د . عائض القرني
أكثر من ترى في هذا الكون نائمين ، ولو كانوا يأكلون ، ويشربون ، ويسرحون ، ويمرحون ، ولكنهم في رقدة الغافلين ، فمتى يستيقظون؟ هناك يقظة أخرى غير الاستيقاظ من النوم ، وهي يقظة القلب ، فلا ينام بعدها أبداً ، ولو أن كثيراً ممن ترى استيقظت قلوبهم ، وايم الله لجدوا في السير ، وألحوا في الطلب، فلا ترى العالِمَ إلا متنبهاً ، باحثاً ، مطالعاً، ولا ترى العابد إلا عاكفاً ، مسبِّحاً ، متبتلاً ، ولا ترى العامل إلا مستغرقاً في عمله ، متفانياً في مهنته ،
ولكن هيهات.. !
كدحٌ لطلب المعيشة منقطع النظير ، وجهادٌ للحصول على اللقمة يضرب به الأمثال ، وبالمقابل فشلٌ ذريع في حقوق الروح وواجبات النفس .
أرواحنا جائعة لزادها المعنوي المثالي وهي تعرض نفسها على المنهج الحق الرباني ، وتنادي: (فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين) .
المصحف على الرفِّ ، والسنَّة على الأدراج ، والقلوب في ذهول بعيشها وسعيها الدنيوي المغرق في الطلب والإلحاح والجشع ، قُدِّمت لنا الرسالة غضةً طريةً ناعمةً فهل من محتضن لها ؟
ذُللت لنا قطوفُ الحكمة ، فهل من قاطف لثمارها اليانعة؟
قال ابن القيم الجوزية _ رحمه الله_ :
لما رأى المتيقظون سطوة الدنيا بأهلها ، وخداع الأمل لأربابه ، وتملك الشيطان وقياده النفوس ، ورأوا الدولة للنفس الأمارة_ لجأوا إلى حصن التضرع والالتجاء ، كما يأوي العبد المذعور إلى حرم سيده .أ.هـ.
فإذا كنت مسلماً تقرأ وتكتب، وغربت عليك شمس يوم ولم تتدبر آيات من كتاب الله ، وأحاديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فماذا يقال لمن هذا فعله ؟ وبماذا يفسر من هذا وصفه ؟
الغافل مبنَّج لا يحس إلا بقدر ما يعرف أنه على قيد الحياة .
ذكاءٌ في مرادات البطن ، إقدامٌ للحصول على الكسرة والغَرْفة والدرهم ، ولو صرف مثل هذا الجهد في طلب زاد الحياة الآخرة لأصبحت منازل الكثيرين في الجنة كالكواكب الدرية ينظر إليها الناس، فهنيئاً أيها المثابرون المقدمون .