[align=center]
«ابنة القدر» بينظير بوتو، تسري في عروقها دماء عربية، على رغم انها ابنة زعيم باكستاني، ولكن نصفها عربي، وتتقاسم السعودية والعراق هذا النصف.
هذا ما تؤكده خالتها ملوك الماحوزي، التي تجاوزت الـ90 من العمر، وتعيش في محافظة القطيف، وتتلقى الخالة منذ أول من أمس، العزاء في ابنة أختها، إذ غص منزلها بالمُعزين.
يعود آخر لقاء بين ملوك وابنة أختها إلى نحو أربعة عقود، حين كانت بينظير في العاشرة من عمرها، ولم يلتقيا لاحقاً، بسبب ظروف كل منهما، على رغم استمرار العلاقة بين نصرت الصابونجي (والدة بينظير) وبين خالتها ملوك الماحوزي، إلا أن الخالة ما زالت تتذكر الكثير من تفاصيل حياة هذه العائلة، التي تميزت بـ»العناد، والتحدي، والإصرار على الوصول إلى الأهداف، حتى لو قدموا دماءهم في سبيل ذلك»، وهذا ما حدث للأب «ذو الفقار علي بوتو»، والابن مرتضى، والابن الآخر شاه نواز، وأخيراً البنت «الصغيرة العنيدة» بينظير.
البداية من العراق
قلّبت ملوك أمس صفحات من حياة أسرة بوتو، التي كانت تزورها في الباكستان. وتقول ملوك: «تقدم لأختي فاطمة، وهي الشقيقة الوحيدة لي، أحد أقارب أمي في العراق، إذ أن والدتي عراقية، وتزوجت فاطمة عندما بلغت التاسعة، وكان زوجها ميرزا الصابونجي صغيراً في السن أيضاً، وارتحلت معه إلى العراق، وكان ميرزا مثقفاً ومتعلماً ومحباً للقراءة والسفر.
وفي إحدى المرات، قرر السفر للهند، للتعرف على تلك البلاد ومعالمها، فوجد أن صناعة الصابون مزدهرة هناك، وتدر أرباحاً طائلة، فعاد إلى العراق، وعرض على زوجته فاطمة مرافقته إلى هناك، ولكنها رفضت في البداية، وسرعان ما وافقت على طلبه، بعد أن قال لها إنه وجد مصدراً للرزق الوفير، وإن لم توافق على مرافقته، فسيرحل بمفرده».
وتكمل ملوك «عندما توجهت فاطمة مع ميرزا إلى الهند، كان لديهما ابنتان: شفيقة وبهجت، ولاحقاً رُزقت بـ»نصرت» هناك، كما أنجبت زينة، وبينهن ولدان، لكن لم يكتب لهما الحياة، وتزوجت شفيقة وبهجت من شابين عراقيين، كانت تربط الأسرة بهم علاقة.
أما نصرت فكانت مثل والدها، محبة للدراسة والعلم، فقررت دراسة الهندسة في الباكستان، ولم يمانع والداها، طالما أن في ذلك بناءً لمستقبلها».
نصرت «العنيدة» وذو الفقار
وفي باكستان بدأت قصة «القدر» لنصرت، التي أحبت شاباً يُدعى «ذو الفقار علي بوتو»، أصبح لاحقاً قائداً وزعيماً واسع الصيت، وعرض عليها الزواج، فقبلت ذلك، وعادت إلى الهند في إجازتها، لتبلغ والدها، بيد أنه أجابها بـ»الرفض القاطع»، ورفض معه أي نقاش أو تفاهم، وكان عذره «كيف تتزوج ابنتي من باكستاني؟» وكانت عائلة الصابونجي حصلت على الجنسية الهندية حينها. وطلب الأب ميرزا من إبنته نصرت نسيان الأمر، وإكمال دراستها، ولكنها لم تستجب له، وتمسكت بـ»علي بوتو»، وتزوجته بعد وفاة والدها، الذي توفي في شكل طبيعي في الهند، ودفن هناك.
تتوقف الخالة ملوك، لتكمل الحكاية «إلى هذا الوقت كانت هناك علاقة وطيدة تربطنا بهم، إذ كنت أسافر إلى الهند، وأبقى معهم فترات طويلة، وكانت حياتهم جميلة ومستقرة، وبخاصة بعد أن جنى زوج أختي ميرزا أرباحاً طائلة من صناعة الصابون، وكان يملك مصنعاً كبيراً يعمل فيه قرابة 500 عامل، كما اشترى عدداً من العقارات هناك، واستقر في الهند، وحتى بعد وفاته، كانت تجارته مزدهرة، إذ كان هناك من يديرها له، فقد قام بجلب عدد من أفراد أسرته من العراق إلى الهند، لمساعدته في أعماله، وكانت وفاته أمراً عظيماً عند أختي، وما خفف عليها هو وجود عدد من أهله وبناتها اللاتي كبرن، وكن يتولين رعايتها».
بعد وفاة ميرزا، أصرت نصرت على الزواج من «ذو الفقار علي»، ولم تواجه معارضة من أحد من أفراد العائلة، وتم الزواج في حضور أهلها. وتقول ملوك الماحوزي: «كنت من بينهم، فلم يكن هناك فرق في السن بيني وبينهم آنذاك.
وتذكر حفلة الزفاف، «كانت ضخمة وملوكية، وكانت ابنة أختي نصرت سعيدة بزواجها من علي بوتو، الذي كان زوجاً رائعاً وقائداً عظيماً، كما كان ينتمي لعائلة كبيرة أيضاً، وكانت شخصيته قوية، وكلمته مسموعة، كما كان كثير القراءة والإطلاع أيضاً، ولا يخاف شيئاً في سبيل ما يراه حقاً». وتضيف «ذهلت من حجم القصر الذي سكنته نصرت، فحتى المرايا كانت محلاة بالذهب والأحجار الكريمة، وكانوا يرسلون لي الكثير من الهدايا، سواء من أختي فاطمة في الهند، أو من ابنتها نصرت في باكستان، إذ كانوا يرسلونها لي من طريق مندوب شركتهم التي كانت تورد الصابون إلى المملكة». واستدركت ملوك «كان زواج نصرت من بوتو حلم حياتها، وحصلت عليه على رغم من علمها انه مستهدف من جانب أعدائه في الباكستان، وهذا ما حدث لاحقاً، إذ انقلب عليه قائد الجيش ضياء الحق، وأعدمه بعد عامين من وضعه في السجن».
الموت يطارد العائلة
وأنجبت نصرت من علي بوتو بنتين وولدين، هم: مرتضى ثم بينظير (يعني اسمها الذي ليس له نظير)، وشاه نواز وشاه زنان (ملكة االنساء).
وتذكر ملوك أن «مرتضى وبينظير كانا الأكثر شبهاً بوالدهما في الحكمة والقيادة، على رغم أنهما اختلفا مع بعضهما سياسياً، وقد قتل مرتضى خلال اشتباكات مع الشرطة الباكستانية قبل 11 سنة، وكانت أخته حينها هي رئيسة الوزراء في الباكستان، فيما قُتل شقيقهما شاه نواز مسموماً في فرنسا قبل ذلك بكثير (قبل 22 عاماً)، أما أختهم شاه زنان فلم يكن لها علاقة بالسياسة، وسمعت أنها رحلت مع زوجها إلى لندن بعد اغتيال والدها «ذو الفقار علي بوتو»». وتتذكر ملوك الطفلة بينظير «كانت صغيرة جداً، ولكنها كانت بشدة والدها نفسها وحزمه، وكانت نصرت تفخر بذلك، وبعدها انقطعت أخبارهم عني، خصوصاً بعد مقتل زوجها، ووضع ابنة اختي نصرت قيد الإقامة الجبرية، فيما دخلت بينظير السجن لمدة خمس سنوات، ولاحقا رحلت نصرت إلى الإمارات العربية المتحدة، وكانت بينظير معها آنذاك، وحاولت في تلك السنوات الذهاب لهم هناك، ولكنني لم أوفق، فأنا لم أنجب أولاداً، وزوجي «يرحمه الله» كان عاجزاً عن مرافقتي إلى هناك، ولكنني بقيت على تواصل معهم، من خلال مطالعة أخبارهم في الصحف والتلفزيون، وبخاصة بعد سقوط ضياء الحق، وعودة نصرت وابنتها إلى الباكستان، وترشحهما في الانتخابات، وفوزهما، ثم وقوع الخلاف بين الأم وابنتها».لم تستغرب مُلوك الماحوزي كثيراً، لدى سماعها خبر اغتيال ابنة أختها بينظير بوتو، «فهذا كان قدرها، مثل والدها وأخوتها، وكنت توقعت لها هذه النهاية المؤلمة، حتى أنني حاولت الاتصال بها كثيراً خلال الشهر الماضي، إلا أن محاولاتي باءت بالفشل، حتى جاء جيراني ليخبروني بمقتلها، واجتمعوا لديّ في المنزل، لمواساتي»، ولكن ملوك تمنت ان تكون في هذه اللحظة «إلى جوار ابنة أختي نصرت، التي تعاني من مرض (الزهايمر)، وتضاعفت معاناتها الآن، بموت ثالث أولادها (بينظير)». كما تتمنى أن «أكون معها في هذه الأوقات الصعبة، فنصرت فقدت زوجها وابنيها وابنتها، بسبب السياسة، ولا بد أن يكون بقربها احد يواسيها في مصابها، ولكني لا أعلم كيفية الوصول إليها، أو حتى رقم الهاتف للاتصال عليها، ولعجزي قررت إقامة مأتم عزاء في منزلي، لمدة ثلاثة أيام، كي أقرأ الفاتحة على روح ابنة أختي».
وأضافت الخالة ملوك «لم يبق من عمري إلا القليل القليل، وأتمنى رؤيتهم، فقد كان أبناء أختي هم أبنائي، إذ إنني تزوجت ولم أنجب، وأتمنى رؤية أختي قبل أن أموت، ورؤية من بقي من عائلتها».
نقلا عن جريدة الحياة ..
وتقبلوا اصدق تحياتى
ابوتركي[/align]