تسابقت الجامعات السعودية على تحديد أسعارها في مزاد التعليم الأكاديمي، بعد قرار وزارة التعليم العالي بإقرار مبادرات سابقة لبعض الجامعات وتعميمها لتصبح تجربة وطنية في التعليم العالي صافحنا به وجه القرن الجديد.
والتجربة كغيرها ولدت من خارج الرحم، حيث تقضي بفرض رسوم على الطلاب أصحاب المعدلات المنخفضة من خريجي الثانوية العامة، مما يعني أن هناك شريحتين الأولى:شريحة الطلاب المتفوقين وهذه بحد ذاتها تحتاج إلي تعريف وتفكيك تعجز عنه المذاهب التفكيكية في الأدب المعاصر، ولأن المتفوق في العالم هو ذلك الذي يدخل دائرة الامتياز، أما في الجامعات السعودية وبسبب شح قدرة الاستيعاب فإن المتفوق هو ذلك الذي يصل لرأس الهرم أي أصحاب معدلات 98 في المائة وما فوق فهذه إذا ضمن شريحة المتفوقين الذين وعدت الجامعات بفتح القبول لهم واعتبارهم أبناء يستحقون الرعاية.
الشريحة الثانية هم الطلاب الأقل حظاً، وليسوا بالضرورة الأقل مستوى فهؤلاء يجب عليهم أن يدفعوا ثمن عجز أنظمة الاستيعاب والقبول، ويدفعوا ثمن إخفاق أنظمة التعليم والتأهيل وأن يدفعوا من عرق آبائهم وصبر أمهاتهم ثمن تعليمهم، وهو ما يعني في " النهاية" أن الشريحة الأولى هم الذين يستحقون الرعاية والاهتمام وهم أبناء الدولة، والشريحة الثانية هم الأبناء المغضوب عليهم ، و " أبناء الجاريات" الذين يتعين عليهم أن يدفعوا ثمن تعليمهم في مجالات لا يحق لهم اختيارها ولا التدخل في إدارتها وبدون ضمان مستقبل العمل لهم، ناهيك عن أنها خلقت التفرقة بين الأخ وأخيه وبين الصديق وصديقه.
تعالوا نتصور: ماذا يحدث لصديقين تخرجا من الثانوية سوياً وأحدهما تعثرت به الأقدام فلم تنفعه " شفاعة الشافعين" أو أنه لم يفهم أسلوب امتحانات القبول أو كان معدله أقل مما يرضي طموح لجنة التسجيل والقبول في الجامعة، فتم رفضه وصار عليه أن يدفع كد والده وتعبه عدداً لا بأس به من ألوف الريالات. بينما صديقه يتنعم بنعمة الرعاية الكاملة فيتعلم ويتلقى المصروف الشهري بفارق درجة واحدة عن صديقه.
ترى أي خلل تربوي واجتماعي وحضاري سيصيب بنياننا الإنساني؟؟!!
وكيف فكرت وزارة التعليم العالي بتشطير هذا المفهوم؟؟
كيف تفتقت العبقرية عند هذا الحل العجيب الذي أظن أنه بدأ يصيب العملية التعليمية في مقتل؟؟
وأي تعليم هذا الذي لم يخصخص بعد ولا يوجد نظام لخصخصته ،ولكن (في نفس الوقت) يفرض له رسوم؟؟
ثم ماذا يتعلم الناس؟؟
اننا نتلقى التعليم الذي تفرضه تلك الجامعات مادمنا لم ندفع قرشاً واحداً، أما إذا تعلق الأمر بعرض التعليم كسلعة فإن علينا ان ننتقي ونختار ونحاسب ونطلب و . . و . . و .. وكلها مفاهيم على وزارة التعليم العالي أن تستوعبها قبل أن تفرضها على الناس.
أن تجربة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن والتي يستشهد بها دائما وزير التعليم العالي في أحاديثه الصحافية ليست جديرة بالتطبيق.. لأنها "وبوضوح" تجربة فاشلة لكن عاضدها وناصرها سمعة الجامعة، كون " الطالب المجاني" يحصل في النهاية على البكالوريوس، أما " الطالب الدفيع" فلا يحصل إلا على الدبلوم.
وكان من العجب أن تسلك جامعة الإمام الدرب ذاته وتشارك في هذا المزاد وكأنها تفترض أن الكساد التعليمي سيضطر الطلاب لأن يدفعوا مقابل أن يتلقوا شرف الانضمام لمناهج وبرامج تعليمية اقل ما يقال عنها انها نظرية.
لم يفهمنا أحد عن أسعار الطب والهندسة والعلوم والتقنية وبرمجة الحاسب الآلي،أما علوم الطيران وإدارة الاقتصاد وكليات تحفيز الاستثمار، ودورات في التنقيب عن الغاز والعولمة والتجارة الإلكترونية والفندقية والسياحة من المجالات التي نحتاجها للمستقبل فما زالت تناقش بشيء من الاستحياء