أثقلت يداي بالأوراق وأثقل رأسي بالأفكار , تعودت أن تكون مشيتي سريعة , ولكني اليوم أحس أنني أجر رجلي جرا في هذه الممرات , الحمد لله أنني صورت جميع ما أريد تصويره قبل أن تحجز الآلة من قبل الأخريات وها أنا أمضي إلى قاعتي , فهناك بلابلي تنتظر قدومي ...
ولكن ...
لفت انتباهي بحالته البائسة , تلميذ لا إخال إلا أنه في الصف الأول الأساسي صغير البنية , بائس الملامح , ملابسه وشكله يوحيان بأن بؤس العالم قد تجمع فيه , يجلس مطأطأ الرأس مع انحنائه إلى الجانب الأيمن , سبحانك ربي !!!
يبدو أنه بالصف الأول وأنه لم يتأقلم بعد على جو المدرسة لذا هو في الخارج , ولكنه يجلس بجانب قاعة الصف الثاني !!! ترى لم ؟؟
هل له أخ أو أخت هنا !!!
ما أقسى أن تدور بذهنك أسئلة ثم لا تملك الوقت أن تبحث لها عن إجابة فلن أستطيع البحث الآن عن إجابة لهذه الأسئلة لأنني تأخرت بما فيه الكفاية عن الحصة .
ولكن هل الحصة أهم من معرفة لم هذا المسكين هنا ؟
اقتربت منه أسأله :
ما اسمك ؟
ليث
لماذا أنت هنا ؟
الأستاذة لم تعطني سيارة .
صدمتني جملته كيف يريد من الأستاذة أن تعطيه سيارة !!! لا بد أنه مختل عقليا , ولكن استدركني التفكير أنه يقصد لعبة سيارة وليست السيارة بمعنى الكلمة .
فقلت له : من أستاذتك ؟
قال :الأستاذة فلانة .
وفلانة هذه هي صاحبة القاعة التي هو بجانبها .
إذن التلميذ في الصف الثاني وليس الأول .
قررت أن أعرف قصته ولكن الوقت الآن لا يسمح بذلك , إلا أنني قبل الذهاب طرقت الباب على معلمته وطلبت منها أن تدخله .
قالت : لا يرضى أن يدخل
فقلت لها : حاولي .
وتركتهما وذهبت إلى قاعتي .
سبحان الله !!
صورة ليث لم تفارقني , ماثلة أمامي وأنا أشرح وأنا أسأل , تتخطى كل جسور المشاغل و كل صور التلاميذ لدي لتقف هي وحسب .
حملتني رجلاي بعد الحصة مباشرة لأذهب لأستاذة ليث أسألها عن قصته ومن حسن حظي أنني وجدتها فارغة ليس لديها حصة .
دلفت إلى القاعة الفارغة جلست إليها بادرتها : ما قصة ليث هذا ؟
قالت بكل تعجب : هذا ليث ألا تعرفيه ؟!!!
قلت : لا
زاد استغرابها وقالت : من لا يعرف ليثا !!
قلت لها : أنا .
قالت : حسنا سأخبرك عنه .
ليث هذا تلميذ يجسد صورة الحاضر الغائب خير تجسيد .
كيف ؟؟
قالت : هو هكذا منذ الصف الأول دائما خارج الصف نادرا ما يحضر حصة وإن حضر فليرفع ضغطي وحسب , بشقاوته ومشاغبته , أو ليطلب هدية بدون مناسبة .
قلت لها : ومستواه الدراسي ؟
قالت : صفر
دهشت لما أسمع , كيف يوجد تلميذ في مدرستنا بهذه الحالة وأنا لا علم لي !!
أين كنت طوال الصف الأول للتلميذ !!
قالت : هل نسيت أننا في الصف الأول كنا في ذلك الجناح وأنتم هنا في هذا الجناح من المدرسة ؟ لذلك لم تلاحظيه فنحن كنا هناك بعيدين عنكم .
همستُ : نعم نعم يبدو أن الوضع كذلك .
سألتها : إلى أي مدى وصل مستواه ؟
قالت لا يكتب حتى حرفا واحدا .
قلت لها : يبدو أنه غير طبيعي .
قالت : نعم هو كذلك فهو يعاني من ظروف أسرية جعلته في هذه الحالة , وقد استدعينا أهله , وعرضناه على الطبيب وو ...
ولكن كل ذلك لم يسفر عن نتيجة سوى وجود تلميذ لدي هو الحاضر الغائب , لا يستفيد شيئا أبدا .
قلت : ألم تحاولي أن تعلميه شيئا ؟
قالت : وماذا كنت أفعل طوال السنة الماضية وهذه السنة غير المحاولة والمحاولة فقط , ولكن دون جدوى .
: هل يئست ؟
بصراحة نعم , ولكن يأس يشوبه الأمل فما زلت أحاول رغم كل ما مررت به من فشل في إصلاح حالته .
خرجت من عندها أجر أذيال الحزن والأسى , ولكني أفكر كيف يمكن لي معالجته ؟
ترى هل بإمكاني فعل شيء له ؟
فلأحاول , لا بل سأعمل بإذن الله تعالى .
مرت الأيام وأنا أرى ليثا ولا أوليه اهتماما كأن ما قالته معلمته عنه قد سرّب إلي إحساس اليأس أن أحاول معه أو ربما ازدحام الأعمال تجعل المعلمة لا يمكنها الالتفات لغير تلاميذها حتى وإن فكرت فهي لن تجد الوقت لتفعل شيئا , هل هي حجة الكسول الضعيف الذي لا يتطلع إلى غير إلى عمل الخير ؟ أم هي الأنانية في أبهت ثيابها ؟؟
أيا كان السبب فالنتيجة واحدة وهي :
تلميذ مهمل يعي ولا يعي حاضر غائب , ليس له من التلمذة سوى ملابس يرتديها وحقيبة ناءت بها يداه الضعيفتان .
أحيانا يعصرني الألم وأنا أراه بهذه الحالة وأفكر جديا بعمل شيء له , ولكن بقي تفكيري هذا طي الإحساس , إحساس لم يترجم إلى عمل وتفكير ظل في أعماق الذاكرة لم يطفُ على سطحها ليخرج إلى النور , لأقدم شيئا لهذا التلميذ .
ومضت الأيام هكذا إلى أن جاء اليوم الذي قابلت فيه سعادة الوكيلة الدكتورة منى الجرداني وكيلة التعليم والمناهج بوزارتنا , وبتجاوز أسباب المقابلة وتفاصيلها , فوجئت بها تقول :
أريدك أن تكتبي عن التلميذ الذي لا تحبه المعلمة .
لم أستطع إخفاء دهشتي يومها وأبديت استغرابي , وقلت بكل تعجب :التلميذ الذي لا تحبه المعلمة !!!!
قالت بكل قوة : نعم.
فقلت : عفوا سعادة الوكيلة لا تحبه أي تكرهه , كيف تكره المعلمة تلميذها !!!
قالت : هذا يحدث كثيرا , ألا يحدث أن يكون لدى المعلمة تلميذ يزعجها كثيرا بشغبه أو يكون ذا مستوى ضعيف يجعلها تحس بملل منه ونفور ؟
قلت نعم : ولكن لا تكرهه
قالت : حسنا لا تكرهه ولكنها تتضايق منه ربما لا تحبه .
أريدك أن تكتبي عن هذه الفئة من التلاميذ .
ـــــــ
بيني وبين نفسي كنت أستحضر فئات معينة وأسماء بعينها من هؤلاء التلاميذ لدينا في المدرسة ولكن ذررت على تخيلي ذاك تراب الكتمان حتى لا يظهر وحمدت الله أنها لم تنفض ذلك التراب لتجد الأسماء حاضرة جاهزة لدي وإلا لربما فتحت على نفسي بابا من المناقشة لا ينتهي
ترى هل أحست هي بما أخفيه ؟
هل أحست بأنني في نفسي أقول هؤلاء التلاميذ موجودن بكثرة في المدارس وربما المعلمات هنّ من ساهم في إيجاد هذه الفئة من التلاميذ .
فعلا قد نتخذ من تلميذ معين موقف الكره والنفور وإن لم نكرهه ولكنا ربما لم نحبه لأي سبب من الأسباب ولجهلنا بكثير من أساليب التربية قد نسرب له هذا الإحساس فيتراجع بدل أن يتقدم وأذكر يوما كنت في غرفة المعلمات وكنا نتحدث عن مشاكل التلاميذ فقلت : لقد قلت جملة للصف الرابع الأساسي المفترض لا تقولها معلمة لتلاميذها أبدا , قلت لهم : الحمد لله أنكم بصف رابع وأنكم ستفارقوننا إلى غير رجعة .
قالت معلمة أخرى ما قلته أنا أدهى وأمرّ : قلت لتلميذ أيضا في الصف الرابع : لماذا تأتي إلى المدرسة ؟ لماذا تتعب أهلك ليصرفوا عليك وتتعب معلماتك في الشرح وأنت وجود كالعدم ؟؟ أن تجلس في البيت خير لك فربما يجد لك والدك حرفة ولو أن تزرع أو تنجر خير لك من الذهاب والإياب إلى المدرسة بلا فائدة .
كل هذا تراءى لي وأنا أتابع سعادة الوكيلة في كلامها المنطقي الموزون وعندما عدت وكنت في السيارة لا زال حديثها يتردد في أذني حتى قذفت بي الذكريات بشاطئ ليث فقلت في نفسي : ليث هو خير مثال من تلك الفئة التي تحدثت عنها سعادة الوكيلة , وعدت للمنزل وللمدرسة وفي ذهني دراسة حالة ليث .
سبحان الله !!!
الآن أحسست به وبضرورة دراسته ؟ هل لأن الأمر جاء من الأعلى ؟
ولكنه لم يكن أمرا , كان مجرد اقتراح منها .
وبإمكاني الرفض أو القبول
نعم ولكن النفس تأبى الرفض ربما حبا وربما احتراما وربما إحساسا آخر بالنشوة لتقدير قلمها من جهات عليا , جهات ربما لم تتوقع يوما أن تقابلهم في مكان فإذا بها تجالسهم في المكتب .
هل هو الضعف البشري أمام قوة الجاه ؟؟
ولكنها إنسانة عظيمة وغاية في سمو التواضع وعلو الهمة , إنسانة تجعل اقتراحاتها أوامرا يجب تنفيذها بما تفرضه شخصيتها من وجود في قلوب الآخرين .
لن نفيض كثيرا في الحديث عنها لأننا لن ننتهي إذن ولنعد الآن إلى ليث وكيف تطورت قصته ؟
أصبحت عيناي تبحثان عن مكان ليث تلقائيا ودون تفكير أجدني ذاهبة إليه , أسأله , أتحدث إليه , وهو يجيب ولا يجيب , كان الصمت هو أكثر شيء يتقنه ليث , صمت متوج بابتسامة بائسة مطأطأ الرأس كعادته ينظر إلي بطريقة غريبة حيث أحس أحيانا بخبث تلك النظرة وهو يستلها من بين صمته وطأطأة رأسه , تدور عيناه بطريقة غريبة موجها بصره إلي .
قررت بعدها مراقبة ليث في داخل الفصل , هل هو يختلف عما هو عليه هنا ؟ ما قالته معلمته يؤكد اختلافه تماما .
استأذنتها يوما لأحضر لمراقبته , وفعلا حضرت , كان ليث مختلفا , لا ليس مختلفا فلا زال صامتا ولا زالت ابتسامته تلك كما هي , ولكن ما يختلف هنا أنه يجد بجانبه من يضايقه فهو دائم الحركة ومضايقة زملائه يضرب هذا ويدفع هذا وينتقل من مكانه ويفعل كل ذلك بابتسامته المعهودة وصمته المعهود أيضا , وما إن تنهره معلمته حتى يعود لمكانه وهدوئه بنفس الابتسامة والهدوء أيضا وكأنه لم يفعل شيئا .
تضايق منه زميله حتى قال لمعلمته : أستاذة إذا لم تعاقبيه سأضربه أنا .
نقلته معلمته إلى مجموعة أخرى ونفس النتيجة مع زميلته هناك .
لم يكن بيد المعلمة إلا أن تنقله على طاولتها هي فقالت له : أحضر كرسيك وتعال اجلس هنا .
أحضر ليث كرسيه وجلس على طاولة المعلمة ولكن ...
كان قريبا من المجموعة الأولى فصار ينتهز أية فرصة لانشغال المعلمة فيقوم من مكانه ويذهب يشاغب في تلك المجموعة مضايقا زملاءه كالسابق وكأن المعلمة لم تنقله ولم تنهره ولم تفعل أي شيء .
أحس أنه في عالم آخر غير عالم الحصة والمعلمة والتلاميذ , ولكن ترى ما هو هذا العالم !!
سجلت بعض ملاحظاتي في مذكرتي التي حملتها معي واستأذنت للخروج وخرجت بألف تساؤل يسيطر علي :
ترى كيف الدخول لعالم ليث ؟
كيف يمكن تحسين مستواه ؟
كيف يمكن إشعاره بما يجري حوله ؟
كيف يمكن نقل الشعور إليه بأنه تلميذ وهذه مدرسة وهذه معلمة وهؤلاء تلاميذ وهم زملاؤك ؟
كيف نستطيع أن نوصل إليه فكرة أنه يجب أن يتعلم ؟؟
يجب أن ينتبه للمعلمة ؟
كم هائل من الكيف ؟ و أكثر منه ( لماذا )
خرجت بكل هذه التساؤلات وقرار مواصلة المشوار علني ألج إلى داخل نفس ليث .
في يوم آخر قررت أن أحضر معه حصة في مواد المجال الثاني فصادفت تلك الحصة حصة علوم , لاحظت نفس الحالة التي لاحظتها في حصة التربية الاسلامية ولكن الفرق أنه هنا انشغل بمراقبة التلاميذ وليس مضايقتهم ذلك أن الحصة كانت عن الأصوات واختلافها , فكان التلاميذ ومعلمتهم يطبقون تطبيقا عمليا على بعض الأدوات التي تصدر أصواتا وكان التفاعل كبيرا والحصة رائعة ولكن ليثا كان نسيجا وحده إلا أنه هنا يشعر بالحصة يراقب ما يفعله التلاميذ بابتسامته المعهودة .
لم أر له أي دور في الحصة غير المراقبة .
وكالعادة سجلت بعض الملاحظات واستأذنت خارجة .
ذات يوم كان لدي وقت فراغ فقلت : لماذا لا أذهب لمراقبة ليث علني أظفر بشيء ؟ ولكني قلت الأفضل أن آتي به إلى هنا وأتحدث إليه على انفراد فربما وصلت لشيء يدلني إلى السر ؟
ذهبت لمعلمة العلوم واستأذنت لأخذه فأذنت له ولكنه هو رفض أن يأتي معي , أقنعته أنني سأعطيه بالونا وحلويات ., فابتسم وأتى معي .
وقبل أن نصل إلى القاعة قال لي: هل ستعطيني بالونا ؟
قلت : نعم .
وعندما وصلنا : هل ستعطينني بالونا وحلويات ؟
قلت نعم ولكن لنتحدث سويا قبلها .
فسكت .
قلت له : تحدث يا ليث , احك لي .
سكت
قلت له : هل لديك أخوات ؟
سكت برهة ثم قال :
نعم أختي فاطمة متزوجة وأختي حنان ليست متزوجة .
قلت له : وأمك .
قال : أمي مطلقة ولا نراها
لماذا لا ترونها ؟
أبي لا يسمح لها أن تأتي لأنها مجنونة .
وفهمت منه أنه يعيش مع أبيه وزوجته .
استغربت أن يتحدث ليث , واستغربت أنه يفهم هذه العلاقات الأسرية إذن هو لديه القدرة على الفهم والتعلم .
سكت برهة ثم قال :
أنا التقيت بأختي فاطمة .
يقولها وهو سعيد .
وانزوت تلك الابتسامة فجأة عندما قال :
كنت خائفا جدا منها ولم أقترب منها عندما جاءت المدرسة لتراني .
قلت له : لماذا خفت منها ؟
قال : لأنني لم أكن أعرف أنها أختي فأنا لم أرها إطلاقا .
قلت له : والآن ؟ هل لا زلت تخاف منها ؟
قال : لا , أحب أن أرها كثيرا .
لم ينس ليث ما وعدته به فقال فجأة : أعطني بالونا .
ابتسمت له وقمت إلى دولابي وأحضرت له بالونا وبعض الحلويات .
فرح بها أيما فرح , أخذها وهم بالخروج , فنظرت إليه دون أنطق , فجاءني وقال : أستاذة أريد ان أخرج .
فقلت له : اخرج يا ليث واذهب إلى حصتك .
خرج ليث وتبعته بعيني إلى أن دخل القاعة .
تكررت لقاءاتي النفسية مع ليث وأقول أنها نفسية لأنني قررت الولوج لنفس ليث واستخراج مكامنها لأحدد نقطة البدء في تعليمه ولو حرفا واحدا .
في يوم من الأيام كنت فيه في قاعتي وليس لدي تلاميذ , إذا بخطوات وئيدة تقترب من القاعة , يممت بصري نحو الباب وإذا بليث يصل في تلك اللحظات إلى الباب .
بادرني : أستاذة هل لديك بالونا ؟ أريد بالونا .
قلت له : نعم .
والحمد لله أن كيس الباونات الذي أحضرته لمكافأة التلاميذ لا زال يحوي القليل منها قمت إلى دولابي وأعطينته بالونا وأجلسته على كرسي وجلس يحكي لي عن البالون وكيف أنه يحب البالونات ووو
المهم في الأمر هو كيف تغيرت حالة ليث فبعد أن كان لا يريد
أن يذهب معي لأي مكان أصبح هو يأتي إلى قاعتي , أصبح يعرف طريقي ومكان قاعتي ويأتي من تلقاء نفسه .
جاءني يوما يبكي على الباب لم يدخل كانت لدي حصة وكنت في قمة الشرح انتبهنا إلى صوت بكاء خارج القاعة فقال التلاميذ :
أستاذة ليث على الباب يبكي .
فقلت من ليث ؟
قالوا : ليث الصغير
وبالمناسبة هذا لقبه لدى تلاميذ المدرسة , ليث الصغير لأن هناك ليثا آخر في صفه , فيسمون ذلك ليث وهذا ليث الصغير .
أدخلته وهو لا زال يبكي .
سألته : ما بك يا ليث ؟
قال : الأستاذة واستمر في البكاء
ماذا فعلت لك الأستاذة ؟
قال : لم تعطني سيارة .
وأنت لماذا تريد سيارة ؟
لأن الأستاذة أعطت أيمن و لؤي ولم تعطني أنا .
ولماذا أعطتهم الأستاذة سيارة يا ليث ؟
قال : لأنهم متفوقون ولأنهم لا يحدثون فوضى في الصف .
سبحان الله !!!
إذن هو يعلم سبب المكافأة
يدرك نتيجة ما هو عليه .
هدأت من روعه وقلت له : لا تبكي يا ليث فالمعلمة لم تعطك لأنك تحدث فوضى في الفصل ولو جلست هادئا بلا فوضى ستعطيك المعلمة سيارة مثل لؤي وأيمن .
>>> يتبع <<<
ذات يوم كان لدي وقت فراغ فقلت : لماذا لا أذهب لمراقبة ليث علني أظفر بشيء ؟ ولكني قلت الأفضل أن آتي به إلى هنا وأتحدث إليه على انفراد فربما وصلت لشيء يدلني إلى السر ؟
ذهبت لمعلمة العلوم واستأذنت لأخذه فأذنت له ولكنه هو رفض أن يأتي معي , أقنعته أنني سأعطيه بالونا وحلويات ., فابتسم وأتى معي .
وقبل أن نصل إلى القاعة قال لي: هل ستعطيني بالونا ؟
قلت : نعم .
وعندما وصلنا : هل ستعطينني بالونا وحلويات ؟
قلت نعم ولكن لنتحدث سويا قبلها .
فسكت .
قلت له : تحدث يا ليث , احك لي .
سكت
قلت له : هل لديك أخوات ؟
سكت برهة ثم قال :
نعم أختي فاطمة متزوجة وأختي حنان ليست متزوجة .
قلت له : وأمك .
قال : أمي مطلقة ولا نراها
لماذا لا ترونها ؟
أبي لا يسمح لها أن تأتي لأنها مجنونة .
وفهمت منه أنه يعيش مع أبيه وزوجته .
استغربت أن يتحدث ليث , واستغربت أنه يفهم هذه العلاقات الأسرية إذن هو لديه القدرة على الفهم والتعلم .
سكت برهة ثم قال :
أنا التقيت بأختي فاطمة .
يقولها وهو سعيد .
وانزوت تلك الابتسامة فجأة عندما قال :
كنت خائفا جدا منها ولم أقترب منها عندما جاءت المدرسة لتراني .
قلت له : لماذا خفت منها ؟
قال : لأنني لم أكن أعرف أنها أختي فأنا لم أرها إطلاقا .
قلت له : والآن ؟ هل لا زلت تخاف منها ؟
قال : لا , أحب أن أرها كثيرا .
لم ينس ليث ما وعدته به فقال فجأة : أعطني بالونا .
ابتسمت له وقمت إلى دولابي وأحضرت له بالونا وبعض الحلويات .
فرح بها أيما فرح , أخذها وهم بالخروج , فنظرت إليه دون أنطق , فجاءني وقال : أستاذة أريد ان أخرج .
فقلت له : اخرج يا ليث واذهب إلى حصتك .
خرج ليث وتبعته بعيني إلى أن دخل القاعة .
تكررت لقاءاتي النفسية مع ليث وأقول أنها نفسية لأنني قررت الولوج لنفس ليث واستخراج مكامنها لأحدد نقطة البدء في تعليمه ولو حرفا واحدا .
في يوم من الأيام كنت فيه في قاعتي وليس لدي تلاميذ , إذا بخطوات وئيدة تقترب من القاعة , يممت بصري نحو الباب وإذا بليث يصل في تلك اللحظات إلى الباب .
بادرني : أستاذة هل لديك بالونا ؟ أريد بالونا .
قلت له : نعم .
والحمد لله أن كيس الباونات الذي أحضرته لمكافأة التلاميذ لا زال يحوي القليل منها قمت إلى دولابي وأعطينته بالونا وأجلسته على كرسي وجلس يحكي لي عن البالون وكيف أنه يحب البالونات ووو
المهم في الأمر هو كيف تغيرت حالة ليث فبعد أن كان لا يريد
أن يذهب معي لأي مكان أصبح هو يأتي إلى قاعتي , أصبح يعرف طريقي ومكان قاعتي ويأتي من تلقاء نفسه .
جاءني يوما يبكي على الباب لم يدخل كانت لدي حصة وكنت في قمة الشرح انتبهنا إلى صوت بكاء خارج القاعة فقال التلاميذ :
أستاذة ليث على الباب يبكي .
فقلت من ليث ؟
قالوا : ليث الصغير
وبالمناسبة هذا لقبه لدى تلاميذ المدرسة , ليث الصغير لأن هناك ليثا آخر في صفه , فيسمون ذلك ليث وهذا ليث الصغير .
أدخلته وهو لا زال يبكي .
سألته : ما بك يا ليث ؟
قال : الأستاذة واستمر في البكاء
ماذا فعلت لك الأستاذة ؟
قال : لم تعطني سيارة .
وأنت لماذا تريد سيارة ؟
لأن الأستاذة أعطت أيمن و لؤي ولم تعطني أنا .
ولماذا أعطتهم الأستاذة سيارة يا ليث ؟
قال : لأنهم متفوقون ولأنهم لا يحدثون فوضى في الصف .
سبحان الله !!!
إذن هو يعلم سبب المكافأة
يدرك نتيجة ما هو عليه .
هدأت من روعه وقلت له : لا تبكي يا ليث فالمعلمة لم تعطك لأنك تحدث فوضى في الفصل ولو جلست هادئا بلا فوضى ستعطيك المعلمة سيارة مثل لؤي وأيمن .