعله قبلة اللغويين في العصور المختلفة.
سُجن «السرخسي» فألف المبسوط في 30 مجلدًا، وأصاب الشلل ابن الأثير فصنف جامع الأصول والنهاية في 30 مجلدًا، وسجن ابن تيمية فأخرج الفتاوى 30 مجلدًا.. أرأيتم، حتى عندما تفقد إحدى كبريات النعم مثل نعمة الحرية قد يكون لك فيها منحة من الله!
تقول «هيلين كيلر» تلك العمياء الصماء البكماء:
«عندما توصد في وجهنا أبواب السعادة تنفتح لنا العديد من الأبواب الأخرى، لكن مشكلتنا أننا نضيع وقتنا ونحن ننظر بحسرة إلى الباب المغلق ولا نتلفت لما فتح لنا من أبواب».
يتعرض الطفل الصغير «رون سكانلان» عام 1956م لحادث سيارة، ويقوم الأطباء بإنقاذ حياته، ولكنه يصاب بالشلل التام من الوسط وحتى قدميه، وكان عليه أن يجلس على كرسي المعاقين طوال حياته، هكذا كان قدره. لكنه لم يجلس ليندب حظه ولم يصطدم مع القدر.. شعر أن لديه أطرافًا أخرى تتحرك.. قدرات يستطيع استغلالها.. عطايا أخرى أبقاها الله له ليستمتع بها.. فماذا فعل؟
لقد حاول الاشتراك في عدة نوادي لممارسة رياضة الكاراتيه، ولكنه رُفض بسبب حالته الجسمانية، وأخيرًا.. وافق «بيل ليسلي» مدرب (الكونفو) على أن يقوم بتدريبه.. كان «رون سكانلان» أول من يحضر إلى التدريب وآخر من يغادر الصالة. وداوم على التدريبات وتقدم في هذه اللعبة حتى حصل على الحزام الأسود. كان قويًا جدًا، ويستعمل يديه والكرسي الخاص به لهزيمة أي منافس! وعندما بلغ عمره 37 سنة وصل لأعلى المستويات، وأصبح هو نفسه معلمًا، وفتح مدرسته الخاصة لتعليم الكونفو التي استوعبت حوالي 200 شخص.. لقد فعلها العملاق «رون سكانلان»!
وهذا طفل آخر يصاب بمرض شلل الأطفال ويعيقه عن الحركة ويضطره للجلوس على الكرسي المتحرك، لكن هذا الطفل البطل لم تمنعه هذه الإعاقة الخارجية وغير الحقيقية من أن يفوز 11 مرة ببطولة العالم في المبارزة، ويحصل على كأس أحسن لاعب في العالم لثلاث مرات، ويضيف أربع مرات متتالية في المركز الأول على العالم.. إنه البطل الكويتي «طارق محمد القلاف» الذي حطم قيود الإعاقة ونال في شهر يوليو عام 2002م سيف الشرف لأحسن لاعب في العالم.
أما زلنا نسمي هؤلاء «معاقين» رغم كل هذا الإنجاز؟!
إن الإعاقة الحقيقية هي أن تصدق أنك معاق.
كم من الناس تفضل الله عليهم بهبات وقدرات هي أضعاف قدرات وهبات هؤلاء الناس، لكنهم رضوا بمشي السلحفاة وعميق السبات، حتى تبلد العقل، وضعف العطاء، وانهزمت النفس، ويئست الروح، ورضت تلك الذات المنهزمة بتهميش أدوارها والركون إلى العجز والكسل.
المرجع
مجلة المعرفة