منافع الحديد و البأس الشديد.الاعجاز العملي.الاعجاز في القرآن.أمثلة من القرآن.الحديد.البأس الشديد
( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنــاتِ وَأَنْـزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَــــابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْـزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ )[ الحديد:57/25].
ملخص عام
تناول أستاذنا الجليل فضيلة الأستاذ الدكتور/ زغلول النجار شرح لفظ نزول الحديد في أبحاثه المنشورة، فإننا نكمل حلقة البحث بما يهدف إلى تقديم آيات النفع بالحديد وتعريف القارئ بوصف القرآن الكريم بالبأس الشديد من الناحية الهندسسية، فالحديد وسبائكه متعدد الخواص ومتعدد الإستخدامات حيث أننا نجد المنافع لبني البشر علي إختلاف ألوانهم وألسنتهم، فنجد أن الحديد وسبائكه يتم تصنيع الإبرة منها حتي الصاروخ مرورا بكافة المعدات والتقنيات والتي كان من أهمها منافع وتقنيات النقل السريع، حيث نجد الطرق والكباري والقناطر والأهوسة من منشآت يدخل في تصنيعها أساسا من الحديد، كما أننا نجد الحديد يدخل مباشرة في الأفران التي يتم بها تصنيع الخبز والطعام ومعدات الطهي بأنواعها المختلفة وهي كلها منافع بلا حدود وتتعدد الإستخدامات حسب نوع السبيكة المصنع منها المنشأ وتتعدد الفوائد طبقا لتقنيات هذا المنشأ وهل هو قطاع خدمي مثل اعمال وصلات لطرق الحديدية والمعدنية والقناطر والكباري وسحارات المياة وأنابيب نقل الغاز والنفط ووسائل النقل المختلفة البرية والبحرية والجوية منها وكذا في أدوات الزراعة والصناعة بأنواعهما المختلفة والتي يتشكل منها شريان الحياة لكافة البشر، وكذا قطاع هندسي مثل تصنيع منشآت وقطاعات إنتاجية ومصانع وورش الإنتاج المختلفة، وقطاع عسكري والذي وصفته الآيات بالبأس الشديد أي النصر المجيد بلا حدود والذي كي يحدث فيجب أن يمتلك الجانب ذو القوة وسائل دفاعية وأخري هجومية مثل المدافع والدبابات والمسدسات فيتم تصنيعها أساسا من الحديد وسبائكه. وهكذا تتعدد المنافع بتعدد السبائك الحديدية وحسب الإستخدام وحتي الأقمار الصناعية والصواريخ والكبسولات الفضائية يتم ويدخل في تصنيعها سبائك مصنعة ويدخل في تقنية تصنيعها الحديد. فتاعلوا بنا ندرس معا الآية الكريمة في سورة الحديد ونلاحظ أن الحديد هي إسم لإحدي سور القرآن الكريم نظرا لأهمية الحديد وسبائكه في حياة البشر.
لقد تناول القرآن الكريم في عدد من الآيات الصريحة ذكر الحديد في خمس مواقع، وأهم ماذكر في آيات القرآن في وصف السبائك الحديدية هي هذه الآية والتي سوف نتناولها الآن في هذا البحث تفصيلا، فالحديد يعتبر من الصناعات الثقيلة والتي يتحتم علي الدولة أن تنميها وأن تشجع عليها، فهي من الصناعات المفيدة وإمتلاكها يعني إمتلاك سبل الدفاع القوية والمناعة الهجومية. ويود الأستاذ الدكتور الباحث أن يشير إلى أن الحديد والإنسان إنما هما من أساس وأصل واحد فكلاهما خلقه الله من تراب وكلاهما يعودان في نهاية مشوار حياتهما إلى تراب، هذا مع الفارق في أن الإنسان أعطاه الله منحة التفكير ورجاحة العقل، بينما أعطي الله سبائك الحديد صفة المتانة والصلادة والممطولية، وكلاهما يتعب ويكل ويكد مع الفارق فلابد أن تكون هناك فترات راحة وفترات صيانة كي يعود النشاط للبشرمرة أخري وتعود الماكينات للعمل بكفاءة، وهكذا تتعدد صور الشبه بين الحديد ولإنسان لدرجة أن كلاهما منه الغالي والنفيس ومنه الضعيف والرخيص، فهذه إحدي معجزات الله في خلقه ولنا في موضوع التشابه عودة في بخحث آخر إن شاء الله تعالى ونكتفي بهذا القدر في هذا الموضع. ونعود فنقول أن السبائك الحديدية تنقسم إلى أنواع كثيرة بحسب نسب عناصر السبيكة ومكوناتها الكيميائية من ناحية وبحسب درجاتها الفلزية وخواصها الميكانيكية وتلك الحرارية ومن ثم تتعدد فوائد ومنافع الحديد وتتعدد إستخداماته وإستعمالانه دون حدود وهي سبائك تبدأ من سبائك الحديد الزهر وتصل إلى سبائك الصلب الفولاذية المتينة ذات المناعة ضد حدوث الكسور والإنهيار.
ويكفي أن تعلم عزيزي القارئ أن الحديد كالماء بدونه يموت الإنسان وينقرض ويموت ويعتل، بل أنه لزلا الحديد لما امتلك الإنسان التقنيات ولأصبح طعاما سهلا للوحوش ولأضحي من الضعف والهوان بحيث أن التاريخ يسجل الآن صعود الإنسان إلى الفضاء الكوني وغوصه في أغوار أعماق البحار والمحيطات نتيجة امتلاكه للحديد والفولاذ والذي طوعه فأطاعه تشكيلا وأوصله لحاما مستجيبا، وخلط سبائكه مع سبائك النحاس فأعطت سبيكة منيعة في خواصها معمرة في عمرها، وهكذا فقد استطاع الإنسان أن يحوز الدنيا وأن يمتلك سبل الدفاع والمبادرة بامتلاكه مصانع إنتاج الحديد والصلب وهي من الصناعات الثقيلة التي لا تخلو أمة قوبة كانت أم ضعيفة، متقدمة كانت أم متخلفة بامتلاك سبل تصنيع الحديد والصلب فإنها صناعة إستراتيجية تدخل في كافة الاستخدامات الآدمية من وساسل النقل مرورا بتقنيات البحث والتنقيب وكافة مناحي ومتطلبات الحياة، وباختصار شديد لولا اكتشاف الإنسان للحديد لما استطاع أن بحيا ويعمر الأرض. والله سبحانه وتعالى أعلم.
أولا : المقاصد والمعاني الدينية للآية الكريمة
يقول ابن كثير رضي الله عنه وأرضاه في كتابه عن تفسير القرآن بأن الله تَعَالَى يقول " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا بِالْبَيِّنَاتِ " أَيْ بِالْمُعْجِزَاتِ وَالْحِجَج الْبَاهِرَات وَالدَّلَائِل الْقَاطِعَات " وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَاب " وَهُوَ النَّقْل الصِّدْق " وَالْمِيزَان " وَهُوَ الْعَدْل قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَغَيْرهمَا وَهُوَ الْحَقّ الَّذِي تَشْهَد بِهِ الْعُقُول الصَّحِيحَة الْمُسْتَقِيمَة الْمُخَالِفَة لِلْآرَاءِ السَّقِيمَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبّه وَيَتْلُوهُ شَاهِد مِنْهُ " وَقَالَ تَعَالَى " فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا " وَقَالَ تَعَالَى " وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَان " وَلِهَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة" لِيَقُومَ النَّاس بِالْقِسْطِ " أَيْ بِالْحَقِّ وَالْعَدْل وَهُوَ اِتِّبَاع الرُّسُل فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ وَطَاعَتهمْ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ فَإِنَّ الَّذِي جَاءُوا بِهِ هُوَ الْحَقّ الَّذِي لَيْسَ وَرَاءَهُ حَقّ كَمَا قَالَ " وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّك صِدْقًا وَعَدْلًا " أَيْ صِدْقًا فِي الْإِخْبَار وَعَدْلًا فِي الْأَوَامِر وَالنَّوَاهِي وَلِهَذَا يَقُول الْمُؤْمِنُونَ إِذَا تَبَوَّءُوا غُرَف الْجَنَّات وَالْمَنَازِل الْعَالِيَات وَالسُّرَر الْمَصْفُوفَات " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه لَقَدْ جَاءَتْ رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ " وَقَوْله تَعَالَى " وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد " أَيْ وَجَعَلْنَا الْحَدِيد رَادِعًا لِمَنْ أَبَى الْحَقّ وَعَانَدَهُ بَعْد قِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِ وَلِهَذَا أَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة بَعْد النُّبُوَّة ثَلَاث عَشْرَة سَنَة تُوحَى إِلَيْهِ السُّوَر الْمَكِّيَّة وَكُلّهَا جِدَال مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيَان وَإِيضَاح لِلتَّوْحِيدِ وَبَيِّنَات وَدَلَالَات فَلَمَّا قَامَتْ الْحُجَّة عَلَى مَنْ خَالَفَ شَرْع اللَّه الْهِجْرَة وَأَمَرَهُمْ بِالْقِتَالِ بِالسُّيُوفِ وَضَرْب الرِّقَاب وَالْهَام لِمَنْ خَالَفَ الْقُرْآن وَكَذَّبَ بِهِ وَعَانَدَهُ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن ثَابِت بْن ثَوْبَان عَنْ حَسَّان بْن عَطِيَّة عَنْ أَبِي الْمُنِيب الْجُرَشِيّ الشَّامِيّ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بُعِثْت بِالسَّيْفِ بَيْن يَدَيْ السَّاعَة حَتَّى يُعْبَد اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْت ظِلّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّة وَالصَّغَار عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فِيهِ بَأْس شَدِيد " يَعْنِي السِّلَاح كَالسُّيُوفِ وَالْحِرَاب وَالسِّنَان وَالنِّصَال وَالدُّرُوع وَنَحْوهَا" وَمَنَافِع لِلنَّاسِ " أَيْ فِي مَعَايِشهمْ كَالسِّكَّةِ وَالْفَأْس وَالْقَدُومِ وَالْمِنْشَار وَالْأَزْمِيل وَالْمِجْرَفَة وَالْآلَات الَّتِي يُسْتَعَان بِهَا فِي الْحِرَاثَة وَالْحِيَاكَة وَالطَّبْخ وَالْخُبْز وَمَا لَا قِوَام لِلنَّاسِ بِدُونِهِ وَغَيْر ذَلِكَ . قَالَ عِلْبَاء بْن أَحْمَد عَنْ عِكْرِمَة أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ثَلَاثَة أَشْيَاء نَزَلَتْ مَعَ آدَم السِّنْدَان وَالْكَلْبَتَانِ وَالْمِيقَعَة يَعْنِي الْمِطْرَقَة . رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَابْن أَبِي حَاتِم وَقَوْله تَعَالَى " وَلِيَعْلَم اللَّه مَنْ يَنْصُرهُ وَرُسُله بِالْغَيْبِ" أَيْ مِنْ نِيَّته فِي حَمْل السِّلَاح نُصْرَة اللَّه وَرَسُوله " إِنَّ اللَّه قَوِيّ عَزِيز " أَيْ هُوَ قَوِيّ عَزِيز يَنْصُر مَنْ نَصَرَهُ مِنْ غَيْر اِحْتِيَاج مِنْهُ إِلَى النَّاس وَإِنَّمَا شَرَعَ الْجِهَاد لِيَبْلُوَ بَعْضكُمْ بِبَعْضٍ .