حتى نحصل على الثمرة المرجوة من الصيام لابد أن يكون صيامنا كما كان عليه حال سلفنا الصالح, تنافساً في الطاعات, وتزوداً من النوافل والقربات, ومن أهمها أداء الفرائض مع جماعة المسلمين, والحرص على أداء صلاة التراويح والقيام, وبذل الصدقات للمحتاجين, وتجنب كل ما يخدش ويفسد الصيام من الأقوال والأفعال.
لقد كان السلف –رحمهم الله- مثالاً رائعاً في الحرص على أنواع الطاعات والقربات خاصة في رمضان.
ولما كان للصدقة في رمضان مزية وخصوصية فقد كان السلف يتسابقون في ذلك ابتغاء رضوان الله, وذلك في صور متعددة منها إطعام الطعام سواء كان بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح -حيث لا يشترط في المطعم الفقر- قال –صلى الله عليه وسلم- ((أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ))1.
ومما يبين حرصهم ذلك قول زيد بن أسلم: "سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي, فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟)) قُلْتُ مِثْلَه,ُ قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ, فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟)) قَالَ: "أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" قُلْتُ لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا"2. هكذا كان حرصهم في إرضاء ربهم وحبهم الخير للآخرين عموماً وفي رمضان خاصة.
ومن صور تقربهم إلى الله في رمضان أن كثيراً منهم كان يؤثر بفطوره وهو صائم, منهم عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- وداود الطائي, ومالك بن دينار, وأحمد ابن حنبل, وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين, وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه فلم يفطر في تلك الليلة!!
وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم ويروحهم, منهم الحسن وابن المبارك. وقال أبو السوار العدوي –رحمه الله-: "كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده, إن وجد من يأكل معه أكل, وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه. يا لها من نفوس طاهرة محبة للخير والإحسان خاصة في أيام النفحات.
أخي الكريم: انظر كيف كان هؤلاء النخبة ممن اصطفاهم الله كيف كانوا يشمرون في مرضات الله واسلك سبيلهم, واجعل من رمضان شهر عبادة ودليل سعادة وخير وسعادة, وتذكر أن إدراكك لهذا الشهر المبارك نعمة عظيمة, فها أنت ذا تحيا صحيحاً سليماً, وها قد أتاك رمضان وأنت ضارب عنه بالنسيان, تذكر يوم توضع في القبر:
وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة فعند اللقاء ذا الكد يصبح زائلاً
فما هي إلا ساعة ثم تنقضــي ويصبح ذا الأحزان فرحان جاذلاً
تذكر أخي الصائم أن فلاح الدارين متعلق بتحقق التقوى في نفسك, ثم تذكر أن رمضان سبيل التقوى, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}4.
فكيف يعبد المسلم ربه في رمضان وكيف يقضي لحظاته ليلحق بذلكم الركب الصالح فيكون من المتقين الفائزين بفضله وثوابه؟
بادر -رحمك الله- بالتفرغ للعبادة والتوبة والاستغفار, وبالصدقة والمحافظة على الأذكار, والتبتل والدعاء بالأسحار قبل فوات الأوان.
واللهَ أسأل أن يجعل شهر رمضان شاهداً لنا بالخيرات, لا شاهداً علينا بالذنوب والسيئات, وأعتق يا ربنا رقابنا من النار في هذا الشهر الكريم, وألحقنا بسلف الأمة المهتدين, برحمتك يا أرحم الراحمين.