هل تستطيع الحيوانات أن تستشعر الزلازل قبل وقوعها؟
علماء يزاوجون بين حواس الحيوان والكمبيوتر لتفادي الزلازل
تشير بعض التقديرات العلمية إلى حدوث 500.000 زلزال ممكن التنبؤ بها في العالم كل عام. وهذه النسبة تضم 100.000 زلزالاً يستطيع الإنسان أن يستشعرها، ومنها 100 تُحدث أضراراً.
وتعد اليابان واحدة من أكبر دول العالم المعرضة للزلازل، حيث حصد الدمار أرواحاً لا حصر لها وسبب أضرارا هائلة في الممتلكات. وقد أجرى الباحثون هناك دراسات على الحيوانات منذ زمن بعيد أملاً في اكتشاف ما يسمعونه أو يحسونه قبل تزلزل الأرض من أجل استغلال هذا الاستشعار كأداة تنبؤ.
على الجانب الآخر، يتخذ علماء الزلازل الأمريكيين موقف الشك من هذه المسألة. وبالرغم من وجود وثائق تسجل السلوك الحيواني الغريب قبل وقوع الزلازل، إلا أن إحدى الدراسات التي مولتها جمعية الدراسات الجيولوجية الأمريكية، وهي وكالة حكومية للتزويد بالمعلومات العلمية حول الأرض، تقول بعدم وجود صلة بين سلوك معين ووقوع الزلازل. وتقول آندي ميشيل المتخصصة بفيزياء الأرض في الجمعية إن ما نقابله عبارة عن مجموعة كبيرة من الحكايات والنوادر.. فالحيوانات تتفاعل مع العديد من الأشياء، مثل الجوع، الدفاع عن أرضها، التزاوج، الافتراس.. ولذا من الصعب أن نحصل على دراسة محكمة لفهم الإشارات التحذيرية الأولية.
وإبًّان السبعينيات من القرن الماضي، قامت جمعية الدراسات الجيولوجية الأمريكية بإجراء بعض الدراسات على تنبؤ الحيوانات بالزلازل، ولكن كما تقول العالمة ميشيل: "لم يتم التوصل إلى نتائج مادية". ومنذ ذلك الحين، لم تقم الجمعية بمزيد من البحوث في هذه النظرية.
وبرغم كل شيء، ظل الباحثون حول العالم يبذلون الجهد حول تنبؤ الحيوانات. وفي سبتمبر/ أيلول 2003، أعلن طبيب باطنة في دراسة له إمكانية الاستفادة من السلوك الغريب للكلاب، مثل النباح المفرِط أو العض، في التنبؤ بالزلازل.
وكانت هناك أيضا أمثلة حية حيث استطاعت السلطات التنبؤ بأحد الزلازل الكبرى بنجاح مرتكزة بشكل جزئي على ملاحظة التصرفات الغريبة التي انتابت الحيوانات. على سبيل المثال، قام المسؤولون في الصين عام 1975 بإجلاء سكان مدينة هايتشنج البالغ عددهم مليون نسمة قبل أيام من زلزال بلغت قوته 7.3.
وتم إنقاذ المدينة فيما عدا حدوث بعض الإصابات ومصرع القليل من السكان، ولو لم يحدث اجلاء سريع للسكان لوصل عدد القتلى والجرحى إلى ما يربو عن 150.000 شخص حسب بعض التقديرات، ويرى البعض أن واقعة هايتشانج هي التي أعطت الناس الأمل في إمكانية التنبؤ بالزلازل، ودفعت جمعية الدراسات الجيولوجية الأمريكية، على حد قول ميشيل، إلى إجراء دراسات حول السلوك الغريب للحيوانات.
و قالت ميشيل إن بوادر الزلزال هي التي دفعت المسئولين إلى التنبؤ الجيد، فيما يرى روبرت شِلدريك عالم البيولوجيا ومؤلف كتاب (الكلاب التي تعرف متى يعود أصحابها إلى البيت) وكتاب (الشعور بأن هناك من ينظر إليك) إن الصينيين مازالوا يتأملون سلوك الحيوانات للمساعدة في التنبؤ بالزلازل، موضحا أنه كانت لهم تجارب ناجحة عديدة وإلى جانبها بعض حالات الذعر الكاذبة.
وأوضح شلدريك أنه من الممكن التوصل إلى الرابطة الموجودة بين السلوك الحيواني والتنبؤ بالزلازل ولكن كما اكتشف الصينيون: ليس كل الزلازل تسبب سلوكاً حيوانياً غريباً بينما يحدث العكس. والبحث فقط هو الوسيلة التي تمكنّنا من اكتشاف السر وراء هذه الفروق
وقد أجرى شِلدريك دراسته الخاصة بالتأمل في رد فعل الحيوانات قبل الهزات الكبرى، بما فيها الزلازل التي وقعت في كاليفورنيا عام 1994 وأخرى في اليونان وتركيا عام 1999. وفي كل الحالات، حسب قول شلدريك، كانت هناك تقارير تتحدث عن سلوك غريب من نوع خاص يسبق الحدث، مثل نبح الكلاب بشكل غامض في الليل، قلق ينتاب الطيور في أقفاصها، ونزوع القطط الخائفة نحو الاختباء.
بيد أن علماء الجيولوجيا يرفضون هذه الأنواع من التقارير ويرجعونها إلى "تأثير التركيز النفسي"، حيث يتذكر الناس سلوكيات غريبة فور وقوع زلزال أو كوارث أخرى. ويؤكدون إنه لو لم يحدث شيء أو تقع مثل هذه الكوارث، فإن الناس لم تكن لتتذكر أي سلوك غريب.
ويصر شِلدريك على اختلافه مع علماء الجيولوجيا الذين يرفضون تقاريره، فقد تكلم الناس عن أحداث مشابهة لسلوكيات الحيوانات قبل وقوع الزلازل بشكل مستقل في جميع أنحاء العالم. إنني لا أعتقد إن الجميع قاموا بتأليف قصص متشابهة أو أنهم قد عانوا جميعا من خداع الذاكرة.
ويؤكد شلدريك أننا في حاجة إلى مزيد من البحث في مجال التنبؤ بالزلازل، ويعرض خطاً ساخنا خاصا وموقعاً على الإنترنت من أجل تلقي مكالمات ورسائل الناس إذا رأوا سلوكاً غريباً ينتاب حيواناتهم. ويقوم جهاز كمبيوتر بتحليل الرسائل الواردة لتحديد أماكن المرسِلين. والاندفاع المفاجئ للمكالمات الهاتفية أو رسائل البريد الإلكتروني من منطقة معينة قد يشير إلى احتمال وشيك لوقوع زلزال. ويتم فحص المعلومات للتأكد من أن المشاهدات الراصدة لم تكن بسبب الظروف الأخرى المعروفة بتأثيرها على الحيوانات وسلوكها مثل الألعاب النارية أو تغيرات الطقس.
ولتجنب إصدار تحذير كاذب، فإن البيانات، حسب كلام شِلدريك، ستستخدم بمصاحبة أجهزة رصد أخرى مثل أجهزة قياس الزلازل، مثل هذا المشروع سوف يأخذ بخيال ملايين الناس، ويشجع على المشاركة العامة على نطاق واسع، ويدفع البحث إلى الأمام.. وسيكون ممتعا، ولكنه يستدرك قائلا إن ما يعوق تقدم هذا المشروع ليست النفقات المادية، وإنما في الدغمائية وضيق الأفق
منقولـ،ــــ