تدري العمر .. مَرَّة !!
ــ ــ ــ ــ ــ ، ــ ــ ــ ــ ــ
هذا أنا يا سيّدي .. وجهي يُهادنهُ النهار
ومُقلتي فيها هديـرُ الليل والحــزن الفتي !!
،
ياسيّدي .. هذا الغياب هائلٌ وهــو يشطرُ البدن
هذا الغياب هائل .. وهــو يصهرُ الذكرى بالدم ، و يجمدُ النبض !!
أينَ أنتَ يا أبيضَ الغيم ؟! لمَ كُلَ هذا الحِدَاد ؟؟
لـِ هذا الذي تركَ مفاتيحَ الحق تقلبُ موازين الحياة .. ما تبقّى من قيمةَ العهــد
ولنا كُـلُ الكرامة التي نختزنها عندَ مصبّاتِ التذكــر
لعلَ فُسحة الرحمة تشملُ القلب .. وإلا كم ذا يسعُنا من الغَصّات ..؟! والمحبةُ أطيافٌ وامضةٌ لا تغيب
لأجلِ ذاكَ كان مكان الخلود شيءٌ يُسمى الحنين .. (!)
(1)
لن نذهبَ إلى مراثي الفقد ....
ولكننا نتذكر ، نتذكر ، وحسب .. ذلكَ النّجمُ النّائف.. والسلسبيل ..
وتلكَ القامةُ وتفاصيلها المستحيلة .. وهي ترسمُ نفسها حبَّةٌ مِنْ ضِيـَاءْ ..
أو ، كـ نورٍ نثرَ الفجر على الظلام ثمَ غَادَرَ قفْر الأَسَى وامتلأ بمفردات الحياة وأَعْطَى للعمْرِ عُمرًا .. وللرّدَى ، عُمْرُ الثرَى ..
ما أكبرُ الـ هِمّه حينَ نافست النجوم في مساكنها ، والبدرُ في حُبهِ للضياء
ما أكرمُ النفسَ حينَ كان حديثها ، كان إحساسها مثل وردة عطرة ، مثل ثمرة جنةٍ نضرة حملها الزمان
فكان وجودها وصداها بين ثنايا الحيـــاة .. هِبةٌ .. أتى بها المولى مثلُ قَدَرٍ رحيم ، مثلُ نـــور نُطلُ به على خطواتنا في الظلمة ..
مثل قِمةٍ عالية ، يضوي في أعاليهــا شموخُ .. يذهبُ في كل الجهات كـ عينِ اليقين لـِ يوزّعَ صوته بين طيّات الحلم الغافي على كتف الزمان نشيدا للسلام .
(2)
رحل الفيصل كـ غيمةٍ كبيرة ..
ذهبَ وأخذَ معـهُ من الصبح نـور .. ذهبَ والنبض مكسورالسنين .. يبتلع المسافات المسكوبة على هامش الدرب والوقت .
ولكن .. كَم مرةٍ .. شققنا جيوب الذاكرة ، ولم يَسقُط ؟! .. بل إننا نراهُ في فصولِ العِزِّة وعواصف الورق والحبر والحب !
كَم مَرةٍ سهوناه .. ونحنُ نتمطى حول ممرات الحزن ونتناول الصبرُ بـ عِروَةٍ وثقى ونعجنةُ بماء الـ فَقْد ، ثُمَ ما يلبثُ الغيم أن يضجُّ بصورتهِ
كـ غسولٍ طهور يُسرفُ في الشذى .. هكذا يتناسل الغمام في داخلنا ..
إنهُ القامةُ والقيمة ، إنهُ الحضورُ الدائم الذي جَعَلَ خيوط اليقين تتبرجُ في العراء ولا تختبئ فـي حقائبِ النسيان ..
(3)
لكن ليس ذلك كل شيء ..
يا أجملَ الشُهداء .. ليتكَ تعلمُ أن الغيابُ ِبيدرُ جوع .. وناي دموع .. ودموعنــا تحاصرها الكبرياء .. ولم يبقى لنا غيرَ نُبلُ مشاعر نُصْلحُُ بها بعض الشروخ ..
غيابُكَ الذي لا يُعدُ ولا يحصى .. بحرٌ لا تملأُ عينيه مبالغُ الخسارة .. أنهُ محضُ انتهاكٍ لحُرمَة المسرات..
ولكنهُ لن يثني شِغافَ الروح عن زعفران نُورِكَ وانبعاثُ طيفكَ .. سَتظلُ كما أنتَ .. "النجمُ" النائفُ .. في أفنانِ القلوب
ومهما حاولتَ في مساركِ اللولبي أن تزيدَ من مسافاتِ البعاد سـ نكون معكَ هناكَ على هودجِ الشموخ وأنتَ تُخيطُ بـِ أناملك الخمس
في الشرايين خلود الأمنية..
آه ، لو تنهضُ اللحظات ، كل اللحظات الغالية ، من رقادها .. ثمَ تقينا من برودة الزمن وحوافر الوحشة ..
آه ، لو احتفظت المرايا بالوجوه ، كل الوجوه الجميلة لـِ نتأملها بشوقٍ يأوي إليهــا من مكانٍ بعيد ..
أنني لا احلم .. بل أتكهن بأن الذي مضى والذي طَوَتّهُ الدروبُ ، باقٍ .. وإنّ الذينَ نحبهم يرصدوننا بمنظار يشدّه عشقُ الخلود .. بين تلافيفِ العروق (!)
ليتنا حينَ تتدلى رؤوس الحنين نأوي إلى معطفِ الروحِ ونغفو .. ليتَ أقلامنا تنزفُ أقدسَ مافي الذاكرة من ماء لـِ نُغرق هذا المكان .. بالحرفِ الطهور ..
(4)
في مدينة الرياض .. كانت ساعةُ التاريخ تُشيرُ إلى تمام نهار اليوم الخامس والعشرون من شهر مارس لسنة 1975م ..
هناكَ أنطفت جذوة الـروح في الجسد الذي لم تخذله حزمـة عظامه في رسمِ أطياف الكرامــة منذ المصبات البعيدة حتى استقام ذلكَ النهار
سبعونَ (70) عامـاً تَسّحبُ من المشجبِ العالي آخـر نهارٍ لها وتنسكب مع الدمعة الأخيرة التي فاضت للتو من محجر العين ..
غيرَ أنَ الحِبرُ مازال يرسـم شعاع النـور ... تعويذة النبض .. إحساس ..
لا شيء .. لا شيء .. / فقطـ .. لـِ نقرأ على (الفيصلِ) السلام عقداً يَتَزَيّنُ بــه التاريخ حتى تُغادِرنا حَناجِرُنا جِهارا !!
****
إضاءة ..
وأنا في حاشية هذا الأسـر الخرافي داهمتنـي إغماءة لذيذة وباهرة أتتني من هناك وتدثرتُ بها
يا هذا الساكنُ في الأقاصي : واللهِ لقد أخذتني ياهذا إلى جنّتك .. تلكَ التي تهبُ أوسمـة الحريـر !! .. هُنــا حاولتُ تلحينَ المطـر
مماراق لي..~ْ