في زمانٍ مضى كانت بيوت الجيران بيتنا الكبير
في زمانٍ رحل كانت الأبواب مُشرّعة للجميع
كانت القلوب بيضاء ، الحب هو قاسمها المشترك
كانت البراءة في التعابير، السُمو في التعامل، الصدق في الشعور - هي الديدن
كانت التاسعة صباحاً ساعة صخب تُقرع أجراسها في جميع المجالس
كانت رائحة القهوة تفوح في الأرجاء ، والجارات يحملن ترامس القهوة وخبزة الملال ، يدرن بها البيوت
كان الأطفال يمارسون اللهو على الأرصفة وفي الطرقات
كم بكينا على الكرة عندما تُغتال تحت العجلات !
أهـ على كلماتٍ كم عشقتها واندثرت
" أمي تسلم عليكم وتقول إذا ما بتروحون مكان بتجيكم "
" أمي تسلم عليكم وتقول عندكم طماطم "
" أمي تسلم عليكم وتقول اعطونا شوية هيل "
أهـ على تلك القدور التي تدور في الحي ، كم كنت سفيراً أميناً لحملها
أهـ على ليالي رمضان وكيف كنا نُعبّر عن فرحتنا بمقدمة بسلك الغسيل بعد أن نشعل به النار
أهـ على المسامير التي كنا نحفر لأجلها الإسفلت لنملأه بالكبريت ثم نستمتع بصوتها يُدوّي المكان
أهـ على بسطات البليلة وترامس الأيسكريم في ليالي رمضان
كنّا نسير بأقدام حافية ، وثياب مشقوقة
أهـ كم أتوق لليالي العيد ... زمــان
كنّا نجتمع لأجل أن يشاهد كلٌ منّا ملابس عيد الأخر!
كانت رائحة الملابس والأحذية الجديدة بمثابة جرعة منشطة لمواصلة الحياة
كانت الحلاوة تتوسط المجالس يجاورها زجاجة عطر تتصل بها كرة ذهبية صغيرة طالما تصارعنا من أجل الفوز بها عندما ينتهي العطر!
ما أجمل صباح العيد عندما ننتشر جميعاً نطرق الأبواب ، نتسوّل الحلوى والريالات ، وشعارنا الموحد
"من العايدين" !
كانت جيوبنا ملأى بالحلوى ، نعود سريعاً لتفريغها في المنزل ، ثم نواصل الغارات
ليتنا نعود كما كنّا ... ليت الزمن توقف مع أخر ضحكاتنا البرئية
أهــ ... أهـ ... أهــ
أتوقّف هنا ففي القلب غصة ، وفي العين دمعة ، وفي الصدر حُرقة !