كثيرا ما نشاهد أماكن لمرات عديدة دون أن تلفت انتباهنا ، وقد نعتاد عدم النظر إليها لما نحمله عنها من خبرات سابقة ، هذه الأمكنة أو المواقع نفسها قد تلفت انتباهنا بما يطرأ عليها من تغيير يشدنا إليها بقوة ، وهذا ما حدث معي عندما مررت أمام مكان كنت أعرفه جيدا بل عملت فيه سنتين كاملتين قبل عشرين سنة ، ذلك المكان هو مدرسة غرناطة الابتدائية بمحافظة الخفجي التي تعاقب على إدارتها عدد من المديرين عبر عمرها المديد ، ولقد شدتني الصورة الخارجية لمبنى المدرسة للدخول - رغم عدم وجود أبناء لي فيها - ومعرفة ما يجري داخلها.
دخلت المدرسة وتحدثت إلى مديرها الذي كان يحمل هما تربويا وتعليما كبيرا ، بل هو مملوء نشاطا ، وذو همة عالية ، وقد ساهمت صفاته القيادية في تغيير البيئة المدرسية للأفضل والتي يرى أنها تنعكس إيجابيا على مستوى التعليم فيها ، وتؤثر تأثيرا أكثر إيجابية على النواحي السلوكية للطلاب.
أخذني ذلك المعلم الرائع بجولة شاملة في المدرسة التي أعرفها منذ سنين ، فوجدت تغييرا يقف عنده من يعرف أبجديات التربية والتعليم وقفة إعجاب بل اندهاش كبيرة ؛ لما يراه من حسن تنظيم ، وبيئة صفية ومدرسية متكاملة هي في أزهى صورها نظافة وتنسيقا وجمالا وهدوءا واستخداما للتقنية الحديثة في التعليم ، ولم يغفل البيئة الخاصة بالأنشطة المدرسية فاهتم بها اهتماما رائعا، بل زاد عليها تنسيق أماكن رائعة لجلوس الطلاب في أفنية المدرسة ؛ لتناول وجباتهم ، وزين المدرسة بالزراعة والمجسمات ، والأشكال الجمالية الرائعة من لوحات وعبارات منتقاة ، ولاحظت أثناء تجوالي معه الود الكبير بينه وبين العاملين معه من إداريين ومدرسين وعمال، ورأيت محبة متبادلة بينه وبين طلابه ، وقد تحدث عن أمنياته لعمل أشياء كثيرة في المدرسة تعود بالنفع على طلابه ، وتخلق بيئة مدرسية محبوبة ومرغوبة غير مرهوبة ، وذكر أن بعض طلاب المدرسة تسوروا الجدار ودخلوا المدرسة في نهاية الأسبوع للعب داخلها ، وكان سروره كبيرا معتبرا ذلك نجاحا ؛ لأن الشائع هو تسور الجدران للهروب من المدارس لا الدخول إليها ، وقد اقترحت عليه أن يجعل أياما محددة في الأسبوع للطلاب الراغبين بالاستفادة من مرافقها خارج وقت الدوام ، وأن تكون تلك الأنشطة تحت إشراف المدرسة.
وحضرت في مساء ذلك اليوم حفل تكريم الطلاب المتفوقين الذي رعاه سعادة محافظ الخفجي ، وقد تحدثت إلى سعادة مدير عام التربية والتعليم بالمنطقة الشرقية الدكتور عبد الرحمن المديرس عمّا رأيته في تلك المدرسة فازددت سرورا عندما ذكر أنه قد زارها ليلا قبل مجيئه لحضور الحفل.
ومضة : أثنيت على جهود ذلك المدير الرائع الأستاذ نايف الخالدي فقال : إن ما تراه من عمل ليس جهدي وحدي بل هو جهد بدأه زميلي السابق ، وإنني أكملت مشروعه بمساعدة زملائي في المدرسة الذين لولا إخلاصهم وتفانيهم ما استطعنا أن نصل إلى ما نحن عليه ، وأنهم يسعون لما هو أهم وأكبر ، إنهم يسعون للجودة والتميز.
الكاتب الاستاذ/ عبد الله بن مهدي الشمري
المصدر : جريدة اليوم