السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فلنستدرك ما مضى بما بقى ، وما تبقى من ليال أفضل مما مضى ، ولهذا كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا دخل العشر شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ
أهله )) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها . وفي رواية مسلم : ( كان
يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ) وهذا يدل على أهمية وفضل
هذه العشر من وجوه : أحدها : إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر شد
المئزر ، وهذا قيل إنه كناية عن الجد والتشمير في العبادة ، وقيل : كناية عن
ترك النساء والاشتغال بهن . وثانيها : أنه صلى الله عليه وسلم يحي فيها الليل
بالذكر والصلاة وقراءة القرآن وسائر القربات . وثالثها : أنه يوقظ أهله فيها
للصلاة والذكر حرصاً على اغتنام هذه الأوقات الفاضلة . ورابعها : أنه كان
يجتهد فيها بالعبادة والطاعة أكثر مما يجتهد فيما سواها من ليالي الشهر .
وعليه .
__________________________________________________ _
اغتنم بقية شهرك فيما يقرِّبك إلى ربك ، وبالتزوُّد لآخرتك من خلال
قيامك بما يلي :
************************
1- الحرص على إحياء هذه الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والقراءة وسائر
القربات والطاعات ، وإيقاظ الأهل ليقوموا بذلك كما كان صلى الله عليه وسلم
يفعل . قال الثوري : أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد
فيه ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك . وليحرص على أن يصلي
القيام مع الإمام حتى ينصرف ليحصل له قيام ليلة ، يقول النبي صلى الله عليه
وسلم : (( إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة )) رواه أهل
السنن وقال الترمذي : حسن صحيح .
2- اجتهد في تحري ليلة القدر في هذه العشر فقد قال الله تعالى :{ لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }[القدر:3]. ومقدارها بالسنين ثلاث وثمانون سنة وأربعة
أشهر . قال النخعي : العمل فيها خير من العمل في ألف شهر . وقال صلى الله
عليه وسلم (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه
. وقوله صلى الله عليه وسلم [إيماناً]أي إيماناً بالله وتصديقاً بما رتب على
قيامها من الثواب. و[احتساباً] للأجر والثواب وهذه الليلة في العشر الأواخر
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ) متفق عليه .
وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع ، لقول النبي صلى الله عليه
وسلم : ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ) رواه البخاري .
وهي في السبع الأواخر أقرب , لقوله صلى الله عليه وسلم : ( التمسوها في
العشر الأواخر , فإن ضعف أحدكم أوعجز فلا يغلبن على السبع البواقي ) رواه
مسلم . وأقرب السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين لحديث أبي بن كعب رضي الله
عنه أنه قال : ( والله إني لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين ) رواه مسلم .
وهذه الليلة لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام بل تنتقل في الليالي تبعاً
لمشيئة الله وحكمته .
قال ابن حجر عقب حكايته الأقوال في ليلة القدر : وأرجحها كلها أنها في وتر
من العشر الأواخر وأنها تنتقل ...قال العلماء : الحكمة في إخفاء ليلة القدر
ليحصل الاجتهاد في التماسها , بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها ..
وعليه فاجتهد في قيام هذه العشر جميعاً وكثرة الأعمال الصالحة فيها
وستظفر بها يقيناً بإذن الله عز وجل .
والأجر المرتب على قيامها حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم , لأن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر .
3- احرص على الاعتكاف في هذه العشر . والاعتكاف : لزوم المسجد للتفرغ
لطاعة الله تعالى . وهو من الأمور المشروعة . وقد فعله النبي صلى الله عليه
وسلم وفعله أزواجه من بعده , ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه
الله - عز وجل – ثم اعتكف أزواجه من بعده ) ولما ترك الاعتكاف مرة في رمضان
اعتكف في العشر الأول من شوال , كما في حديث عائشة رضي الله عنها في
الصحيحين .
قال الإمام أحمد – رحمه الله - : لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن الاعتكاف
مسنون والأفضل اعتكاف العشر جميعاً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم
يفعل لكن لو اعتكف يوماً أو أقل أو أكثر جاز . قال في الإنصاف : أقله إذا
كان تطوعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمى به معتكفاً لابثاً. وقال سماحة الشيخ ابن باز
رحمه الله : وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم .
وينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والاستغفار والقراءة والصلاة والعبادة ,
وأن يحاسب نفسه , وينظر فيما قدم لآخرته , وأن يجتنب ما لا يعنيه من حديث
الدنيا , ويقلل من الخلطة بالخلق . قال ابن رجب : ذهب الإمام أحمد إلى أن
المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس , حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن , بل
الأفضل له الانفراد بنفسه والتحلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه ,
وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية ...
منقول للفائده
____
اللهم احعلنا من عبادك المتقين الغانمين في شهرك الكريم
واجعل صيامنا وقيامنا مقبولين عندك يارحم الراحمين