الحمد لله وبعد
خرج أعرابيّ قد ولاه الحجاج بعض النواحي فأقام بها مدة طويلة، فلما كان في بعض الأيام ورد عليه أعرابيّ من حيه فقدم اليه الطعام. وكان إذ ذاك جائعاً فسأله عن أهله وقال: ما حال ابني عمير، قال على ما تحب قد ملأ الأرض والحي رجالاً ونساءً. قال فما فعلت أم عمير قال صالحة أيضاً. قال فما حال الدار قال عامرة بأهلها قال وكلبنا إيقاع. قال ملأ الحي نبحاً قال فما حال جملي زريق. قال على ما يسرك. قال فالتفت إلى خادمه، وقال ارفع الطعام فرفعه، ولم يشبع الأعرابيّ، ثم أقبل عليه يسأله وقال: يا مبارك الناصية أعد عليّ ما ذكرت. قال سل عما بدا لك قال فما حال كلبي ايقاع، قال مات قال وما الذي أماته قال اختنق بعظمة من عظام جملك زريق فمات. قال: أومات جملي زريق. قال نعم. قال وما الذي أماته ؟ قال كثرة نقل الماء إلى قبر أم عمير، قال أوماتت أم عمير قال، نعم. قال وما الذي أماتها قال كثرة بكائها على عمير. قال أومات عمير ؟. قال نعم. قال وما الذي أماته ؟ قال سقطت عليه الدار. قال أوسقطت الدار قال نعم. قال فقام له بالعصا ضارباً فولى من بين يديه هارباً.
--------------------------------------------------------------------------------
حكى بعضهم قال: كنت في سفر فضللت عن الطريق، فرأيت بيتاً في الفلاة، فأتيته فإذا به أعرابيّة، فلما رأتني قالت من تكون؟ قلت ضيف. قالت أهلاً ومرحباً بالضيف، انزل على الرحب والسعة. قال فنزلت فقدمت لي طعاماً فأكلت، وماءً فشربت، فبينما أنا على ذلك إذ أقبل صاحب البيت. فقال من هذا ؟ فقالت ضيف. فقال لا أهلاً ولا مرحباً، ما لنا وللضيف، فلما سمعت كلامه ركبت من ساعتي وسرت، فلما كان من الغد رأيت بيتاً في الفلاة فقصدته فإذا فيه أعرابيّة فلما رأتني قالت من تكون ؟ قلت ضيف. قالت لا أهلاً ولا مرحباً بالضيف، ما لنا وللضيف، فبينما هي تكلمني إذ أقبل صاحب البيت فلما رآني قال من هذا ؟ قالت ضيف. قال مرحباً وأهلاً بالضيف ثم أتى بطعام حسن فأكلت، وماء فشربت، فتذكرت ما مر بي بالأمس فتبسمت. فقال مم تبسمك فقصصت عليه ما اتفق لي مع تلك الأعرابيّة وبعلها، وما سمعته منه ومن زوجته، فقال لا تعجب إن تلك الأعرابيّة التي رأيتها هي أختي، وان بعلها أخو امرأتي هذه، فغلب على كل طبع أهله.