التهاب اللوزتين وعلاقته بأمراض القلب
يمكن لالتهاب اللوزتين على بساطته أن يسبب أمراضا ً قلبية خطرة ، فما هما اللوزتان : إنهما مجموعتان من الأجربة اللمفاوية المتوضعة في الحلق والتي تشكل خط الدفاع الأول تجاه الجراثيم والعوامل الممرضة الأخرى التي تدخل الجسم عن طريق الفم .
والجراثيم التي يمكن أن تسبب التهاب اللوزتين كثيرة لكن أهمها في الإصابات القلبية تلك المسماة الجراثيم العقدية (وذلك نسبة إلى شكل توضعها تحت المجهر على شكل العقد أو السبحة) وخاصة المجموعة بيتا النمط ( أ ) وتأتي أهميتها من شبه تركيب بنيتها الشديد لبنية الصمامات القلبية .
يتم تخرب الصمامات القلبية بآلية تسمى المناعة الذاتية حيث تقوم وسائط الدفاع والمناعة في الجسم بتشكيل مواد قاتلة خاصة بالجراثيم العقدية تسمى أضداد الجراثيم العقدية .. وبما أن الصمامات القلبية تشبه في بنيتها بنية الجراثيم العقدية فإن هذه الأضداد تخرب الجراثيم العقدية وتخرب معها الصمامات القلبية بدرجات مختلفة ...وتحدث الإصابة عادة بعد 7 – 21 يوماً من التهاب اللوزتين الحاد وهو الوقت اللازم للبدن كي يشكل أضداد الجراثيم العقدية ولاتتعلق شدة التهاب اللوزتين دائما ً بشدة الإصابة القلبية إذ يمكن لالتهاب اللوزتين الشديد أن لا يؤثر على القلب في حين قد تتخرب الصمامات القلبية بشدة من التهاب لوزتين بسيط قد لايعيره الأهل اهتماماً إنما يتعلق الأمر بالدرجة الأولى بنوع الجرثوم وشدة الارتكاس المناعي تجاهه.
ويشمل المرض الفعال إصابة المفاصل حيث يشكو المصاب من التهاب وتورم في المفاصل الكبيرة(الركبة ،المرفق ،الكتف،الورك) ويتنقل الإلتهاب غالبا ً من مفصل لآخر كما يمكن أن يصاب الجلد حيث يظهر مايسمى الحمى القرمزية( تشبه الحصبة) أو يصاب الدماغ على شكل مرض يسمى داء الرقص (قليل الحدوث) .. يعاني المصاب من ألم الصدر أو الزلة (ضيق النفس ) أو الخفقان وارتفاع الحرارة ... وتشفى إصابة المفاصل تماما ً في غالب الأحيان في حين أن الإصابة القلبية تترك أثراً بدرجات مختلفة قد تصل إلى تخرب الصمام التام .
تسمى الحدثية الإلتهابية السابقة (الحمى الرثوية) وتكثر في المناطق الباردة والرطبة والفقيرة والمزدحمة ... وتبرز فيها دائماً إصابة المفاصل وقد تمر إصابة القلب بشكل خفي وتبقى كذلك لسنوات عديدة (10-15 سنة ) حيث تبدأ الأعراض بالظهور على شكل زلة مترقية أثناء الجهد أو بالاستلقاء(زلة استلقائية) حيث يضطر المصاب إلى زيادة عدد الوسائد عند النوم أو يستيقظ من نومه فجأة بسبب ضيق النفس الشديد (الزلة الليلية الإشتدادية) أو يعاني من الخفقان أو السعال الجاف خاصة الليلي وكل حالة سعال ليلي أو سعال يثار أو يشتد بالاستلقاء غير واضحة السبب يجب فيها تحري إصابة صمام قلبي وخاصة تضيق الصمام التاجي. وقد لاتكشف الإصابة إلا صدفة ً عندما يراجع المريض طبيبه لسبب آخر كما قد لا تكشف إلا أثناء الحمل عندما تنهار معاوضة القلب بسبب الحمل الدموي الزائد المرافق للحمل. لذلك يقال أن الحمى الرثوية تنبح على المفاصل وتعض القلب.
ينصح دائماً بمراجعة الطبيب الذي قد يكشف الإصابات القلبية المختلفة حيث تسمع أصوات نفخات قلبية مختلفة الشكل والشدة تدل على الصمام المصاب ونوع ودرجة الإصابة وعند وجود إصابة قلبية أو الشك بها يجب إجراء الدراسة المخبرية ( التي تساعد في إثبات التشخيص ) وإجراء تخطيط القلب الكهربائي وربما نحتاج إلى إجراء تصوير القلب بالأمواج فوق الصوتية (الإيكو)...
ويكون العلاج بالراحة المطلقة في الفراش لمدة يحددها الطبيب حسب شدة الإصابة المفصلية أو القلبية ويعطى الاسبيرين بكميات كبيرة 3غ يومياً للأطفال(30 حبة تاميرين أطفال) و6-8 غ يومياً للكبار(12-16 حبة أسكالتين) . والمقادير الكبيرة ضروية للشفاء ولاتشكل خطرا ً على الصحة باستثناء أولئك الذين يعانون من قرحات هضمية أو اضطرابات في تخثر الدم .. وفي الإصابات القلبية المتوسطة والشديدة يجب إعطاء الكورتيزون وبكميات كبيرة ايضا ً (60-80 ملغ) وهو دواء سيء السمعة بين الناس رغم براءته مما ينسب إليه من مضاعفات ضارة والحقيقة أن هذه المضاعفات الضارة قد تحدث (وليست حتمية الحدوث) بالاستخدام الفوضوي والعشوائي للدواء دون إشراف الطبيب ...
ومن أجل القضاء على الجراثيم الموجودة في اللوزتين لابد من إعطاء المضادات الحيوية( وأحسنها البنسلين ) لمدة لاتقل عن 10 أيام . ..وقد لانستطيع القضاء على الجراثيم المستوطنة في اللوزتين إلا باستئصالهما ....
يصاب القلب بنسبة 3-5% فقط في الهجمة الأولى من الحمى الرثوية وتزاد النسبة بشكل كبير في الهجمات التالية بحيث تصل إلى 30-50% أي تتضاعف 10 مرات ، ولذلك يجب محاولة منع تكرر التهاب اللوزتين بإعطاء البنسلين المديد بمقدار 600.000-1.200.000 وحدة كل 21- 30 يوماً لمدة لاتقل عن خمس سنوات أو إلى عمر 18 سنة وأحيانا ً مدى الحياة ..
وفي حال تخرب الصمامات القلبية فإن العلاج يختلف حسب الحالة لكن العلاج النهائي هو تبديل الصمام المصاب بصمام آخر صنعي .
وبغض النظر عن الكلفة المادية الباهضة لعمليات القلب المفتوح التي يتم من خلالها تركيب الصمام الصنعي فإن الصمام الصنعي يؤدي الوظيفة ويحافظ على الحياة لكنه لايعيد المرء إلى الحالة الطبيعية تماما ولايعفيه من الاستخدام الدائم للأدوية (بعكس ما نراه في عمليات الزائدة أو المرارة مثلاً حيث تنتهي الحالة المرضية بالجراحة في معظم الأحيان) إذ لابد مع الصمامات الصنعية من مراقبة دورية للقلب ولعمل الصمام الصنعي بوسائط مختلفة أحسنها الايكو-دوبلر الملون . كما يجب تناول الأدوية المميعة للدم بشكل دائم ومراقبة فعالية هذه الأدوية بشكل دوري أيضا ً لأن نقص التمييع يؤدي إلى تخثر الدم على الصمام