علم القراءات السبع الحلقة الرابعة

[صبري علام]

الحلقة الرابعة

ذكر شئ يسير في تراجم القراء السبعة ورواتهم

وفي هذا الباب إن شاء الله تعالي عند ذكري ترجمة القراء السبعة ثم رواتهم ثم طريق كل راوي ألتزم الطرق التي وردت في الشاطبية للإمام الشاطبي رحمه الله وكذلك عند ذكري لمذهب كل قاري وراوي في أبواب الأصول والفرش لأن طريق الشاطبية هو المشهور والمقدم في كل الأمصار وسائر العصور وكذا لأني به قرأت علي مشايخي ومجمع عليه بين سائر الأمة وتلقاه العلماء بالقبول

وقبل ذكري ترجمة الأئمة السبعة أقدم ترجمة يسيرة للإمام الشاطبي رحمه الله تعالي .:ــ

الشاطبي هو أبو القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الشاطبي الأندلسيّ الرعينيّ الضرير ولد في أخر سنة (538 هــ) بشاطبة حيث تلقي فيها القراءات وحذقها علي أبي عبدالله محمد بن أبي العاص النفري ثم رحل إلي بلنسيه فعرض فيها التيسير للإمام أبي عمر الداني كما عرض فيها القراءات علي الإمام بن هذيل وسمع منه الحديث وأخذ علي أبي عبد الله محمد بن حميد كتاب سيبويه في النحو والكامل للمبرد وأدب الكتاب لابن قتيبة ثم رحل للحج عن طريق الإسكندرية فسمع بها من أبي طاهر السلفي وغيره من الفضلاء ولما دخل القاهرة أقبل عليه الناس واجتمعوا حوله يرتشفون من علمه الفياض وينهلون من أدبه الغزير ثم ولاه القاضي الفاضل حاكم مصر المشيخة والتدريس في المدرسة الفاضلية وتصدر للإقراء بها وحضر له الناس من كل حدب وصوب يتلقوا عنه علوم القرآن وأثناء تواجده في هذه المدرسة نظم فيها أربع قصائد وهي .

أولا :ــ حرز الأماني ووجه التهاني اختصر فيها كتاب التيسير للداني ويقول عنها :ـ

أهلـت فلبتـها المعانــي لبابهـــــــــا وصغت بها ما ساغ عذبا مسلسلا

وفي يسرها التيسير رمت اختصاره فأجنـــــت بعون الله منه مؤمـــلا

و ألفافها زادت بنشر فوائـــــــــــد فلفــت حياءَََََََ وجهها أن تفضـــــلا

وسميتها حرز الأمانــــي تيمنـــــا ووجه التهانــــي فاهنه متقبــــــلا

وناديت الهم يا خيـــــر سامــــــــع أعذنــي من التسميع قولا و مفعـلا

القصيدة الثانية:ــ القصيدة الرائية واسمها عقيلة أتراب القصائد في بيان رسم المصاحف العثمانية اختصر فيها كتاب المقنع للداني أيضا ويقول فيها ..

وبي علاقة حب ليس يعلمه إلا الذي خلق الإنسان من علق

القصيدة الثالثة :ــ ناظمة الزهر في علم الفواصل وفيها اختصر كتاب البيان في عد آي القرآن للإمام الداني ..

القصيدة الرابعة :ــ هي قصيدة دالية لخص فيها كتاب التمهيد لابن عبد البر ...

وكان الإمام الشاطبي رحمه الله إماما ثقة ثبتا حجة في علوم القرآن والحديث واللغة كما كان آية من آيات الله في حدة الذهن وحصافة العقل وقوة الإدراك ويزن ذلك كله زهد في الدنيا وورع في الدين وإقبال علي بمختلف العبادات ومتنوع القراءات وكان لا يجلس للإقراء إلا علي طهارة وكان بمنع جلساءه من الخوض إلا في العلم والقرآن .

وتوفي رضي الله عنه سنة 590 هـ تغمده الله بواسع رحمته وغفر له ونفعنا بعلمه وجميع المسلمين .

والآن نشرع بحول الله تعالي في ترجمة .

قال الشاطبي رحمه الله تعالي :ـــ

جزي الله بالخيرات عنا أئمة لنا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا

فمنهم بدور سبعة قد توسطت سماء العلا والعدل زهرا و مندلا

الإمــــــــام الأول نافع وراوييــــــــــــــــه:ـــ

قال الإمام الشاطبي رحمه الله .

فأما الكريم السر في الطيب نافع فذاك الذي اختار المدينة منزلا

وقالون عيسي ثم عثمان ورشهـــــم بصحبته المجد الرفيع تأثــــــــلا

الإمام الأول هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم وكنيته أبو رويم الكريم السر أصله من أصفهان ولونه أسود شديد السواد وكان عالما بوجوه القراءات والعربية وكذا إمام دار الهجرة في القراءة بعد أبي جعفر (يزيد بن القعقاع) وكان اذا قرأ أو تكلم يشم من فيه ريح الطيب ولما سأل عن ذلك قال لم أمس طيبا ولكني رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في المنام يقرأ في فمي وفي رواية رأيته وقد تفل في فمي وهذا معني قول الشاطبي الكريم السر في الطيب .

قرأ رحمه الله تعالي علي سبعين من التابعين منهم شيخه يزيد بن القعقاع قال الإمام مالك رحمه الله تعالي قراءة نافع سنة وقراءة نافع متواترة بدليل أنه قرأ علي سبعين من التابعين وسنذكر لاحقا سند نافع الذي قرأ به .

ثم تصدر للإقراء أكثر من سبعين سنة وقيل له يوما ما أصبح وجهك وأحسن خلقك فقال كيف لا أكون كما تقولون وقد صافحني رسول الله صلي الله عليه وسلم في المنام وعليه قرأت القرآن في المنام ولما حضرته الوفاة قال له أولاده أوصنا فقال لهم اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله .إن كنتم مؤمنين .

سنده في القراءة :ــ

فقلنا أنه قرأ علي سبعين من التابعين منهم أبو جعفر وشيبة بن نصاح و عبد الحمن بن هرمز وابن شهاب الزهري ويزيد بن رمان وقرأ أبو جعفر علي مولاه عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وعل ابن عباس رضي الله عنهما وعلي أبي هريرة رضي الله عنه وقرأ هؤلاء الثلاثة علي ابن عياش وابن عباس وأبو هريرة علي أبيّ بن كعب وأيضا قرأ ابن عباس وأبو هريرة علي زيد بن ثابت وقرأ أبيّ وزيد علي رسول الله وأيضا سمع شيبة القراءة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول صلي الله عليه وسلم فالقراءة متواترة في كل طبقات السند .

وممن قرأ علي نافع الإمامان مالك بن أنس والليث بن سعد وكذا أبو عمرو البصري والمسيبي وابن وردان وابن جماز وأشهر من روي القراءة عن نافع قالون وورش .

وهذه ترجمة كل واحد منهما :ـــ

الــــــــــــــراوي الأول :قالــــــــــــون

هو عيسي بن مينا ولقبه شيخه بقالون وذلك لجودة قراءته وهي في لغة الروم تعني (جيد) وكان أصم لا يسمع البوق وإذا قرئ القرآن سمعه وكان ربيب نافع أي ابن زوجته وكان جد جده عبد الله من سبي الروم وذلك في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

ولد قالون رحمه الله سنة عشرين ومائة هجرية في أيام هشام بن عبد الملك وبدأ قراءته علي نافع سنة خمسين ومائة في أيام المنصور وقال قرأت علي نافع عشرين سنة

بعد الفراغ .

أخذ القراءة عن نافع الذي تلقاها من أبي جعفر بالسند المتقدم وعرض القراءة كذلك علي عيسي بن وردان ..

وروي القراءة عنه خلق كثير ذكر هم ابن الجزريّ رحمه الله في طبقات القراء وتوفي رحمه الله سنة عشرين ومائتين في عهد الخليفة المأمون .

وطريق قالون عن نافع من الشاطبية هو أبو نشيط محمد بن هارون ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

الراوي الثاني ورش

هو عثمان بن سعيد بن عبدالله بن عمرو بن سليمان المصري مولي آل الزبير بن العوام وكنيته أبو سعيد ولقبه ورش .

وهو اللقب الذي لازمه حتي صار لا يعرف إلا به ولم يكن شئ أحب إليه منه فيقول سماني شيخي به وأيضا كان يقول لي اقرأ يا ورش واذهب يا ورش وتعال يا ورش

ولد رحمه الله سنة عشرين ومائة بقفط بلد من بلاد صعيد مصر وأصله من القيروان ورحل إلي الإمام نافع بالمدينة فعرض عليه القرآن عدة ختمات سنة خمس وخمسين ومائة وكان أشقر أزرق العينين أبيض اللون قصير وكان أقرب إلي السمنة منه إلي النحافة وقيل إن نافعا لقبه بالورشان ومعناه (طائر يشيه الحمامة) لخفة حركته .

ويقال إنه قرأ علي نافع أربع ختمات في شهر ثم رجع إلي مصر وله اختيار خالف فيه شيخه نافعا .

توفي بمصر في أيام المأمون سبع وتسعين ومائة عن عمر يناهز السابعة والثمانين عاما .

وأما طريق ورش من الشاطبية هو الأزرق (يوسف بن يعقوب)من إسماعيل النحاس وابن سيف عنه .