:
بسم الله الرحمن الرحيم
حانت من القلب التفاتة .. نحو ماء وماء !!
فبكى حزنا وهما وألما قبل أن تبكي العيون ..
الأول كان سيل جدة ..الكارثة التي فجعت قلوب وقتلت فرحة العيد في أرواح ونفوس
آمطآر جده الأربعاء 08/12/1430 هـ
فاض الماء وأغرق المئات وترك قلوب تلثمها الجراح وسكنها الحزن والألم
حطم المباني ،، اقتلع الأشجار
وابتلع السيارات وأخرج البضائع من المحلات
حطم كل شيء أمامه
...
وأما الماء الثاني فهوماسمعت عنه مباشرة
وذلك ماحدث في إحدى مدن جنوب المملكةحيث انحسر الماء وجف وأصبح الحصول عليه صافيا نقيا لا يكون إلا بعد مشقة
بعد أن كان عندهم سد من أكبر السدود في الشرق الأوسط
وظن بعض سكان تلك المنطقة أن هذا السد سيسقيهم إلى آخرالزمن
ونسوا أن رب الماء في السماء
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ }
..
وأصبح أهل تلك المدينة لايجدون الماء إلابشق الأنفس وبعضهم يجد الدود الأحمر الدقيق قد اتخذ هذا الماء له مرتعا خصبا ليعيش به وينمو
فسبحان الله الذي خلق المائين وجعلهما سبب هلاك للإنسان بطريقة تختلف عن الأخرى
إمابندرة أو فيض
.....
ومع كارثة عروس البحرالغارقة ..
نتلقى دروسا وتتربى نفوسنا من جديد
ليصبح المعلم أمامنا هو ماء جدة الذي يشبه في قوته الوحش الكاسر
..
حمل على ظهره الشاحنات الثقيلة وألقى بها في كل مكان
هاجم البيوت وتركها فارغة ..
قتل من قتل وترك القلوب مكلومة وجراحها تثعب دما وحسرة وألما
نساء ثكالى .. وأطفال يتامى
أسر بلامأوى ..
وعيون دمعها لايُرقأ
وقلوب جراحها لم تجبر
...
وبرغم مرارة الحدث إلاأننا تعلمنا منه الكثير
يجب أن لايمر هذا الحدث كغيره دون انتفاع
فياليت قلوبنا النائمة تستيقظ
ياليتها تنتبه من غفلتها
فإنها والله إن لم تتستفد وتنتفع بما حدث فستكون خاسرة في الدنيا والآخرة
ومن هنا كان حديثي إليك أيها القلب لكي ترقى نفوسنا وتعلو هممنا ..
لتعانق عنان السماء وتتخفف من الدنيا وملهياتها وشواغلها
أيهاالقلب ..
لابد أولا ..
أن تتيقن يقينا صادقا أنه ماء مامور
من الذي أمره؟
ومن الذي علمه وحدد له ؟!
، من يأخذ ؟ ومن يترك ؟ وماذا يحطم ؟
لاشك في أن الجواب الذي نعلمه يقينا كلنا
أن الذي أمره وحركه هو / ربنا سبحانه وتعالى
الرب الحكيم القادر
الملك الخالق المدبر لأمور عباده
هذا مايجب أن يسلم به القلب ويعتقده
أن الله تعالى هو خالقنا ، هو ربنا الذي يربينا بنعمه وبشرعه وبأقداره
فأول وقفة مع القلب :
هي قضية الإيمان بالقضاء والقدر
فهو الركن السادس من أركان الإيمان
فالله تعالى هو الذي قدر هذه الكارثة وكتبها على أهل جدة
وهو الذي حدد سبحانه وتعالى الموتى ومكان كل ميت ولحظة موته
فالرضا الرضا يا أهل جدة بالقضاء والقدر أولا . ..
درس عظيم تلقيناه وتعلمناه من مصاب عروس البحر ..
ثاني هذه الوقفات ياقلب :
حسن الظن بالرب سبحانه وتعالى
لابد من لفتة للقلب تطهره من كل فساد في الاعتقاد
وطريقه لذلك حسن الظن بربه
فاحذر ياقلب أن تظن بالله ظن السوء فتعتقد أن ماحدث لأهل جدة فيه نوع ظلم في أقدارهم ،،
سبحان ربي وتعالى عن ذلك علوا كبيرا
بل نظن بربنا عز وجل الظن الحسن
فلم يحدث هذا المصاب إلا ولله تعالى حكم عظيمة
بعضها سطرناه هنا والكثير قد لايكفينا المقال لذكره
ولعل أبرز هذه الحكم :
رفعة درجات المؤمنين فكل ألم أصابهم وكل فاجعة أخافتهم لن يضيع أجرهم بها
يا أهل جدة ألم يبشركم ربكم بقوله :
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِالصَّابِرِينَ }
فيا أهل جدة كلها قد رأيتموها مع كارثة السيل
خوف وجوع وذهاب الأنفس و الأموال والأشجار والأطعمة ..
هنيئا لكم إن صبرتم على هذا البلاء وكسبتم بشارة ربكم ..
روى مسلم (2572) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً ) .
يا أهل جدة هنيئا لكم أن كفرت خطاياكم بهذا المصاب بإذن الله
أليس في الحديث الشريف
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ، وولده ، وماله ، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة )رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2280) .
::
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . رواه الترمذي (2396) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1220) .
يا أهل جدة
هنيئا لكم أن اختار منكم شهداء ..
ألم تسمعوا لقول نبيكم صلى الله عليه وسلم :
(الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله)رواه البخاري ومسلم.
::
وإن من منح الكارثة أنها أشعرتنا وعرفتنا بنعم غفلنا عنها
كنا سنين نعيش في أمن ورخاء لكنا نسيناها وشغلتنا الدنيا عنها
والآن عرفنا قيمة الأمن من الكوارث التي تراها في وسائل الإعلام في البلاد الأخرى
ولم نتوقع أن يحدث لنا في داخل بلادنا مثل هذا
غررنا بأننا بلاد الحرمين وبوابة الحرمين ونسينا أن المعاصي تهلك صاحبها ولو كان في قعر الكعبة
لكنه خير ..
خير لنا أهل جدة .. خير لك بلاد الحرمين
خير لك يا أمة الإسلام
قال تعالى : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
فمع مثل هذه الابتلاءات يأتي التمحيص والتخليص بإذن الله
ألم يهزم المسلمون في بدر ليتعلموا درسا في التوكل
ألم يهزموا في حنين أول الأمر يوم أن قالوا : لن نهزم من قلة
ألم يصبهم الهلع والخوف في الأحزاب ليعرفوا مصدر القوة والغلبة والأمان
::
لذا فما أصاب جنوب جدة إنذار لكل الأمة ولا يغتر الآخرون بحلم الله عليهم
وليحفظوا ألسنتهم ولا يقعوا بالشماتة
فقد ساءنا ما تردد في بعض الكتابات التي صدرت على الصفحات الإلكترونية حيث يقول بما معناه :
تستاهلون يا أهل الفساد والدعاء بزيادة الهلاك ما شابهها ولا حول ولاقوة إلا بالله
فليتقوا الله وليراجعوا أقوالهم فما هكذا يريدكم الله
فأهل جدة بحاجة منكم إلى لمسة حانية تدفء قلوبهم
بحاجة إلى كلمة طيبة تفتح باب الأمل في نفوسهم
بحاجة لمن يذكرهم بالتوية والرجوع إلى الله
لا ننكر أن هناك أهل فساد وأهل خراب
هم في جدة وفي مكة وفي كل البلاد
لكن مثل هذه الآيات لما تنزل على بعض الأمة فهي نذير لكل الأمة شرقها وغربها
قال تعالى : { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا }
وماحدث بشرق آسيا قبل سنوات كان تخويف للأمة كلها وليس لهم وحدهم
لكن السعيد من وعظ بغيره كما يقال ..
..
ومنحة أخرى ...
هنيئا لمن عاش بقلبه لحظات القيامة
لحظات الخوف من بطش رب العالمين
وتذكر انفراده بملكه وحده جل وعلا
ففي تلك الساعة لم تتمكن أي قوة بالعالم أن توقف الماء عن مضيه
لم يتوقف إلا عندما أمر القوي العزيز بأن يقف
سبحانه وتعالى العزيز القوي الحكيم
...
هنيئا لمن مد له الله بالحياة وكان السيل سبيل لتوبته
وعلو إيمانه
هاتفت إحدى الأخوات فصورت لي الموقف بقولها :
ظننت أن القيامة قد قامت فقلت لا ينفعني استغفار
لا ياأخية ..
ما زالت هناك فرصة
أتى هذا السيل ليذكرك أن بطش الله شديد ولايرده أحد
أتى ليعطيك صورة مصغرة ليوم الحشر
فيا كلل مسلم و مسلمة ،، تداركوا ،،
عودوا قبل أن تقوم القيامة ومن مات فقد قامت قيامته فماهي إلا أيام ويأتي المشهد العظيم
أيها العبد :
أحسن الظن بالرب المربي يلين قلبك لقبولأقداره
هنيئا لمن خافت قلوبهم وارتعدت من قوة ربهم وبطشه ..ومع ذلك لهجت بالدعاء والذكر ..
عرفت أن لا ملجأ من الله إلا إليه ..
فرت منه إليه حزنت انكسرت ذلت ..
خضعت وقد كانت قبل بعيدة قاسية
مشاعر مختلفة خالجت هذه القلوب
دفعتها إلى اللجوء إلى من لايضيعها
بحثت عن رحمته ولطفهفوجدته لطيف رحيم
رب ودود
سبحانه وتعالى ماعبدناه حق عبادته وما شكرناه حق شكره
حتى بالمصائب والبلايا نرى آثار رحمته ولطفه
تلك القلوب .. لم تجد لها سبيلا لقوتها وراحتها وطمأنينتها إلا في رحاب رحمته
النفوس تطرق بابه والعين تذرف الدموع رجاءا وخوفا
تلك القلوب..حققت معاني للعبودية غابت عنا كثيرا ما عشناها إلا مع تلك المشاهد
برهة من الزمن علمتنا أن نفهم أفعال الله
ونتيقظ لتلقي الأقدار بصبر ورضا
وإن حزنت القلوب وتألمت وإن ذرفت العيون وأجهشت النفوس بالبكاء
فهذا لاينافي عقيدة الإيمان بالقدر
لكن المطلوب الرضا والتسليم وعدم الجزع والسخط وإطلاق الألفاظ التي تدل على ذلك
...
ومن المنح ياأهل جدة أن الله تعالى كشف بمصابكم نفوسا ضعيفة تقلدت الأمانة ولم تقم بحقها
فنحمد الله تعالى أن هيأ لهم من يعاقبهم على تفريطهم ونسأل الله أن يهديهم ويبلغهم الإخلاص لأجل خدمة أمتهم
..
ومن المنح .. أن فُتح مع البلاء باب الأجور لعباده
فتفريج الكروب والبذل والعطاء أعمال تميز أهل الإحسان وكبار النفوس وسكان القمم
فأروا الله منكم خيرا .. فإنه يحب منكم هذا في مثل هذه المواقف
ابذلوا لأموال والجهود والمهج والمشاعر فالعطاء ليس ماديا فقط ..
بل قد يكون كلمة حانية أو دعوة صادقة بظهر الغيب
::
ولو بقينا نعدد تلك المنح لما كفتنا الأوقات
اعجبني فأحضرته