كل صاحب هم يتفنن في صيد ما يريد فعاشق المال يتفنن في جمعه وتنميته ويحرص على تعلم مهارات التجارة والربح، والقنوات الفضائية تتفنن في اصطياد الناس بتنويع البرامج واختيار الأساليب المتجددة وتدريب مقدمي البرامج على مهارات تجذب الناس لمتابعتها.
وقل مثل ذلك في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة ومثله مروجو البضائع المختلفة سواء كانت حلالاً أم حراماً ..كلهم يحرصون على إتقان المهارات التي تفيدهم في مجالهم الذي يحبونه ..وكسب القلوب فن من الفنون له طرقه وأساليبه.
هب أنك دخلت مجلساً فيه أربعون رجلاً فمررت بالناس تصافحهم فالأول مددت يدك إليه مسلماً فناولك طرف يده وقال ببرود : أهلاً أهلاً والثاني كان مشغولاً بحديث جانبي ففاجأته بالسلام فرد ببرود أيضاً وصافحك دون أن ينظر إليك.
والثالث كان يتحدث بهاتفه فمد يده إليك دون أن يتلفظ بكلمة ترحيب أو يبدي لك أي اهتمام.
أما الرابع .. فلما رآك مقبلاً قام مستعداً للسلام فلما التقت عينك بعينه ابتسم وأظهر البشاشة بلقياك وصافحك بحرارة واحتفى بقدومك وأنت لا تعرفه ولا يعرفك.
ثم أكملت سلامك على الناس وجلست بالله عليك ! ألا تشعر أن قلبك ينجذب نحو ذلك الشخص؟ بلى ينجذب إليه وأنت لا تعرفه ولا تدري عن اسمه ولا تعلم وظيفته ولا مركزه ومع ذلك استطاع أن يسلب قلبك لا بماله ولا بمنصبه ولا بحسبه ونسبه وإنما بمهارات تعامله.
إذن القلوب لا تكسب بالقوة ولا بالمال ولا بالجمال ولا بالوظيفة وإنما تكسب بأقل من ذلك وأسهل ومع ذلك فقليل من يستطيع كسبها.. أذكر أن أحد طلابي في الكلية أصيب بمرض نفسي كان نوعاً صعباً من الاكتئاب.
كان والده ضابطاً يشغل منصباً عالياً جاء مراراً إلى الكلية وقابلني وتعاونّا على علاج ابنه كنت أذهب إلى بيتهم أحياناً فأراه قصراً منيفاً وأرى مجلس الأب مليئاً بالضيوف لا تكاد تجد فيه مكاناً فارغاً.
كنت أعجب من محبة الناس لهذا الرجل وإقبالهم عليه مضت سنوات وتقاعد الأب من منصبه فذهبت إليه زائراً دخلت القصر ثم دلفت إلى المجلس وفيه أكثر من خمسين كرسياً فلم أر في المجلس إلا الرجل يتابع برنامجاً في التلفاز وخادماً يخدمه بالقهوة والشاي جلست معه قليلاً.
فلما خرجت جعلت أتذكر حاله لما كان في وظيفته وحاله الآن ما الذي كان يجمع الناس فيما مضى ؟ ما الذي كان يجعلهم يلتمون عليه مؤانسين متحببين ؟!.
أدركت عندها أن الرجل لم يكسب الناس بأخلاقه ولطفه وحسن تعامله وإنما كسبهم بمنصبه ووجاهته وسعة علاقاته فلما زال المنصب زالت معه المحبة.
فخذ من صاحبنا درساً وتعامل مع الناس بمهارات تجعلهم يحبونك لشخصك يحبون أحاديثك وابتسامتك ورفقك وحسن معشرك يحبون تغاضيك عن أخطائهم ووقوفك معهم في مصائبهم لا تجعل قلوبهم معلقة بكرسيك وجيبك.
الذي يوفر لأولاده وزوجته المال والطعام والشراب لم يكسب قلوبهم وإنما كسب بطونهم والذي يغدق على أهله الأموال مع سوء التعامل لم يكسب قلوبهم إنما كسب جيوبهم.
لذلك لا تستغرب إذا وجدت شاباً تقع له مشكلة فيشكوها إلى صديق أو إمام مسجد أو مدرس ويترك أباه لأن الأب لم يكسب قلبه ولم يحطم الأسوار بينهما بينما كسب هذا القلب مدرس أو صديق وربما كسبه عدو حاقد.
وأمر آخر مهم ألا تلاحظ معي أن بعض الناس إذا دخل مجلساً مزدحماً وجعل يتلفت باحثاً عن مكان يجلس فيه رأيت الجالسين يتسابقون عليه كل يناديه ليجلس بجانبه، لماذا؟.
هل دعيت يوماً إلى عشاء وكان بنظام " البوفيه المفتوح " بحيث إن كل شخص يأخذ طعامه في طبق ويجلس على إحدى الطاولات الدائرية.. ألم تر بعض الناس ما إن يملأ طبقه بالطعام حتى يتهافت عدد من الناس يشيرون إليه بوجود مكان فارغليجلس معهم.
بينما آخر يملأ طبقه بالطعام ويتلفت ولا أحد يناديه أو يقبل عليه حتى تسوقه قدماه إلى إحدى الطاولات لماذا حرص الناس على الأول دون الثاني ألا تشعر أن بعض الناس تقبل عليه القلوب أينما كان وكأن في يده مغناطيس يجذبها به جذباً.
عجباً ! كيف استطاع هؤلاء جميعا كسب الناس ؟! إنها طرق ذكية يستطيع بها الشخص أن يصيد بها القلوب.
د.محمد العريفي.