" قصة زوج زينب " : الشيخ زيد البحري
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
أما بعد ، فيا عباد الله :
جاء في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :" يا محمد هذه خديجة قد أتت ومعها إناء فيه طعام ، فإذا أتتك فأقرئها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب ( أي من لؤلؤ مجوف ) لا صخب فيه ولا نصب "
إذاً خديجة رضي الله عنها لها مكانته وقدرها عند ربها ، وعند ملائكة ربها ، بل وعند زوجها عليه الصلاة والسلام .
لقد تزوجها عليه الصلاة والسلام ،فتوفيت قبله لكن ذكرياتها ظلت ماثلة أمام عينيه عليه الصلاة والسلام ، وهذا هو عين الوفاء .
تقول عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين :استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة ، فعرف عليهالصلاة والسلام استئذان خديجة ( أي شبّه صوت أختها بصوت خديجة رضي الله عنها فارتاع ) فقال : اللهم هالة )) قالت : فغرت فقلت : ما تذكر من امرأة عجوز حمراء الشدقين قد هلكت في الدهر ، قد أبدلك الله خيرا منها .
ومرادها من ذلك :
أن سقطت أسنانها فلم يبق في أسنانها شيء من البياض إلا حمرة اللثة ، وهذا – كما قال ابن حجر رحمه الله - : " من الغيرة التي يتسامح فيها الشرع ، ولهذا لم ينكر عليها عليه الصلاة والسلام ، ولهذا يصدر منها في حال كمال عقلها ما لا يصدر منها حال الغيرة "
وفي الصحيحين : أن عائشة رضي الله عنها قالت : " ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت من خديجة وما رأيتها "
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر حديثها ، وربما ذبح الشاة فوزعها أعضاء على صدائق خديجة ، فربما قلت له كأنه ليس هناك امرأة في الدنيا إلا خديجة ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( إنها ، وإنها ( كرر ذلك لفضلها ) إنها وإنها وإنها كان لي منها ولد ))
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح : كان جميع اولاده عليه الصلاة والسلام منها ما عدا إبراهيم فإنه من جاريته " مارية "
والمتفق عليه من أولاده منها : القاسم ، وبه يكنى عليه الصلاة والسلام ، وبناته الأربع : " زينب ، ثم رقية ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة "
وله ولد : يقال له : عبد الله ، ويقال : إن لهذا الولد لقبين : الطاهر والطيب
وقيل : إن الطيب ، والطاهر أخوان له .
ومات الذكور صغارا بالاتفاق "
انتهى كلامه رحمه الله .
وقد ذكر رحمه الله في كتابه الإصابة: " أن خديجة أول ما ولدت ولدت زينب ، فتزوجها قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم " أبو العاص بن الربيع "
واسمه : لقيط ، وقيل : غير ذلك .
ولم يكن غريبا – أبو العاص – لم يكن غريبا عن بيت النبي صلى الله عليه وسلم لأن أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة .
إذاً زينب بنت خالته .
أما أم كلثوم : فقد تزوجها عتيبة بن أبي لهب .
وأما رقية : فقد تزوجها عتبة بن أبي لهب .
وأبو لهب كما تعلمون معلوم نسبه من النبي صلى الله عليه وسلم فهو عمه .
الشاهد مما تقدم :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بُعث نبيا اشتد العداء من عمه أبي لهب عليه عليه الصلاة والسلام ، حتى نزلت كما تعرفون " سورة المسد "
حتى إنه قال لابنيه كما جاء في الإصابة : " رأسي من رؤوسكما حرام إن لم تطلقا بنتي محمد ، فطلقاهما ، ولم يكتفِ بذلك بل حاول مع أبي العاص أن يطلق زينب ليكتمل حزن النبي صلى الله عليه وسلم ، راوده ليطلقها أغراه بالمال ، أغراه بأن يزوجه من أجمل ومن أحسن النساء لكنه رفض .
عباد الله :
بعد ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بالهجرة ، فمكثت زينب رضي الله عنها مع زوجها في مكة ، فجاءت السنة الثانية من الهجرة فوقعت غزوة بدر .
فخرج أبو العاص مع من خرج لقتال النبي صلى الله عليه وسلم ، وترك زينب وحدها في مكة ؛ لأن أمها قد رحلت من الدنيا قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين .
فقاتل أبو العاص ضد الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكنه أُسر ، فبلغ ذلك زينب ـــــــــــــ فماذا صنعت ؟
أرسلت قلادة لها كانت أمها قد أهدتها لها ليلة زواجها أرسلتها لتفتدي زوجها الأسير ، فلما رأها النبي صلى الله عليه وسلم – كما في سنن أبي داود رقّ لها رقة شديدة ، وقال للصحابة رضي الله عنهم : (( إن شئتم أن تطلقوا لها أسيرها وأن تردوا لها مالها فافعلوا ))
سبحان الله !
كلنا عجب!
عندما نسمع عن عظمة هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام .
لم يقرر ، لم يفصل في أمر أبي العاص مع أنه صاحب القرار ، مع أنه صاحب الشأن .
كان بإمكانه عليه الصلاة والسلام أن يفصل في الأمر بإمرار كلمة على لسانه ، ولكنه عليه الصلاة والسلام قال لهم :(( إن رأيتم ذلك فافعلوا ))
فهو عليه الصلاة والسلام بهذه الكلمة حينما يخاطب هؤلاء ليدعهم يقررون في أمر أبي العاص ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يعرف قدرهم ، ومكانتهم ، وكمال عقولهم .
وحتى لا يقال : " إن محمدا عليه الصلاة والسلام يحابي أهله وأقرباءه "
وحاشاه أن يفعل عليه الصلاة والسلام .
وكيف وهو القائل – كما في الصحيحين – قال : (( إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ))
كيف يكون ذلك منه عليه الصلاة والسلام وهو لما جاءهأعرابي – كما في الصحيحين – فقال : " يا محمد اقسم واعدل " فقال : (( ويلك من يعدل إذا لم أعدل ، قد خبتُ إذاً وخسرت إن لم أعدل ))
فاتفق الجميع على أن يطلقوا سراحه وأن يردوا القلادة إلى زينب رضي الله عنها .
لكنه عليه الصلاة والسلام أخذ على أبي العاص عهدا أن يرسل بزينب إليه ؛ لأنها لا تحل له .
فرجع أبو العاص إلى مكة قائلا لزوجته : " تهيئي للهجرة ، إنه عهد الرجال " عهد الأمناء ، عهد الأوفياء رغم تمسكه بزوجته ، لكنه عليه الصلاة والسلام يعرف من يعاهد
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين – عن هذا الرجل ، قال : (( حدثني فصدقني ووعدني فوفّى لي ))
جاء الأمر من السماء ، ولابد من الفراق ، ويا له من فراق مر أليم عند الزوجة وعند الزوج سواء بسواء لدرجة أن أبا العاص لم يقو على احتمال توديعها مع ان فيه بسالة وشجاعة ، مع أنه خاض المعارك والحروب لكنها ليست مسألة شجاعة ، وليست مسألة حرب ، لكنها مسألة حب ومعاشرة .
حتى إنه ترك – أبو العاص – ترك أمر إخراجها من مكة لأخيه كنانة بن الربيع .
إذ إن هناك وافدا كما في سنن أبي داود ينتظرها خارج مكة ، وهذا الوفد من أخيها زيد بن حارثة لما كان تبني الأبناء جائزا في ذلك الوقت مع رجل من الأنصار
فخرج بها كنانة ضحى ، وأهل مكة يملئون الطرقات في شغل شاغل ، وفي هم وحزن قائم ، قد أوجعتهم الهزيمة في بدر ، نساء من قريش يبكين القتلى ويندبن الجرحى
فلما علم القوم بأن هذا الركب ركب ابنتة محمد فسارعوا نحوه ، وتحلقوا به وتكأكؤا عليه وتناوشوه ، هما أن يفتكوا بزينب رضي الله عنها .
راعها ما رأت وما سمعت ، وكانت حاملا ، فهمّ " هبّار بن الأسود " أن يرسل عليها حربته .