ذات يوم كنت نائماً في حجرتي ما بين الحلم و اليقظة..
فتحت عيني فوجدت نفسي في حجرة غريبة جداً!!. حجرة امتلأت بالملفات الضخمة على كل حوائطها من الأرض إلى السقف. و كانت الملفات كبيرة و قديمة مثل التي تُستخدم في الشركات و المكتبات.
اقتربت من الحائط لأدقق النظر، و كان أول ملف لفت نظري كان بعنوان "أعز أصدقائي" فتحته لأتفحصه، و لكنى أغلقته بسرعة إذ صُدمت عندما تعرفت على الأسماء المكتوبة فيه و عندئذ عرفت أين أنا......في حجرة ملفات حياتي.... هنا كُتبت كل أفعالي كبيرة و صغيرة..كل ثانية في حياتي مسجلة
هنا انتابني شعور برعب شديد ممزوج بحب الاستطلاع، وبدأت أستكشف باقي الملفات... بعضها أعاد لي الذكريات وبعضها ملأني بالندم الشديد....حتى أنني كنت أنظر حولي لأتأكد من عدم وجود أحد معي في الحجرة. كانت المواضيع كثيرة ومتنوعة، منها
"كتب قرأتها"، " أصدقاء خنتهم"، "أكاذيب قلتها"، "كلمات تعزية قلتها"، "نكت ضحكت عليها"..
والبعض كان شديد الدقة في التبويب، مثل "المرات التي صحت فيها في وجه أخي"، "أشياء فعلتها و أنا غضبان"، "شتائم قلتها في سرى". كانت المحتويات عجيبة...بعضها أكثر مما أتوقع و البعض الآخر أقل مما كنت أتمنى.... كنت أتعجب من كم الملفات التي كتبتها في سنواتى العشرين، هل كان عندي وقت لأكتب ما يقرب من المليون ورقة!! و لكنها الحقيقة. كانت الأوراق مكتوبة بخط يدي وتحمل إمضائي
فتحت ملف اسمه "أغاني استمعت إليها"...
كان ممتلئاً عن أخره، لدرجة أنى لم أصل حتى نهايته فأغلقته بسرعة.. ليس فقط خجلاً من نوعية الأغاني، بل خجلاً أيضاً من الوقت الذي أضعته و أنا أستمع إليها.
عندئذ رأيت ملفاً أخر يحمل عنوان "أفكار شريرة"..
سرت في جسدي برودة، لم أرد أن أعرف حجم الملف فأخرجت ورقة واحدة فقط.. ولم أطق أن أتصور أن حتى هذه اللحظات سُجلت. فقررت عندئذ أن أُدمر هذه الحجرة بما فيها !!!!
لا ينبغي أن يرى أحد هذه الحجرة و لا حتى أن يعلم بوجودها...أخرجت الملف الأخير، وحاولت تقطيعه و لكنى فزعت عندما لم يتقطع الورق وكأنه مصنوع من حديد.. أعدته إلى مكانه و أسندت رأسي على الحائط، بدأت أتنهد وأبكى..
ثم لاحظت ملفاً آخر بعنوان " الأشخاص الذين قدمت لهم وشهدت بالحق أمامهم" كان الملف جديداً، وكأنه غير مستعمل...فتحته فوجدت عدد الأشخاص يُعد على أصابع اليد الواحدة. بدأت دموعي تنساب، ثم تحولت إلى بكاء مُر.. ركعت على ركبتي.... و أخذت أبكى من الخجل والندم، ونظرت إلى الحجرة بعيون مملوءة دموع.. لابد أن أغلقها بسرعة ثم أُخفي المفتاح.
عندها تخيلت كيف سيكون حالي حين يتطلع الله تعالى على الملفات ملفا ملفا وصفحة بعد صفحة!! لا لا لا أريده أن يرى هذا. كأني به يفتح الملفات ويقرأ ويتطلع على أسوأ الملفات...لماذا يقرأ كل ورقة..؟!
بدأت دموعي تنساب ... "فهذه أعمالي النجسة" أكره أن يراها الله تعالى ... عندئذ سجدت لله وأنا أقول: " الآن يا إلهي أكتب أعمالي تبعاً لأقوالك"
فهل مر أحدكم بمثل هذه التجربة ؟؟؟؟؟؟؟
لـ( يحيى الغوثاني )