كان رجل وله ثلاثة أولاد وزوجته متوفاة، وكان يملك دوراً وأراضٍ وأملاكاً, فتنازل عن أملاكه لأولاده قبل موته، ولم يترك لنفسه سوى الدار القديمة المهدمة التي لا تساوي شيئاً، كان الأولاد في البداية يرعون والدهم المسن المريض ويؤمنون له طلباته وحاجاته ولا يتركونه لحظة واحدة.
بعد سنوات تزوج الأول وأخذ زوجته وغادر البيت ولم يعد يزور والده إلاّ في المناسبات القليلة، وبعد فترة تزوج الثاني وسكن مع زوجته في دار مستقلة، ولم يعد يزور والده سوى كل عدة شهور مرة.
بعد فترة من الزمن تزوج الثالث واستقل في بيته الجديد مع زوجته ولم يعد يزور والده أيضاً.
بدأ الرجل المسن يشعر بالوحدة والحزن ومرارة إهمال أولاده له، وأحسّ بالندم وأنه ارتكب خطأً كبيراً عندما تنازل عن أملاكه لأولاده ليتمتعوا بها فنسوه وأهملوه. فأصبحت الأيام تمر عليه صعبة قاسية لا يزوره أحد ولا يهتم به، ولم يعد يجد لقمة طعام يأكلها .
في أحد الأيام تذكره أحد أصدقاءه القدامى، فزاره في بيته القديم فوجده في حالة يرثى لها، أثار شفقته وحزنه عليه بعد العز الذي كان يعيشه فأحضر له بعض الطعام أكله وحمد الله، وبدأ يشكو لصديقه إهمال أولاده له، وانقطاعهم عن زيارته وانشغالهم بزوجاتهم وأولادهم وبكى بكاءً مراً .
فكّر الصديق قليلا ثم أشار على الرجل بأمر لعلّه يصلح أحواله، ويعيد إليه اهتمام أولاده وزوجاتهم به، فأعجبته الفكرة وقام بتنفيذها، وبعد عدة أيام مرت زوجة ابنه الكبير إلى بيت عمها، وعندما دخلت رأته يخبئ صندوقاً خشبياً عتيقاً كان بين يديه عند دخولها، فأثار انتباهها فسألت عمها عن الصندوق، فتهرّب من الجواب وأصرت عليه، فتظاهر بأنه خضع لإلحاحها وطلبها فقال لها: هذا الصندوق يضم الأموال والجواهر التي بقيت عندي، ولا أعرف ماذا أفعل بها وأنا أتفقدها كل يوم وقد خصّصتها للولد الذي يهتم بي ولزوجته التي ترعاني، ولم أكن أحب أن أخبرك أنت أو أخبر أحداً بهذا السر، وأترك الأمور لطبيعتها إلى أن أكتشف من هو الأفضل من أولادي، والأكثر رعاية لي لأعطيه الصندوق، والآن بعد أن عرفت السر فأرجو ألا تقولي لأحد، واتركي الأمر سراً بيني وبينك.
فرحت زوجة الابن الكبير وطار عقلها لأن عمها خصّها بهذا السر، وصمّمت على أن تحصل على الصندوق دون الآخرين، فقامت ونظفت البيت وغسلت له ثيابه، وأحضرت له الطعام فأكل وشرب وحمد الله. ولما عادت إلى بيت زوجها أخبرته بالموضوع، فشجّعها على عملها وحثّها على المتابعة حتى يوصي لهما بالمال.
وفي اليوم التالي حضرت كنته الثانية، وعمل معها ما فعل بالكنّة الأولى، وفعلت هي كما فعلت الأولى. وعادت إلى زوجها فأخبرته بالموضوع ففرح، وحثّها على متابعة رعايتها لوالده وأن تترك الأمر سراً حتى يحصلا على المال.
وفي اليوم التالي جاءت الكنّة الثالثة، وحصل معها ما حصل مع الأخريات، وأخبرت زوجها فشجّعها على الاهتمام بوالده للحصول على المال، و كل منهم يوصي زوجته ألا تخبر أخوته الباقين.
هكذا عاد الأولاد وزوجاتهم يهتمون بالرجل المسن، ويرعونه أشد الرعاية، ويجلبون له أحسن الملابس وأطيب الطعام، ويتنافسون على خدمته ورعايته، وعاش آخر سنوات حياته في أحسن حال ونجحت نصيحة صديقه في إعادة أولاده وزوجاتهم إليه طمعاً بالمال.
عندما توفي الرجل ودفن الأولاد والدهم في قبره، عادوا مسرعين مع زوجاتهم كل منهم يريد أن يستولي على صندوق المال. في البيت بدأوا يتجادلون ويتعاركون على الصندوق وكل منهم يقول إنه من حقه.
حضر صديق والدهم وأراد فض النزاع بينهم وأقنعهم أن يتركوا له فتح الصندوق، وتوزيع ما فيه عليهم بالتساوي أو كما أوصى والدهم، فوافق الجميع وأحضر الصديق الصندوق وجمعهم حوله وفتحه أمامهم، فوجدوا فيه ثلاثة قضبان مكتوب عليها ( حمار كل من يوزع أملاكه على أولاده في حياته، وقد تركت لكل زوجة من زوجات أولادي قضيباً تأخذه وتضرب به زوجها لأنه يستحق العقوبة على عقوقه لوالده ).
اللهم اجعلنا مما يبرون بوالديهم
نقلت للفائده