لابد لي من أن أقف معكم وقفة مع هذا الجهاز «الجوال» الذي وفر على الناس كثيراً من أوقاتهم وأموالهم، وأنجز كثيراً من معاملاتهم وأمورهم، بل رفع مشقة الذهاب والإياب والسفر.
تسمع بالأخبار في شرق الأرض وغربها عن قريب أو صديق، مفرح أو محزن، وأنت في أطراف الأرض فلله الحمد على نعمه العظيمة.
لك أخي الحبيب: ان تتفكر حال ما كان عليه الآباء والأجداد ينتظرون أشهراً لوصول رسالة من هنا أو هناك ليعرفوا بها أحوال أقاربهم وأسرهم، يرفع التاجر «جواله» ليعقد صفقة تجارية بملايين الريالات في دقائق معدودة دون ان يتحمل عناء السفر.
ومع هذا الجهاز العجيب لابد لنا من عدة نصائح وتوجيهات ووقفات وتأملات..
أولاً: أحدنا يتسلم فاتورة جواله، فينظر إليها ويتأمل ويتألم وفي ذلك المبلغ الذي أتت به والكم الهائل من الاتصالات بالدقائق بل ربما بالساعات ولربما استغرب بعضها وأنكرها!! والتي حُسبت بالثواني من قبل بشر قد يصيب أو يخطئ!! فهل تفكرت فيما يكتب عليك من حسنات وسيئات من قِبل الملكين في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها!! فتفكر في ذلك وتأمل.
ثانياً: أذية المسلمين: فبعض الناس وخاصة من الشباب يتفكه في أذية عباد الله لغزل أو لغيره فليقرأ وليسمع هذا وأمثاله قوله تعالى: {وّالَّذٌينّ يٍؤًذٍونّ المٍؤًمٌنٌينّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٌ بٌغّيًرٌ مّا اكًتّسّبٍوا فّقّدٌ احًتّمّلٍوا بٍهًتّانْا وّإثًمْا مٍَبٌينْا} انظر لحال ذاك الرجل الذي دخل إلى المسجد يريد أجراً وثواباً لكنه دنس نفسه بهذه النغمات الموسيقية الخالعة التي يخجل عقلاء العقلاء من استماعها فضلاً على انها ترن في مساجد الله تعالى التي أذن ان ترفع ويُذكر فيها اسمه! فهذا من أذية خلق الله، بل ربما لو قلنا لأحد أجدادنا أو آبائنا من قبل عدة سنوات إنك ستستمع إلى الموسيقى في المسجد فكيف سيكون شعوره وموقفه؟! فأين الخشوع والخضوع في الصلاة لرب العالمين..!!
ثالثاً: في نظري ان الجوال نزع شيئاً من حياء المرأة فأصبحت تتجرأ على ان تكلم الرجال وتكلم المدرسة، والخياط، والمطاعم، والجهات الرسمية، وشركة الكهرباء، ومصلحة المياه، والاستعلامات في الهاتف، والدليل، وبائع الخضراوات، وتتصل وتتصل وعُدّ واحسب معي.. وهذا ليس حراماً ولا نقول بهذا!، لكن أين ولي الأمر الذي يفترض ان يقوم بهذا العمل؟! والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن اللاتي لا يطمع فيهن طامع، وهن في عهد النبوة في حياة الصحابة بقوله: {فّلا تّخًضّعًنّ بٌالًقّوًلٌ فّيّطًمّعّ الذٌي فٌي قّلًبٌهٌ مّرّضِ وّقٍلًنّ قّوًلاْ مَّعًروفْا} فكيف بمن سواهن؟!..
رابعاً: رسائل الجوال: كم يتراشق كثير من الناس في رسائل الجوال مع بعضهم.. تأمل وانظر في طبيعتها تجد ان قدراً لا بأس به، فيه تذكير بالله تعالى، ونصيحة، وجلب منفعة ودعوة لوليمة، وتسهيل لبعض المهمات، لكن القدر الكبير يدور حول النكت والطرائف، النكت بالقبائل والمدن والناس والأشخاص والقيم والقسم الآخر يدور حول الحب والغرام والتغزل الذي لا فائدة منه البتة، فكل رسالة محسوبة عليك.
قال تعالى: {مّا يّلًفٌظٍ مٌن قّوًلُ إلاَّ لّدّيًهٌ رّقٌيبِ عّتٌيدِ}.
خامساً: الإسراف وضياع الوقت: على سبيل المثال لا الحصر كثير من الناس وخاصة الشباب كلما ظهر نوع جديد من الأجهزة طار لشرائه! خذ أيضاً كثيراً منهم يجلس ساعات طويلة يكلم فلانا وفلانة كلاماً لا فائدة فيه !! بل ربما يستطيع ان يختصر حديثه بكلام مفيد!! {وّلا تٍسًرٌفٍوا إنَّهٍ لا يٍحٌبٍَ المسًرٌفٌينّ}، {وّلا تٍبّذٌَرً تّبًذٌيرْا إنَّ المٍبّذٌَرٌينّ كّانٍوا إخًوّانّ الشَّيّاطٌينٌ}.
وأخيراً علينا ان نتأدب بالآداب الشرعية في استعمال مثل هذه الهواتف، من التأكد من الرقم قبل طلبه والسلام في أول الاتصال، وعدم رفع الصوت، والتأدب بآداب الحديث.. إلى غير ذلك من الآداب الإسلامية التي يجب أن نتحلى بها قبل غيرنا من الناس.
* اصل هذه المقالة مقالة في جريدة الجزيرة الجمعة 18 جمادى الأولى 1424هـ.