صح عنه -عليه الصلاة والسلام- عند الترمذي وأحمد أنه قال لابن عمه -حبر الأمة- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: {يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف } زاد أحمد في المسند : {واعلم أن الفرج مع الكرب، وأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسراً }.
وهذا الحديث صحيح، وهو وصية محمد -عليه الصلاة والسلام- للأولين والآخرين.
قال بعض الصالحين: إذا أردت أن توصي حبيبك أو صاحبك أو ابنك فقل له: احفظ الله يحفظك.
قال أحد العلماء: تأملت في هذا الحديث فكدت أدهش لما فيه من معان جليلة.
ولذلك قال سليمان بن داود عليه السلام وعلى أبيه: تعلمنا مما تعلم الناس ومما لم يتعلم الناس فما وجدنا كحفظ الله في الغيب والشهادة.
وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه لـمعاذ وأبي ذر : {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن }..
نماذج ممن حفظوا الله فحفطهم:
أبو الطيب الطبري يقفز من السفينة
أتى أبو الطيب الطبري -أحد علماء الإسلام- إلى سفينة فركبها، فلما اقترب من الشاطئ -وهو في السبعين من عمره- أراد أن يدلف إلى الشاطئ فقفز، وكان معه شباب فأرادوا أن يقفزوا فما استطاعوا؛ فقالوا له: كيف استطعت وما استطعنا وأنت شيخ كبير؟ قال: هذه أعضاء حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر. ?فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [يوسف:64] وهذه القصة ذكرها ابن كثير رحمه الله.
فالعين يحفظها الله إذا حفظت الله، والسمع يحفظه الله يوم يحفظ الله، وكذلك اليد والرجل: ?فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [يوسف:64].
عقبة بن نافع ينادي الوحوش:
خرج عقبة بن نافع قائداً للمسلمين ليفتح شمال أفريقيا ، فلما وصل إلى شمال أفريقيا ودخل غابة أفريقيا الموحشة، وإذا بالأسود في طريقه والحيات والعقارب، فقام فصلى ركعتين، وخرج مترجلاً حتى صعد على صخرة وسط الغابة وقال: أيتها الأسود -ينادي الأسود في الغابة - أيتها السباع! أيتها الحيات! أيتها العقارب! نحن أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام جئنا نفتح الدنيا بلا إله إلا الله محمد رسول الله، ادخلي في بيوتك. قالوا: فدخلت في جحورها وخرج.
هؤلاء الذين حفظوا الله فحفظهم الله .
وكما أن هناك من الشعراء من حفظ الله فحفظهم الله، فإن هناك من ضيعوا الله فضيعهم الله تعالى.......
امرؤ القيس ضيع الله فضيعه الله
وممن ضيع الله على ذكر الأدب: امرؤ القيس ، ضيع شبابه في المعصية فضيعه الله، ما عرف إلا النساء والخمر فضاع.
ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {قائد الشعراء إلى النار امرؤ القيس } ومعه ابن هاني الأندلسي ، أحد الفجرة، دخل على خليفة وقال:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
يقول للسلطان: احكم فأنت الواحد القهار، فعلمه الله من هو الواحد القهار، وأعطاه درساً لئلا ينسى من هو الواحد القهار؛ خرج من القصر فأصيب بمرض، قالوا: كان يعوي كال على فراشه ويقول: أنت الواحد القهار، وأخذ يبكي ويقول:
أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق
لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق
كيف نحفظ الله :
?
ويبقى حفظ الله -عز وجل- ورعايته لأوليائه، لكن من هو الذي يحفظ الله ليحفظه الله؟
لأن الله يقول: ?لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ? [ق:32] والأواب: الرجاع إلى الله، كثير التوبة والندم والاستغفار، كثير العبادة والإنابة، والحفيظ: الذي يحفظ حدود الله. وحفظ الله يأتي بتقوى الله.
وتقوى الله: أداء ما أمر، واجتناب ما نهى، وتصديق ما أخبر.
وتقوى الله أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية.
وتقوى الله: أن يكون أخوف من تخاف منه هو الله، لأن أي شيء إذا اقتربت منه أمنته إلا الله، فإنك إذا اقتربت منه خفته: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ? [فاطر:28].
وتقوى الله قال فيها أبو الحسن علي رضي الله عنه وأرضاه: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.