عندما درس العلماء القشرة الأرضية وجدوا أن هذه الطبقة من طبقات الأرض ليست متساوية من حيث السماكة، فهي تختلف من منطقة لأخرى، والغريب أن المناطق من القشرة تحت الجبال تكون سميكة جداً. فقد وجد العلماء أن لكل جبل جذر يمتد تحت الأرض لعشرات الكيلو مترات، وحتى الصور التي يرسمها العلماء للجبال تظهر فيها هذه الجبال وكأنها أوتاد مغروسة في الأرض. وقد ثبت أن هذه الأوتاد تثبت قشرة الأرض والغلاف الصخري تحتها لكيلا تضطرب الأرض بنا، يقول تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) [سورة النبأ: الآية 6-7]. يتحدث رب العالمين في هاتين الآيتين عن نعمه الكثيرة، فهو الذي مهد لنا الأرض لنتمكن من الحياة عليها، وهو الذي جعل الجبال أوتاداً ليثبت بها الأرض، فسبحان الله! وكما يروي عن انس بن مالك عن النبي( صلي الله عليه وسلم) انه قال: لما خلق الله الارض جعلت تميد, فخلق الجبال فقال بها عليها, فاستقرت.... جامع الترمذي: باب في حكمه خلق الجبال في الارض لتقر بعد ميدها. وجاء الحديث في مسند احمد بن حنبل بالنص التالي: عندما خلق الله الارض جعلت تميد, فارساها بالجبال وهذا الحديث الشريف يتفق روحا ومعني مع قول الحق( تبارك وتعالي) والجبال ارساها متاعا لكم ولانعامكم.( النازعات:33,32).
وقد تكرر هذا المعني في تسعه مواضع اخري من كتاب الله العزيز( الرعد:3, الحجر:19, النحل:15, الانبياء:31, النمل:61, لقمان:10, فصلت:10, ق:7, المرسلات:27), مما يدل علي اهميته في تهيئه الارض للعمران.
ولفظه الارض ترد في القران الكريم, وفي احاديث رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بمدلولات ثلاثه حسب مفهوم السياق, فهي ترد احيانا للدلاله علي الكوكب الارضي ككل, واحيانا ترد بمدلول كتل اليابسه التي نحيا عليها( الغلاف الصخري للارض, واحيانا اخري يقصد بها التربه التي تغطي صخور اليابسه.
وقد اختلف العلماء في فهم دور الجبال في ارساء الارض اختلافا كبيرا, وذلك لان مجموع كتل الجبال علي سطح الارض علي الرغم من ضخامتها لا تساوي شيئا بالنسبه لكتله الارض ككل والمقدره بحوالي سته الاف مليون مليون مليون طن.
كذلك فان طول الجبال علي تعاظمها لا يساوي شيئا بالنسبه الي طول نصف قطر الارض, وذلك لان الفرق بين اعلي قمه جبليه علي سطح الارض[ وهي قمه افرست( في سلسله جبال الهيمالايا) والتي يبلغ ارتفاعها(8848 مترا) فوق مستوي سطح البحر], وبين اعمق بقعه في اغوار المحيطات[ وهي غور ماريانا بالقرب من جزر الفلبين, والتي تبلغ في العمق10867 مترا تحت مستوي سطح البحر] لا يكاد يصل الي عشرين كيلو مترا(19,715 كيلو متر) بينما يبلغ نصف القطر الاستوائي للارض6378,160 كيلو متر, وهنا تتضح ضاله تضاريس الارض بالنسبه الي نصف قطرها ونسبتها لا تكاد تتعدي0,3%(6378,160/19,715).
وهنا يبرز التساول المنطقي: كيف يمكن للجبال ان تثبت الارض وكتلتها وابعادها بهذه الضاله اذا ما قورنت بكتله وابعاد الارض؟ والجواب لم يكن ممكنا قبل اواسط الستينات من القرن العشرين حين اتضح لنا ان الغلاف الصخري للارض ممزق بشبكه هائله من الصدوع التي تمتد لعشرات الالاف من الكيلو مترات وهي محيطه بالارض احاطه كامله بعمق يتراوح بين65 كم,150 كم, فتودي الي تمزيق هذا الغلاف الي عدد من الالواح الصخريه المعزوله عن بعضها البعض بمستويات تلك الصدوع وتطفو الواح الغلاف الصخري للارض فوق طبقه لدنه, شبه منصهره عاليه الكثافه واللزوجه تعرف باسم نطاق الضعف الارضي.
وفي هذا النطاق تنشط التيارات الجداريه علي هيئه دوامات عاتيه من تيارات الحمل التي تدفع بالواح الغلاف الصخري للارض متباعده عن بعضها البعض, او مصطدمه ببعضها البعض بسرعات لا تسمح بعبرانها علي الاطلاق.
وهذه الحركات لالواح الغلاف الصخري للارض لا يهدئ من عنفها الا تكون السلاسل الجبليه علي مراحل متتاليه حتي تصل الي مرحلتها النهائيه باستهلاك قاع المحيط الفاصل بين قارتين متباعدتين استهلاكا كاملا وذلك بدفع احدي القارتين له تحت القاره الاخري حتي تصطدم القارتان ضاغطه الصخور المتجمعه بينهماعلي هيئه سلاسل جبليه عظيمه تمتد باوتادها لتثبت صخور احدي القارتين بصخور الاخري كما يثبت الوتد اركان الخيمه بالارض, وكما قد حدث بتحرك الهند في اتجاه القاره الاسيويه, حتي اصدمتا ونتج عن ذلك تكون جبال الهيمالايا كاحدث سلسله جبليه علي سطح الارض, واعلاها ارتفاعا